السبت 5 شباط (فبراير) 2011

نحو “حكومة إنقاذ” لبنان من نفسه

السبت 5 شباط (فبراير) 2011 par د. عصام نعمان

من المستبعد، بعد سقوط حكومة سعد الحريري، أن يشهد لبنان أحداثاً مشابهة لأحداث تونس ومصر . ومع ذلك ما زال نجيب ميقاتي يصارع من أجل تأليف حكومة جديدة . كان حصل على أصوات 68 من أصل 128 نائباً في الاستشارات النيابية للتكليف، لكنه يبدو متشككاً في تمتعه بالأكثرية نفسها للتأليف . أسباب التعثر متعددة: التعارض الواضح في الشروط التي يضعها فريقا 14 آذار و8 آذار للاشتراك فيها، وحمّى الاستيزار لدى محازبي الفريقين، إصرار الميقاتي على تمثيل الفريقين في الحكومة لتفادي انتقال الصراع إلى الشارع، تردده في إعلان الحكومة قبل 14 فبراير/ شباط موعد الاحتفال بالذكرى السادسة لاغتيال رفيق الحريري، عدم استعداد الأكثرية الجديدة (قوى 8 آذار) للمساومة في ثلاث قضايا: حماية المقاومة، فكّ الارتباط بالمحكمة الدولية، وفتح ملفات الفساد ومحاسبة الفاسدين .

يتذرع الميقاتي بكل هذه الأسباب ليتباطأ في تأليف الحكومة . هو يجامل رئيس مجلس النواب نبيه بري بترداد مقولة “السرعة لا التسرع”، لكنه يبدو متردداً في إعلان حكومته قبل 14 فبراير/ شباط، ذلك أن سعد الحريري يخطط لتنظيم احتفال كبير (حشد شعبي أو مهرجان خطابي) لتكريس فريق 14 آذار معارضة فاعلة للميقاتي وحكومته . فيما يخشى الميقاتي أن ترافق المناسبة حوادث وأحداث قد تنعكس سلباً على وضعه الشعبي والسياسي .

وثمة من ينصح الميقاتي أيضاً بتأخير إعلان حكومته إلى ما بعد صدور القرار الاتهامي عن المدعي العام لدى المحكمة الدولية . يقولون له إن القرار المذكور سيصدر، على الأرجح، أواخر الشهر الجاري وقد يتضمن اتهاماً لأعضاء في حزب الله باغتيال رفيق الحريري، وأنه من الأفضل الانتظار للإحاطة بردود الفعل التي ستنجم عن ذلك، ولاسيما في صفوف المسلمين السنّة .

في المقابل تعارض الأكثرية الجديدة، قوى 8 آذار، التباطؤ في تأليف الحكومة . هي لا تعارض في تمثيل الأقلية الجديدة، قوى 14 آذار، في الحكومة على شروط قوى 8 آذار لكنها لا ترى مسوّغاً لتطويل الحوار معها . ذلك أن بعض أركان فريق 14 آذار أعلن أن لا سبيل إلى المشاركة في الحكومة إلا على أساس عدم المساس بالاتفاقية المعقودة مع الأمم المتحدة بشأن إنشاء المحكمة الدولية، كما التمسك بمطلب تجريد المقاومة من السلاح أو دمجها بالجيش اللبناني . فلماذا التباطؤ في تأليف الحكومة طالما مواقف المعارضة (الجديدة) معروفة وتصميمها على مناكفة الميقاتي قائم وثابت وليس ما يشير إلى أنه في طريقه إلى الانكفاء؟

إلى ذلك، تشعر قوى 8 آذار أن هامش المناورة أمام الحريري قد ضاق كثيراً، فقد تراجع تأييد السعوديين له لأسباب عدة ليس أقلها وصفه للأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، نائب رئيس الاستخبارات السعودية، بأنه سفاح، وقيام كتّاب سعوديين في صحيفتي “الشرق الأوسط” و”الحياة” بنقده لسوء تدبيره خلال ترؤسه الحكومة، ورجوعه عن تأييد التسوية السعودية السورية . وليس أدل على تراجع مكانته لدى السعوديين من امتناعه عن زيارة السعودية مذ جرى تكليف غريمه الميقاتي تأليف الحكومة الجديدة، واستعاضته عن زيارة الرياض بالسفر إلى باريس في ما اسماه زيارة خاصة .

ويقدّم خصوم الحريري دليلين إضافيين على تراجع نفوذه وتأثيره: الأول، انفراد حزب الكتائب، من بين قوى 14 آذار، بإجراء محادثات جدية مع الميقاتي من أجل المشاركة في الحكومة . والثاني، اتجاه فريق من أركان “تيار المستقبل” إلى نقل الاحتفال بذكرى 14 فبراير/ شباط من بيروت إلى طرابلس وذلك لتفادي الاحتكاك مع خصوم الأقلية الجديدة من جهة، ومن جهة أخرى لتأمين حشد شعبي كبير في طرابلس، عقر دار الميقاتي، لسهولة انتقال انصار الحريري من مناطق عكار والمنية والضنية إلى مكان الاجتماع .

كل هذه الاعتبارات حملت رئيس مجلس النواب نبيه بري على الاجتماع برئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والإعلان بعدها عن ضرورة مسارعة الميقاتي إلى تأليف حكومة إنقاذ . ولعل سؤالاً بديهياً ينهض هنا: إنقاذ لبنان ممن؟ من “الحريرية”؟ من الفتنة المحتملة؟ من النظام الطائفي؟ من الفساد؟

الحقيقة أنه آن الأوان لإنقاذ لبنان من نفسه . وإنقاذه من نفسه يعني إنقاذه من جميع الأمراض المار ذكرها التي ما انفكت تفتك به منذ استقلاله عام 1943 . والمفارقة اللافتة أن معظم القوى السياسية المتصارعة اليوم مشاركة بل صانعة لكثير من الشرور والمفاسد التي يشكو منها لبنان عبر تاريخه المعاصر . ومع ذلك فإن بعضاً منها يقف في الوقت الحاضر زاعماً أنه قادر على الاضطلاع بدور إنقاذي في مكافحة الطائفية والفساد ومواجهة الفتنة .

باختصار، الإنقاذ والإصلاح والتغيير تتطلب وجود منقذين وإصلاحيين وتغييريين، وهو أمر غير متوافر حالياً بشكلٍ كافٍ . من هنا فإن الممكن، مرحلياً، هو تأليف حكومة وطنية جامعة يكون ثلثاها من القوى الوطنية والاجتماعية القادرة على تحقيق برنامج سياسي للحد الأدنى قوامه المهام الآتية:

* أولاً، توطيد الأمن الوطني وحماية المقاومة من خلال معادلة “الشعب والجيش والمقاومة”، وذلك في إطار استراتيجيا للدفاع الوطني تكون المقاومة والجيش اللبناني ركيزتيها الأساسيتين .

* ثانياً، فك ارتباط لبنان بالمحكمة الدولية بعدما تحوّلت أداة للفرقة والتقسيم والفتنة المذهبية .

* ثالثاً، مواجهة الضائفة المعيشية بخفض الضرائب غير المباشرة، ومن ضمنها الضريبة الجائرة على البنزين ومشتقاته، ومراقبة الأسعار، وبالتالي تأمين الأساسيات الحياتية بأسعار مخفوضة، وتوفير الطاقة الكهربائية، ومكافحة الفساد .

* رابعاً، وضع قانون ديمقراطي للانتخابات على أساس التمثيل النسبي، وإقراره قبل سنة، على الأقل، من تاريخ إجراء الانتخابات .

إن إجراء الانتخابات على أساس التمثيل النسبي هو المدخل الرئيس للإنقاذ والإصلاح والتغيير . من دون هذا القانون الديمقراطي، يبقى لبنان ساحة لا وطناً، نظاماً لتقاسم السلطة والمصالح والمغانم لا دولة .

أجل، بهذا النهج يمكن إنقاذ لبنان من نفسه .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 44 / 2177582

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2177582 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40