الاثنين 14 شباط (فبراير) 2011

رسالة مصر

الاثنين 14 شباط (فبراير) 2011 par د. حياة الحويك عطية

ثلاث مرات حاول العرب العبور إلى العصر الصناعي، وثلاث مرات كسر الغرب هذا الحلم، هذا ما كتبه وزير الدفاع الفرنسي الأسبق جان بيير شفينمان في الكتاب الذي فسر به احتجاجه على حرب الخليج عام 1991 .

المرة الأولى، يقول الوزير المفكر، كانت مع محمد علي في مصر، والمرة الثانية مع جمال عبدالناصر في مصر، والمرة الثالثة في العراق .

بنظرة تاريخية واسعة العدسة، نرى أن كسر المشروع الأول المصري، كان بداية مرحلة تدهور ظلت تتدحرج، حتى هب الشعب المصري وقال لفاروق كفى . وكذلك فإن كسر المشروع المصري الثاني كان بداية مرحلة تدهور ظلت تتدحرج حتى هب الشعب المصري وقال للنظام السابق “كفى” .

الدلالة المهمة في المثالين، هي أن المشروع ليس كما يحب المؤرخون أن يكتبوا مشروع أفراد، حتى لو حمله أفراد . المشروع في حقيقته هو مرحلة من مراحل نضوج أمة ما واستعدادها للعبور من عصر إلى عصر . ولذلك فإن اشتداد التآمر الخارجي عليها، قد ينجح في تأخير يقظتها ولو كثيراً لكن حيوية الشعب لا تلبث أن تستعيد زخمها وتنهض من كبوتها، لتستأنف مسارها التاريخي، خاصة عندما يكون الزخم هو ذاك المختزن من سبعة آلاف عام من الحضارة الاستثنائية المتراكمة الطبقات والمتعددة الإبداع .

لا نقول ذلك من باب الشعر أو الحلم، حتى ولو كان الحلم هو أساس كل تطور وكل إبداع، وإنما من باب وعي عقلاني علمي بالحقيقة التاريخية . ومن هنا فإن الدلالة الكبرى التي تحملها الثورة المصرية الحالية، هي الإيمان بقدرة الشعب تلك التي ظنها الكثيرون قد اندثرت . وهي رسالة تحملها مصر للعالم، لكنها تحملها لعالمها العربي بشكل خاص . فمنذ بداية النظام العالمي الجديد، أي منذ انهيار جدار برلين وسقوط الكتلة الاشتراكية وتربع الولايات المتحدة الأمريكية على عرش العالم بكل ما يعنيه ذلك من نفوذ للصهيونية، رفع الكثيرون أيديهم وأنزلوا رؤوسهم وصرخوا “لا حول ولا قوة إلا بالله” . وإذ جاء سقوط العراق ليعمق ذلك الإحباط، أصبح الجو السائد أن التغيير بات مستحيلاً اللهم ذلك الذي كان يتحدث إلينا عنه المبعوث الأمريكي بلكنة معوجة متنقلاً من بلد عربي الى آخر .

بدا أن الشعوب قد شلت، وخرست، وكنا نصرخ باستمرار أن الهزيمة الحقيقية هي هزيمة الأمل، وانتصار العدو هو انتصار اليأس . وكنا نتهم بأننا أصحاب خطاب عفا عليه الزمن، لكن الشعوب على صورته ومثاله تمهل ولا تهمل . والمؤمنون بذلك هم الذين يؤمنون بأن قوة الشعوب تأتي من روحها ومن طاقتها لا من القوى الخارجية التي تدعمها أو تحاربها، وهذه هي الرسالة التي حملتها إلينا مصر .

صحيح أن تونس سبقت، وأن لبنان سبق، لكن ليس لأي من التجربتين خصوصية مصر، أولاً لأن مصر هي دولة الاقتراح العربي على حد تعبير نادر فرجاني وليس سواها من يستطيع أن يشكل نموذجاً محركاً لتغيير العالم العربي كله . وثانياً لأن تركيبة مصر بما تضمه من أعراق وأديان هي مصدر الدرس الكبير للوحدة الوطنية الذي يجب أن يتعلمه الجميع، ففي ثورتها توحدت الأعراق والأديان باسم واحد: مصري، وتم الحراك في ميدان التحرير وفي كل الميادين باسم واحد: شعب مصر . وهذا ما لا تقدمه التجربة التونسية، لغياب التعددية في البلاد وما تفتقده التجربة اللبنانية لهيمنة العنوان الطائفي والمذهبي على الحراك الشعبي .

مصر قدمت الاقتراح والتطبيق، وعلينا الالتقاط من دون أن يعني ذلك عدم الحذر مما قد يلي، وربما شكل خطوة إلى الوراء، عبر حكم عسكري أو حلول وسطى براغماتية لكن أياً يكن ذلك فإن الرسالة قد عبرت، ولا راد لقضائها .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 63 / 2177392

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2177392 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40