الثلاثاء 15 شباط (فبراير) 2011

سلطة رام الله والوثائق

الثلاثاء 15 شباط (فبراير) 2011 par منير شفيق

معركة حاسمة تخوضها سلطة رام الله في هذه الأيام ضدّ أميركا والكيان الصهيوني معاً في مجلس الأمن، دونها معركة الكرامة، أو العرقوب، أو شقيف، أو بيروت، ودونها الإنتفاضة الأولى والإنتفاضة الثانية، بل دونها حرب العدوان الصهيوني على قطاع غزة 2008/2009.

في أثناء هذه المعركة وهي مقبلة للوصول إلى أوجهّا ليحسم الأمر الذي يُنـزل الهزيمة بالكيان الصهيوني وأميركا تخرج قناة الجزيرة فجأة بنشر وثائق سريّة حول ما دار من مفاوضات بين قيادة السلطة نفسها من جهة، وبين كل من حكومة أولمرت وإدارة بوش في الأعوام 2007-2009 من جهة أخرى.

الأمر الذي يرسم ألف علامة سؤال حول الهدف من نشر هذه الوثائق، في هذا الظرف الحاسم، حيث تخاض فيه معركة تاريخية قد تُعرف في التاريخ الفلسطيني بـ“أم المعارك”.

أما مدى صدقية هذه الوثائق، أو عدم صدقيتها، فليس مهماً فيما قيادة السلطة-المفاوضات تخوض المعركة العتيدة في مجلس الأمن وهي معركة إشتباك تدور رحاها من شارع إلى شارع ومن بيت لبيت أو في الأدّق من غرفة لغرفة وردهة لردهة.

وأما مدى ما تضمنته التنازلات الفلسطينية الموّثقة من خلال محاضر الإجتماعات وعبر رسائل رسمية صادرة عن المفاوض الفلسطيني أو كبير المفاوضين في الأصحّ، أو الرئيس محمود عباس فغير ذات أهميّة في هذا الظرف بالذات.

إذا كانت المشكلة في التوقيت، وبسبب انشغال كبير المفاوضين ومندوبي السلطة في معركة مجلس الأمن فكان بالإمكان رفض الإجابة عن الأسئلة التي تثيرها تلك الوثائق وتأجيل ذلك إلى ما بعد انقشاع غبار المعركة. ولكن سلطة رام الله لم تفعل؟

بل أقام منظّروها الدنيا ولم يقعدوها بسبب فتح هذه الملفات في أثناء معركة مجلس الأمن وانشغالهم فيها. فراحوا يفتحون النار على قناة الجزيرة. مما أنسى الناس أن ثمة معركة في مجلس الأمن. وإذا المعركة الحقيقية مع قطر وقناة الجزيرة.

ولو كانت المشكلة في التوقيت بسبب انشغال كبير المفاوضين ومندوبي السلطة لما تدافعت ردودهما على الوثائق وجاءت خبط عشواء. فبداية، ثمة قرار بصحتها وبأنها ليست سريّة فهي معروفة للجامعة العربية ولعدد من الدول العربية. وقد أكدت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية على لسان عمرو موسى بأن ذلك صحيح. وهو أمر يشركه بالمسؤولية الخطيرة إذا كان مطلعاً وموافقاً على ما ورد من تنازلات فلسطينية في تلك الوثائق. وأن الأمر نفسه يجب أن يُقال بالنسبة إلى الدول العربية وفي مقدّمها مصر حين جاء تصريح عباس ليقول أن ذلك كله تمّ بموافقة الدول العربية واطلاعها (لو أن ثمة اعتراضاً لما صحّ له أن يقول أنه أطلعها عليها).

كان من الممكن احترام عدم فتح الموضوع بحجّة التوقيت العتيد لولا ذلك السيل غير المحدود من ردود المعنيين بتلك الوثائق طولاً وعرضاً وتفصيلاً حتى غدت حجّة التوقيت هباءً منثوراً.

الوثائق تتضمن الكثير من التفاصيل التي تتعلق بتبادل الأراضي وقضية اللاجئين وهي كلها إن صحّت تدخل في نطاق التنازلات المجانية الخطيرة. ولكن الأخطر، أو ما لا يقلّ خطورة، جاء في الوثائق المتعلقة بالمستوطنات في القدس ومحيطها (القبول بها جميعاً عدا مستوطنة “أبو غنيم”) وبحيّ “حارة الشرف” كما يسمّيه المقادسة أو الحي اليهودي كما جاء في محاضر الجلسات والخرائط، وبحيّ حارة الأرمن (الحيّ الأرمني كما جاء في الوثائق).
هذا على مستوى القدس القديمة (داخل السور) ونحن ما زلنا في البدايات.

أما الذي كان خارج كل توقع بالنسبة إلى الكثيرين ولا سيما أبناء حركة فتح والفصائل المشاركة في اتفاق أوسلو فهو فتح ملف السيادة على “المسجد الأقصى”، وتبرّع كبير المفاوضين أن يجد لهذه الإشكالية “حلاً خلاّقاً”.

الأمر الذي يعني ببساطة أن المفاوض قبِلَ التفاوض حول السيادة على المسجد الأقصى أو حول وضعية المسجد الأقصى. وهذا بحدّ ذاته يشكل خرقاً لخط أحمر إعتبرَه كذلك حتى ياسر عرفات نفسه وأفشلَ مقاوضات كمب ديفيد 2 بسببه.

لم يصدر تصريح فلسطيني رسمي واحد ينكر القبول بالتفاوض حول المسجد الأقصى أو التفاوض حول أحياء في القدس القديمة محيطة بالمسجد الأقصى.

وبالمناسبة سواء أتمّ الوصول إلى اتفاق على تقاسم المسجد الأقصى أو الأحياء من حوله أو لم يتمّ ذلك فإن المسجد الأقصى أُدخِل في مجال الإقتسام والتفاوض والحلول “الخلاقة”. وبهذا يكون المفاوض الفلسطيني قد ذهب مدىً بعيداً في التنازلات التي لم يسبقه عليها أحد. وثمة شك في أن يؤيّده في ذلك أشدّ أتباع اتفاق أوسلو تنازلاً واستسلاماً. لأن من يفعل ذلك لا علاقة له بفلسطين وبالعرب والمسلمين ولا بعشيرته وعائلته وأهل بيته.

إذا كانت محاضر الجلسات الرسمية في المفاوضات أحدثت كل هذا الإضطراب في صفوف جماعة التفاوض فكيف عندما يُكشف ما قيل أو ما اتفق عليه “خارج التسجيل”؟

بالتأكيد هنالك ما هو أشدّ هولاً مما كشفته الوثائق حتى الآن لأن المفاوضات التي جرت عبر مئات الجلسات الرسمية واللقاءات غير الرسمية لم تكن عبثية. كما تخبَّأ البعض وراء عبثية المفاوضات بحجّة عدم الحاجة إلى معارضتها أو اتخاذ موقف حاسم منها.

فهذه الوثائق تؤكد بما لا يدع مجالاً لشكٍ في أن المفاوضات كانت جادّة ودخلت في تفاصيل التفاصيل وحملت الكثير من التنازلات الفلسطينية الإضافية ولكنها لم تكن كافية أو لم تصل بعد إلى ما يطالب به المفاوض الصهيوني حتى تتكللّ بالإتفاق النهائي. أي ما زال أمام المفاوض الفلسطيني أشواطاً لم يقطعها بعد. لأنه يجهل أو يتجاهل ماذا يريده المفاوض الإسرائيلي أكثر مما كشفه له حتى الآن. فالجهل بالعدّو سيّد الموقف بالرغم مما وصلته العلاقات الرسمية والشخصية من أبعاد. وهذا ما جعل كبير المفاوضين يسأل إذا كنا تنازلنا كما ورد في الوثائق فلماذا لم يحدث إتفاق حتى الآن؟ والجواب لأن العدّو يريد أكثر، ويتوقع منك أكثر.

وجاء مفاوضٌ آخر مدافعاً بالقول إن ما يجري بالمفاوضات، أو يقدّم من أوراق، لا يُعتبَر ملزماً إلاّ بعد أن يتمّ الإتفاق على كل القضايا. بل حتى الإتفاق نفسه لا يكون ملزماً إلاّ بعد الإستفتاء عليه. وهذا يعني أنكم لو سمعتم أن المفاوض الفلسطيني تنازل عن المسجد الأقصى أو قدّم ورقة يتنازل فيها عن القدس فلا أهمية لذلك ولا مأخذ عليه ما دام الإلتزام به لا يتحقق إلاّ بعد الإستفتاء.

ولكن إذا كان الأمر كذلك فلماذا الغضب من الوثائق ومن قناة الجزيرة فكل ما جاء في الوثائق لا قيمة له إلاّ عند الذين لا يعلمون أن الإلتزام لا يكون إلاّ بعد الإستفتاء. أما السؤال هل يمكنه التنصّل منه أو إنكاره وفقاً “لأصول قواعد المفاوضات”؟

ولهذا ما كان لسلطة رام الله وكبار المفاوضين أن يُجرّوا إلى معركة جانبية وهم يخوضون المعركة الكبرى التي تستحق رفع شعار “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة الدائرة رحاها في مجلس الأمن”.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2166038

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2166038 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010