الثلاثاء 15 شباط (فبراير) 2011

انتصار الإرادة.. والجهاد الأكبر

الثلاثاء 15 شباط (فبراير) 2011 par مصطفى الغزاوي

انتصرت إرادة الشعب، وتنحى مبارك عن السلطة وسلمها للمجلس العسكري الأعلى ليتولى إدارة الأمور، وتحدث بدوره عن تسليم السلطة إلى حكم مدني ديمقراطي. أعلن القرار على الشعب مساء الجمعة 11 فبراير بعد 18 يوما من الأيام العظيمة في تاريخ شعب مصر، كانت ثورة الشعب تحقق كل لحظة حركة عظيمة في كل الأماكن وعلى كافة الأصعدة، ووضعت منهجا جديدا للثورة الشعبية السلمية، وأعاد الشعب المصري اكتشاف إمكاناته وقدراته ومكنون الثقافة الإنسانية فيه، وانطلق في مسيرة تحرير الإنسان المواطن والأرض والوطن والإقليم والانتماء وحركة التحرر والقومية.

لم تكن اللحظات السابقة لإعلان التنحي توحي أن النظام الذي سقط يوم 25 يناير قد استوعب الدرس، بينما كان الشعب الذي حرر إرادته، وقدم أكثر من 400 شهيد في كل مصر، ما زال يرى أشلاء الشرطة تطارد البعض منه في المحافظات البعيدة، بل وما زالت تقتل، ورغم إدراك أن المواقف والقرارات في المجتمعات لا تتم كما قاطع التيار الكهربي، ولكنها يجب لها أن تستنفد الطاقة في اتجاه لتتحول إلى اتجاه غيره، إلا أن اتساع واستمرار جريمة القتل والإرهاب للشعب كانت تؤكد رخاوة بقايا السلطة المنحلة، وأيضا صلف أفراد منها باستمراء القتل في الشوارع، أو استخدام الإعلام ضد الشعب، ولم يعد فقط البعض الذي يقتل هو الأمن، ولكنهم صاروا من المذيعين والصحفيين الذين يمارسون القتل المعنوي، وبدا أن مصر يجب أن تغتسل ومرة واحدة من كل الأوساخ التي علقت بثوب الحرية والعزة والكرامة.

ويزداد موقف الزحف جلالا بنبأ وفاة الفريق سعد الشاذلي رئيس الأركان المصري زمن حرب 1973 والذي قدمه حسني مبارك لمحكمة عسكريه بتهمة إفشاء أسرار عسكرية وتم حبسه بينما كان مبارك يلتقي مع أعدائه من الصهاينة في قصور الدولة المصرية، غير عابئ أن هذا الرجل أقدم منه من حيث الترتيب العسكري، وأنه من قاد العمليات التي حررت سيناء حتى بداية الثغرة ــ بعد الدفع السياسي بقوات الاحتياط إلى الاشتباك في شرق القناة ــ بما في ذلك خطة الطيران التي سميت الضربة الجوية والتي اختزلت فيها كل حرب 73.

وبينما الشعب يزحف في اتجاه القصور الرئاسية، ويحاصرها، ويلقي بالورود إلى الحرس الجمهوري، أدارت دبابات الحرس الجمهوري أبراج مدافعها من اتجاه الشعب إلى اتجاه القصر، وكانت بشارة ما سيعلن عنه بعد ذلك. وحاصر الشعب بمئات الآلاف مبنى الإذاعة والتلفزيون وكان الحصار كافيا لإعلان إمكانية السيطرة، والاستعداد لدفع الثمن.

عند هذه اللحظة، والتي بدا فيها أن أعلى نقطة تطور في الثورة صارت لصالح الشعب، وأن الصدام بين الدبابات والشعب لن يحول دون انتصار الشعب.

أعلن نائب الرئيس الفاقد للانتماء لشعبه تنحي رئيسه للمجلس العسكري الأعلى، وأعلن المجلس أنه يعمل في إطار الشرعية الشعبية، وفي تصرف عسكري رمزي يؤدي المتحدث باسم المجلس العسكري التحية العسكرية لأرواح الشهداء على الملأ خلال إلقائه لبيان صادر عن المجلس.

انطلقت الأفراح بإزالة النظام، وتحولت مظاهرات الشهداء، إلى مسيرات بهجة واحتفال، وتبادل الجميع التهاني أن تمت إزاحة الطغيان، وبدأت موجات من الأسئلة والملاحظات تبدو أنها تتربص بالفرحة، وتضيف أسئلة لا حدود لها، وتعلن أن الشعب بكل أطيافه قد تعلم الدرس، وأن استرداده لإرادته أمر لا رجوع عنه، وأنه سيدافع عنها وبلا تهاون.
هل استوعب الجميع ماذا تريد الثورة الشعبية في مصر؟

سؤال مازال سبب كل المخاوف التي تتداعى لليوم الثاني، حيث بان أن تفريغ ميدان التحرير من المتظاهرين ليس هدف الثورة وليست مهمة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأن المجلس مطالب بإجراءات يبين منها أنه استوعب المطالب ويتجه لتحقيقها.

فإذا كان المجلس قد استجاب للمطالبات الخارجية، وأكد التزامه بالاتفاقات “الدولية والإقليمية”، وكان من الغريب ذكر الإقليمية مضافة إلى الدولية، وكان واضحا أنها رسالة طمأنة لإسرائيل وأمريكا بشأن كمب ديفيد، فليس أقل من الاستجابة لمطالب الثورة الشعبية بشأن حل المجالس المزورة وإلغاء قانون الطوارئ وحل الحزب الوطني وتقديم عناصره إلى المساءلة بشأن الإفساد السياسي.

ويعلن المجلس العسكري يوم الأحد 13 فبراير تعطيل العمل بالدستور، وحل مجلسي الشعب والشورى، ويحدد فترة ستة أشهر لتوليه السلطة.

المطلب الشعبي الجوهري هو بناء الدولة المصرية الحديثة، ووضع الشعب لها مسارا محددا، وما تحقق من المطالب هو تنحي الرئيس ونائبه، وحل المجالس المزورة ولكن إلغاء قانون الطوارئ، وحل الحزب الحاكم، لم يتم بعد، بل بقيت وزارة أغلب أعضائها أيديهم ملطخة بدماء الشهداء تسير الأمور، غير عابئة بما جرى، وتتعامل ببرود امتلاك زمام الأمور.
فحكومة شفيق والتي طالبها المجلس العسكري بتصريف الأعمال، قال عنها شفيق إنها حكومة الحزب الوطني المنهار، ووعد المعتصمين في التحرير (بالبنبوني) في صلافة واستهزاء بعطاء الشعب، فكيف يتصور أحد من كان أن الصبر على ذلك يمكن أن يطول؟
وما زالت مصر في حاجة لاستعادة الحياة السياسية التي جرى تجميدها طوال الثلاثين عاما الماضية، ولن يكون انتخاب رئيس أو مجالس نيابية، من خلال ما هو قائم إلا جلب سيئ من وسط أسوأ ما تملك مصر، وعليه فإن الفترة الانتقالية هي الأساس في بناء دولة مصر العصرية، وهي فترة تديرها حكومة تكنوقراط.

ليس كافيا نزع صور الرئيس، والمطلوب نزع منهج الإدارة الذي استنه واعتبر أن الزمن كفيل بحل الأزمات ونسيان المطالب، بالإضافة إلى نزع الأشخاص الذين تطالهم شبهة التآمر على الشعب، فقد كان غريبا أن يكون من بين الوزراء المجتمعين في مجلس الوزراء يوم الأحد 13 فبراير كل من مفيد شهاب، وأبو الغيط، وسامح فهمي، وكل منهم بالأساس متهم بمواقف معادية للشعب وحقوقه، وذلك مجرد مثال كاشف.

فالحكومة الانتقالية تحت رئاسة يمثلها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أو يضافا إليه مدنيون، تعني بالأساس فتح الباب أمام تكوين الأحزاب وإطلاق حرية إصدار الصحف وتكوين جمعية تأسيسية لإصدار الدستور والقوانين المكملة له، وليس مجرد لجنة تقوم بأعمال الترقيع بعيدا عن إرادة الشعب، والاكتفاء بالاستفتاء قبولا أو رفضا لإقرار الدستور، خاصة أن البعض ممن أنيط بهم التعديلات من قبل هاجم ثورة الشعب وقال: إن فترة شهرين كافية لإتمام التعديلات، ولكنه لم يلق ببصره إلى موت الحياة السياسية، سواء من حيث غياب كافة النقابات العمالية أو المهنية، أو عجز الأحزاب عن التعبير عن الإرادة الشعبية التي تجاوزتهم، حتى أن مشهد البعض منهم في المؤتمرات الصحفية التي يعقدونها يبدو مضحكا كونه يتحدث إلى نفسه عما يرضيه هو وليس عما يحتاجه الشعب.

عندما تدب الحياة والحيوية بالمشاركة الشعبية في الحياة السياسية، يمكن أن نقول إن الدولة المصرية وصلت إلى قاعدة الانطلاق إلى المستقبل.

وهنا يجب مواجهة الحقيقة، أن ستة أشهر لا تبدو الفترة الكافية لتحقيق مهام إعادة الحياة السياسية، لذا يجب أن يتم حوار بين المجلس العسكري وقيادته من ناحية وبين الشعب، وعبر أدوات اتصال مفتوحة لكل العناصر السياسية في الوطن، وهو أمر لصالح مصر، فضلا عن كونه يعيد التوازن إلى الرؤية الشعبية لمطالب التغيير.

الأمثلة واضحة حول مدى الفترات الانتقالية، ففي تجربة السودان وحركة النقابات ضد النميري وتولي سوار الذهب المسؤولية، ورغم نضج الحالة الحزبية والنقابية في السودان إلا أن الأمر تطلب عاما لنقل السلطة. وفي حالة الجزائر بعد الشاذلي بن الجديد والتي أتاحت مدة أقل من ثلاثة أشهر لمجرد محاولة إثبات أنها ديمقراطية، أدت إلى عشر سنوات من المذابح، ولم تخرج منها الجزائر بعد.

وبدأت موجة جديدة من التظاهرات والاعتصامات ترفع مطالب اجتماعية تحتاج إلى حديث من المجلس العسكري يتجاوز البيانات بالقرارات، مع الجماهير حتى تصل إلى الجماهير رسالة بجدية التعامل مع احتياجاتها، أما لماذا من المجلس العسكري؟، فالإجابة لأن الوزارة القائمة فاقدة المصداقية لدى الشعب. فهي ما زالت ترى أن هناك احتمالا بعودة نائب الرئيس المتجاوز قدره مع الشعب إلى الحياة السياسية، وهو شخص رفضته الثورة كما أنها تضع علامات استفهام حول مراد موافي رئيس جهاز المخابرات العامة الجديد، لأنه تطاول على أهل سيناء واصفا إياهم بأنهم عملاء لإسرائيل، وإذا تمردوا عليها فإنها تضربهم “بالجزمة”، وغير هذا فإن عقيدته القتالية محل شك، فهو يرى أن إلغاء كمب ديفيد سيؤدي إلى حرب تعود بمصر قرونا إلى الوراء، فكيف بهذه العقليات المهزومة أن تدير وطن ما بعد الثورة.

وعلى الضفة الأخرى في جانب الحركة الشعبية يبدو أن هناك نوعا من الارتباك، يحتاج إلى يقظة عالية، فليس هناك اتحاد للعمال وليس هناك نقابات، كما أن الأحزاب قد فقدت مصداقيتها لدى الشعب، وإلا لماذا تولى الشعب الأمر بيده وأزاح النظام بدعوة خرجت من داخله.

ولا يجب اختزال ثورة شعب بأكمله وفي كل الوطن، فيمن كانوا بميدان التحرير، والذي صار رمزا لهذه الثورة الشعبية الشاملة، ولا يجب اختزال ما يمثله الميدان، في الشباب الذي تصدر الثورة وكان لهيبها وقدم الشهداء قربانا ليوم التحرير، ولا يجب اختزال الشباب في حزب للشباب يضم البعض ولا يضم الآخرين ولكنه يجب أن يكون لكل من يشاء حزبه المعبر عنه، ولا يجب اختزال كل هذا في بعض من الأفراد هم المتحاورون أو المتحدثون باسم الثورة، فهذا يفتح الباب إلى تقزيم الزخم الشعبي العظيم من حول الثورة وأهدافها، وليس من الممكن تعويض خسائر 30 عاما خلال 180 يوما فقط، إلا إذا كان الهدف ليس وضع أساس الدولة العصرية بكل الشعب ولكل الشعب.

هكذا انتصرت ثورة مصر نصرا عزيزا وبدأ الجهاد الأكبر لبناء مصر العصرية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 48 / 2180814

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2180814 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40