السبت 19 شباط (فبراير) 2011

تونس: من الدولة الأمنية إلى الدولة المدنية

السبت 19 شباط (فبراير) 2011 par جيلاني العبلي

لايزال تاريخ 7 نوفمبر 1987 ماثلا أمام التونسيين يوم قاد الجنرال زين العابدين بن علي انقلابا أبيض على الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة. ولاتزال وعوده الجميلة وعهوده الغليظة التي قطعها على نفسه في تحقيق الحرية والديقراطية والكرامة للتونسيين محفورة في ذاكرة عمومهم، والتي سرعان ما انكشف زيفها وبدا طابعهاالمخاتل الذي يتيح ما يكفي من الوقت لإصلاح الثغرات الأمنية وإعادة تأهيل منظومة الاستبداد وتركيز دولة أمنية قوية تؤمّن الاستقرار الاجتماعي والسياسي بسلطان القوة

أسس الدولة الأمنية للرئيس بن علي

ما إن نجح زين العابدين بن علي في احتواء المجتمع المدني والسياسي وفي خفض درجة الاحتقان العام الذي بلغ ذروته في العقد الأخير من حكم الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة حتى سارع إلى وضع الأسس العملية لسياسة أمنية كفيلة بضبط الدولة والمجتمع على حد سواء ومن أبرز هذه الأسس:

1- استئصال القوى السياسية ذات الامتداد الشعبي بافتعال التهم ضدها ومحاكمتها وملاحقتها تعذيبا وسجنا وتهجيرا.

2- تدعيم هيمنة الحزب الحاكم (التجمع الدستوري الديمقراطي) على مؤسسات الدولة

3- تشجيع أحزاب المعارضة غير المعترضة على سياسة الحكم ودعمها تمويلا ودعاية وإشراكا في الحياة البرلمانية

4- استحداث آلاف الجمعيات الشكلية أو الوهمية في شتى المجالات والإطناب في التعريف بها

5- التحكم في الجهاز الإعلامي العام والخاص من خلال الوكالة التونسية للإعلام وضرب رقابة صارمة على المادة الإعلامية.

6- الاعتماد على قاعدة الولاء لنظام الحكم في التشغيل وتوزيع المسؤوليات وتوفير الدعم وتقديم المساعدات.

7- تضخيم الفرق الأمنية واستحداث أجهزة موازية للرقابة تستمد أوامرها ونفوذها من رئيس الدولة مباشرة

8- قطع مصادر التمويل على المنظمات والأحزاب المستقلة وتجفيف منابعها الفكرية والايديولوجية بمصادرة الكتب والمجلات والصحف التي تلعب دورا في تشكيل الرأي الآخر وتغذية ثقافة الاختلاف.

9- تهميش الشباب كقوة تغيير وصرفها بكل الأشكال عن الشأن العام بما في ذلك ارتياد مقرات الأحزاب والجمعيات المستقلة

10- تضخيم الخطر الإسلامي على الدولة والمرأة والمصالح الأجنبية لابتزاز الدعم السياسي والأمني والمادي

11- وضع اليد على أهم المشاريع الربحية والتحكم في شريان الدورة الاقتصادية

12- تغذية الوشاية وتشجيع الوشائين على إحكام مراقبة عموم المواطنين

الآثار السلبية للدولة الأمنية

استطاعت الدولة الأمنية في تونس أن تعمّر لما يزيد عن العقدين وأن تحقق أهدافها في السيطرة على شريان الحياة التونسية مما خلّف نتائج خطيرة على المجتمع بأسره نخص بالذكر منها:

1- شيوع المظالم على نطاق واسع واستشراء الفساد المالي والإداري وانتشار الرشوة والمحسوبية والزبونية

2- تنامي الجريمة والبطالة والهجرة السرية في صفوف الشباب على وجه الخصوص

3- انتشار السخط والشائعات والخوف والإحباط

4- عزوف كثير من التونسيين عن الاستثمار الوطني وهجرة بعض رؤوس الأموال إلى الخارج

5- مغادرة عديد الإطارات العليا والكفاءات المتألقة للوطن والتحاقها بالجامعات ومراكزالبحث الغربي

6- تدني الإحساس بالأمن والشعور بالاطمئنان على النفوس والممتلكات

7- ضمور المواطنة وتدهور الروح الوطنية وتعاظم التسيّب واللامبالاة

سقوط الدولة الأمنية

الأسس والآثار آنفة الذكر مثلت أسبابا منطقية لتهاوي الدولة الأمنية التونسية إذ لم يكد يمض عقدان من الزمن على قيامها حتى اشتعل فتيل الثورة بولاية سيدي بوزيد الواقعة في الجنوب الغربي على إثر إقدام الشهيد محمد البوعزيزي على إضرام النار في جسده احتجاجا على الضيم والظلم وسرعان ما توسعت رقعة انتفاض الجماهير المحتقنة المطالبة بإسقاط نظام زين العابدين بن علي وامتدادها إلى الولايات الجاورة ثم العاصمة تونس أين بلغت الثورة ذروتها وعجلت بانهيار الدولة الأمنية وتجلى هذا الانهيار في:

1- رفض الجيش لأوامر إطلاق النار على المتظاهرين ثم إعلانه الحياد وعدم تهديده للثورة وأخيرا انحيازه لها وتجنده لحمايتها

2- عزوف الكثير من الشرفاء في سلك الأمن العمومي عن قمع المحتجين ثم انسحابهم من ساحات المواجهة

3- ارتباك الرئيس بن علي في مخاطبة الجماهير وعجزه عن احتواء الثورة

4- استهداف كثير من المواطنين لمراكز الأمن ومقرات الحزب الحاكم ثم انتشار الفوضى على نطاق واسع وتكفل الجيش ولجان المواطنين بمهام ضمان الأمن

5- مغادرة الرئيس بن علي للوطن وبعض من أسرته وأصهاره

6- ملاحقة الجيش والمواطنين للجيوب المسلحة المرتبطة بالنظام البائد

7- اعتقال أبرز أعضاد الرئيس المخلوع

8- تشكيل حكومة مؤقتة تتولى الإعداد لانتخابات حرة ونزيهة

9- تشكل المواطنين في مجالس ولجان لحماية الثورة ومراقبة أداء الحكومة المؤقتة

من الدولة الأمنية إلى الدولة المدنية

لقد نجح التونسيون في تقويض الدولة الأمنية التي رزحوا تحتها عقودا طويلة وقدموا نموذجا ملهما لثورة سلمية هادئة غير أنهم يقفون اليوم أمام تحد كبير يتمثل في تطهير مؤسسات الدولة من رموز الاستبداد والفساد للقطع مع ثقافة الدولة الأمنية والحيلولة دون إعادة تشكلها وللشروع في رسم ملامح دولة مدنية ديمقراطية من خصائصها:

1- تحوير بنود الدستور ومراجعة القوانين التي تحول دون قيام تجربة ديمقراطية منشودة

2- تحييد المؤسسات الرسمية عن الصراع السياسي والتجاذب الأيديولوجي

3-القطع مع كل أشكال الإقصاء والاحتكار والتهميش والاستئصال

4- فتح الآفاق أمام الكفاءات الوطنية وتشجيعها على استثمار طاقاتها الإبداعية في البناءالوطني

5- احترام حرية الصحافة باعتبارها تمثل السلطة الرابعة التي تراقب وتفضح أشكال الانحراف الإداري والسياسي والاجتماعي

6- التأسيس لعلوية القانون والتكريس الفعلي للمحاسبة على التجاوزات والإخلالات

7- احترام حقوق التنظم والمشاركة والمراقبة والاحتجاج

إن دولة مدنية ديمقراطية تتسم بمجمل هذه الخصائص لقادرة على قيادة التونسيين إلى بر الأمان وتحقيق أهدافهم في الحرية والعدل والرفاه وإنا لنخالهم على ذلك عازمين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2177196

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2177196 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40