الثلاثاء 22 شباط (فبراير) 2011

هل أتاك حديث «المختلفين»؟

الثلاثاء 22 شباط (فبراير) 2011 par علي الظفيري

يحدث أحيانا أن تقود سيارتك بسرعة عالية، فتشاهد حادثا مروريا مروعا على جانب الطريق، تتوقف قليلا، تتحسر على الضحايا، ثم تعود للقيادة، بنفس السرعة التي كنت عليها، وكأن شيئا لم يكن! ويحدث أيضا أن تشاهد الثورة تندلع بجوارك، تتسمر أمام الشاشة وتراقب ليل نهار، تنتهي هذه الثورة بما لا تتمناه أنت لنفسك، ينتصر الشعب الثائر المجروح المظلوم طيلة عقود، ويرمي بالديكتاتور بعيدا، فتقول لنفسك: أنا مختلف، حالتي مختلفة، أوضاعي مختلفة، شعبي مختلف، فيحدث أن يتكرر المشهد أمام ناظريك مرة أخرى وأخرى، وأنت لا ترى يا سيد!

المصيبة الكبرى أن الكل يكرر الخطأ ذاته، أحمد أبوالغيط قال عن التشبيه بين بلاده وتونس بعد ما جرى فيها: «ده كلام فارغ»، وليست سوى أيام، حتى خلعت مصر أعتى نظام أمني في المنطقة، النظام الذي ترتكز عليه معادلات إقليمية ودولية كبرى! ولم يكن أبوالغيط وحده من فعل ذلك، عبدالعزيز بلخادم ومعمر القذافي وعلي عبدالله صالح رددوا العبارة ذاتها بصياغات مختلفة، وما زالت شياطينهم من الإنس تقول لهم: إنكم الباقون!

العاقل من اتعظ بغيره، لكن المنطقة تخلو من العقلاء على ما يبدو، لم يتقدم أحد ليقول بوضوح: أنا استوعبت الدرس وسأجري ما يلزم لتجنب ما حدث في الجوار، لم يقل أحد منهم: هذا التكرار في غير بلد عربي لا بد أن يطالني قريبا، وعليّ المسارعة بإجراء التغييرات المطلوبة لاستباق الانفجار المنتظر، لم تقم سوريا ولا الأردن ولا دول الخليج مجتمعة بشيء من هذا، الأمر الذي يستلزم الحديث وبوضوح بالغ عن المطلوب من هذه الدول، صحيح أن الظروف تختلف بين دولة وأخرى بحيث لا يجوز التعميم ولا الأحكام المطلقة، لكن تماثلا في المنطلقات يمكن القول إنه يتحقق في معظم الحالات العربية، يتمثل بالمطالب الأساسية الملحة من المشاركة الشعبية في صناعة القرار والقضاء على الفساد وتحجيم دور الأمن، وصولا إلى إطلاق الحريات وتنظيمها.

حتى دول الخليج الست تختلف في ظروفها الداخلية إلى حد ما، فالجغرافيا والنسيج الاجتماعي وحجم الثروات قياسا على عدد السكان يستوجب النظر لكل حالة بشكل مختلف -نسبياً- عن الحالة الأخرى، حجم الإلحاح الداخلي على التغيير متفاوت من بلد لآخر، لكن هناك حداً أدنى متفقاً عليه على المستوى الشعبي، فالمطالب بالمشاركة وحرية الإعلام ومحاصرة الفاسدين واستثمار العوائد المالية الضخمة بشكل أمثل تشكل مجتمعة هاجسا لدى أهل الخليج، ولا أحد هنا يتحدث عن النظام وإسقاطه أو هز أركانه، تتراوح المطالب بين شيء من المشاركة وتصل لسقف الملكية الدستورية كمطلب يأخذ الدولة إلى أعلى درجة من التنظيم السياسي وصلت لها الدولة الملكية الحديثة.

في السعودية على سبيل المثال لدينا مطالب شعبية واضحة، العرائض الإصلاحية قدمت الملامح الرئيسية لهذه المطالب على مدار العقدين الماضيين، ويتركز معظمها على مبدأ المشاركة الشعبية عبر مجالس منتخبة تسمح للشعب باختيار ممثليه من خلالها، وتكون لدى هذه المجالس سلطات تشريعية ورقابية ملزمة على الأداء الحكومي، لكن الاستجابة لهذه المطالب كانت ضعيفة جدا، بل تكاد تكون معدومة، فمجلس الشورى المعين بأكمله والصلاحيات التي منحت له كجهاز لا يرقى للحد الأدنى من المطالب، وبالتالي فإن الحاجة شديدة لمراجعة الأنظمة الرئيسية المنظمة لشؤون الدولة والمجتمع كالنظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الشورى، إضافة لمجالس المناطق.

هذا الحديث كان ملحا في الماضي، ولكنه اليوم أكثر إلحاحا مما مضى، تستطيع السعودية أن تقود حركة إصلاحات جريئة في المنطقة، وأن تعزز جبهتها الداخلية ليعود لها زمام المبادرة على الصعيد الخارجي، والأوضاع في دول الخليج كلها –باستثناء البحرين– لا تستدعي الثورات والاحتجاجات الكبرى حتى الآن، فأوضاع هذه البلاد مختلفة عن المحيط العربي بسبب الرفاه واستقرار الحكم وتدني نسبة المظالم الكبرى قياسا على دول المحيط، وهذا يدفعنا إلى أن نتجه للإصلاح بخطوات واثقة وجريئة، لا أن نشيح بوجهنا عنه!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 53 / 2181739

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2181739 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 38


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40