السبت 19 آذار (مارس) 2011

جريمة اغتيال الشهيد علي الجابر

السبت 19 آذار (مارس) 2011 par د. عوض السليمان

لا نشكك في دموية نظام العقيد في ليبيا، ولا نريد أن نقدم الأدلة على ذلك، فالصور القادمة من هناك، أوضح من الشمس في رابعة النهار، ولكنها ذكرى لمن لا يزال يتخيل أن القذافي رجل سوي، وتحكمه أخلاق الملوك والقادة التي يحاول ادعائها.

ادعى الرجل، وعلى مدار اثنتين وأربعين عاماً بأنه قائد ثورة شعبية عالمية، ورجل فريد من نوعه، وأنه أول زعيم يقود ثورة ليقدم السلطة للشعب، فالعقيد يدعي أن الليبيين هم من يحكم ليبيا، أما هو فمجرد رمز للثورة. وقد قال في خطابه بعد تنحي حسني مبارك ومن قبله فرار زين العابدين، أن الشعبين المصري والتونسي ما ثارا على الحكام إلا لأن السلطة ليست في يد الشعب، وأكد أن الحال مخالف تماماً في بلده إذ لا يحكم هناك غير الشعب.

ولما قام الشعب يطالب بسلطته الفعلية راغباً في التغيير السلمي قام “القائد الثائر الذي لا سلطة له”، فهدد أولاً مع ابنه الذي لا علاقة له بحكم ليبيا، بحرب أهلية ودماء تسيل في الشوارع، ومع علمنا بسفاهة الرجلين، لكننا لم نتصور أن يقوم النظام بالفعل بحرق البلاد فوق رأس الشعب الذي صبر على هذا الحاكم وأولاده أربعين سنة. فأطلق عليهم المرتزقة الذين اشتراهم بمال الشعب الليبي نفسه، وسلط عليهم كتائب القذافي الدموية فبدأت تقتل كل من تستطيع قتله وتسفك دماء الأبرياء دون وجه حق.

رأينا وسمعنا، أساليب إجرامية ابتدعها هذا العقيد وأفراد عائلته، ما سبقه إليها أشد المجرمين من قبله و على مدار أشد الحروب وأعنفها، بل ولنكن صادقين، فإن الحرب الصهيونية على غزة وجنوب لبنان لم تكن بهذه الشراسة الهمجية، خاصة إذا تذكرنا الفارق بين ما جرى هناك وما يجري في ليبيا اليوم، فالصهاينة يقتلون من يعتبرونه عدواً، أما “القائد الذي يحب شعبه” فيقتل هذا الشعب ويبحث عن الانتصار عليه بأي ثمن. حتى سولت له نفسه أن يجلب المرتزقة والمجرمين لقتل أبنائه وأحفاده وإخوته من شباب ليبيا المسالم.

حرب بلا أخلاق ولا ضمير، استخدم العقيد فيها النساء والأطفال كدروع بشرية لأنه يعرف نبل الثوار وأخلاقهم، فلا يستطيعون إطلاق النار على العزل، وأجبر كثيراً من الأفارقة على القتال ضد شعبه، فمنعهم من السفر ووضعهم في الصفوف الأمامية، محتجزاً في الوقت نفسه عائلاتهم، ليجبرهم على القتال بكل ضراوة. وأعطى مرتزقته وكتائبه الضوء الأخضر لنهب البلاد والعباد، وسفك الدماء وانتهاك الحرمات والأعراض. ولقد بلغت رغبته بالنصر على شعبه وعدم ثقته بمن حوله، أن يربط الجنود داخل عرباتهم ودبابتهم فلا يفكرون بالهرب أو الانضمام إلى الثوار، وأن يرسل الطائرات وقد خلت من المظلات خوفاً من هروب الطيارين منها وانضمامهم إلى الثوار.

اتجه إلى أوروبا وأمريكا يخاطبها، بأنني أدافع عنكم، وأن استقرار حكمي يعني استقرار بلادكم ومحاربة الهجرة غير الشرعية إليها، ويعني وجود سور منيع ضد تغلل القاعدة في أوروبا، وصرخ بأعلى صوته أنا ضد الإرهاب، أنا منخرط في محاربته، أنا هنا موجود كعامل استقرار لأوروبا بل والعالم كله، وذهب أبعد من ذلك فألمح إلى أن استقرار حكمه يساهم في استقرار إسرائيل، وكاد لسان حاله يقول أنا عميل لكم فساعدوني. وبين ليلة وضحاها وجدنا العقيد وهو يعترف بأنه حارس لإسرائيل والدول الإمبريالية التي كان يدعي محاربتها على مدار أربعة عقود.

هذا الخطاب الموجه للخارج لا يشبه بحال خطابه الموجه للشعب الليبي، فهو يزعم أن الثوار في بلاده عملاء للإمبريالية والصهيونية وأنهم يتعاملون مع الغرب وأمريكا لسرقة النفط الليبي واحتلال البلاد من جديد.

ليس هذا فحسب، بل قام القذافي بحملة تحريضية شعواء على محطة الجزيرة الفضائية واتهمها بالعمالة والخيانة والتآمر، وحاربها بكل وسيلة خوفاً من محطة انحازت لمطالب الجماهير وعبرت عن هموم الشعوب العربية. وبلغ الأمر أن ينصب القتلة كميناً لفريق الجزيرة الذي لم يكن طرفاً في الصراع من أصله، والموجود في ليبيا لنقل الحقائق للجماهير العربية والعالمية أيضاً.

نصب الكمين وجاءت رصاصات الغدر باتجاه سيارة الجزيرة فاغتالت مصورها الأستاذ علي حسن الجابر، وهو رجل عرف عنه حسن الخلق وشدة التفاني بالعمل والصدق والإخلاص في كل مناحي حياته. الرجل الذي لا يحمل مسدساً ولا بندقية توجه له ثلاث رصاصات حارقة خارقة يصبب إحداها قبله فتفيض روحه إلى بارئها شهيداً بإذن الله.

كيف تجرأ القتلة على اغتيال رجل خمسيني لا ناقة له ولا جمل في هذه الحرب، وإنما يعمل على تصوير أحداثها لتنقل عدسته الحقائق إلى عيون المشاهدين، ولكن الذي يخاف الحقيقة يفعل أكثر من هذا، أ فلم يقتل القذافي 1200 شخص دفعة واحدة في سجن بو سليم، مع العلم أنه سجنهم ظلماً وبهتانا، أ لا يقتل كل يوم عشرات الشهداء من الشعب الليبي المسالم. فكيف سيشعر هذا الرجل بما اقترف أتباعه اليوم من جريمة بشعة ليس في حق الشهيد فحسب بل بحق الحقيقة نفسها.

إننا نطالب الجزيرة اليوم، وقطر، وأسرة الفقيد والعالم كله باتخاذ الإجراءات القانونية لملاحقة القتلة ومن ورائهم وبالسرعة القصوى، ولا بد للجزيرة الثائرة أن تثأر لشهيدها الغالي على قلوبنا جميعاً.

ما فعله القتلة في ليبيا هذا المساء يذكرنا بما فعلته أمريكا في العراق إذا استهدفت في حربها قتل الصحفيين، فسقط طارق أيوب رحمه الله شهيداً هناك في العام 2003، هذا هو مثل القذافي أمريكا التي اغتالت طارق أيوب والتي سحقت الفلوجة ومسحتها عن الأرض كما قال.

إلى أسرة الجزيرة لا تحزنوا بل هو الفرح الذي يجب أن يعم اليوم فقد ذهب الرجل شهيداً بإذن الله، وسيعجل استشهاده بسقوط الطاغية، ويكفي الجزيرة هتافات الجماهير الليبية التي ابتدعت لأول مرة في تاريخ الأمة العربية، شعاراً جديداً يليق بالمحطة الفضائية وعملها، “بالدم بالروح نفديك يا جزيرة”، أول مرة يذكر فيها الدم والروح ولا يلاصقها اسم الحاكم . فهنيئاً للجزيرة التي تقدم الشهيد تلو الشهيد لتصل الحقيقة إلينا ونحن على بعد ألاف الأميال من ساحة الحدث.

فما حدث اليوم وسام جديد على صدر الجزيرة وكل من يعمل بها، وأرجو أن يكون استشهاد الجابر حافزاً لهذه المحطة لتلتصق بهموم الشعوب العربية أكثر فأكثر.

وعزاء خالصاً صادقا لأسرة الشهيد رحمه الله، أسأل الله أن يجعله في عليين. إن الانحياز للشعب يعني أن تجابه الطغاة وهؤلاء لا خلق لهم ولا دين، ولكن الشعوب ستطيح بهم عاجلاً غير آجل وإنما النصر صبر ساعة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2176750

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2176750 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40