السبت 19 آذار (مارس) 2011

اللحظة الأليمة..حيث لا نصر..ولا هزيمة

السبت 19 آذار (مارس) 2011 par نوال السباعي

مشاعر مختلفة ومضطربة تجتاح المرء،وهو يرى احتفال بنغازي بقرار مجلس الأمن تطبيق الحظر الجوي أخيرا على ليبيا بشروطه وملابساته، بعد أن منح “المجتمع الدولي” النظام في ليبيا شهرا، ليحاول استعادة سيطرته على الدولة والشعب، لكن صمود الثوار الليبيين وعزمهم وتصميمهم، حال دون أن يستطيع القذافي وأبناؤه استعادة أمجاده الواهية، وإحكام السيطرة من جديد على شعب كان قد نهب ثرواته الهائلة، وسامه سوء الذل والعذاب. رغم المبررات الكافية التي قد يجدها أهالي بنغازي للاحتفال بذلك القرار، لردع هذا النظام الإجرامي، ولجمه عن الولوغ في الدماء، بعد أن استنفذ كل وسائل القهر والتركيع، حتى وصل به الحال أن يقطع عن الناس الماء والكهرباء، ويهددهم بأعراضهم ودمائهم، فإننا لا نجد حلاوة لتلك اللحظة الأليمة، حيث لا نصر.. ولا هزيمة، فلم ينتصر الشعب، ولم يُهزَم الطاغية الجبان الذي يستأسد على شعبه، لقد انتصر المجتمع الدولي بقدرته على حياز كل مصالحه في الوقت الذي يبدو فيه المخلص أو المنقذ، وانهزمنا، انهزمنا لأننا وللمرة الثالثة ومنذ غزو الكويت، نضطر للاستعانة بالآخرين للخلاص من طغاتنا، إنها ساعات مريرة تلك التي تحتاج فيها الأمم للاستعانة بـ“الأعداء” لتتخلص من ذوي القربى، ولقد تكررت هذه اللحظات في تاريخنا القريب والبعيد، حتى أن حكامنا أنفسهم وعلى رأسهم القذافي المذهول، كان قد استعان بإسرائيل لإعادة سيطرته على ليبيا!

لم يترك لنا حكامنا خيارات كثيرة في معاركنا معهم من أجل الحرية والكرامة والحياة، لقد سدّوا الأبواب في وجه الأمة، إلى درجة استعانتها بالرمضاء من النار، معظمهم اليوم ما بين مرقع ومقرقع ومفرقع، لهم بطائن لا تسمع ولا تعي ولا تفهم، يستمدون منها وجودهم، وتستمد منهم قوتها الشيطانية على البطش الوحشي، وبينما يقوم البعض منهم بالاستعانة بالعسكر لقمع الثورات، يقوم آخر بمعالجة شعبه الصامد المتألق المذهل، بالغازات السامة المحرمة، ويقوم ثالث برشوة شعبه بالمليارات التي لا يدري أحد من أين جاء بها على حين غرة، وكأنها كانت قد سقطت منه سهوا!،
مليارات تنهض بها أمم ودول ومدنية، لكنها في سياق رشوة الشعوب سترمى في مقالب التضييع والترهات، بينما يستصدر الرابع مذكرات قضائية بحبس الأحرار الثوار الأبطال، الذين وقفوا في وجه طغيانه الأعمى الذي أصم وأبكم شعبا لا قدرة لديه على رفع الصوت، ولا قدرة لرجاله على الثورة، فكانت نساؤه هن الرائدات وهن الثائرات وهن أشجع الشجعان في أرض الذل والاستكانة. لا يتعلم معظم حكامنا الدروس، ولا يفقهون سنن الحياة، لأنهم لا يتمتعون بأدنى قدر ممكن من الذكاء ولا الإنسانية ولا الأخلاق، ولأنهم يحكمون شعوبا لا تحبهم ولا تثق بهم، وأوطانا لا يخدمونها ولا يحرصون عليها، لقد ركبوا ظهر الأمة وادّعوا نصرة القضية، التي باسمها خانوا الأمة والأمانة والحاضر والمستقبل والقضية نفسها!، لا تجد فيهم حريصا على مشاعر شعبه ولا سلامة مواطنيه ولا أمن بلاده، لقد جعلوا خياراتنا محدودة للغاية، بين الأمن والحرية، بين التهريج والتصفيق لهم أو الفرم في آلات تعذيبهم الرهيبة، بين الذبح والاستعانة بالعدو الذي أصبح صديقا وملاذا!، وأجارنا الله من مثل زمن ملوك الطوائف!!

نجد أنفسنا هذا اليوم العصيب، أمام تحديات تاريخية، تعيد رسم خارطتنا النفسية والفكرية، من هو العدو؟ ومن هو الصديق؟ من هذا الذي يمدّ لنا يد العون، وقلبه على مصالحه وعينه على ثرواتنا؟ ومن ذاك الذي غلّب مصالحه وشراكاته السرية على سيل الدماء وعذابات الشعوب؟ من نحن؟ وماذا نريد؟ وإلى أين تمضي الأمة في هذه الأيام المباركات باستيقاظ الشعوب، النحسات بأداء حكام أقل ما يقال فيهم أنهم أغبياء عملاء!

أين ستتجه ليبيا؟ وماذا تخبئ لنا الأيام القادمة؟ هل هي الحرب الأهلية؟ هل هو انقسام ليبيا؟ هل هي قدرة الشعب على إخراج هذه العائلة الحاكمة من أرضه وحياته، وهو ليس بالأمر السهل؟، وما هو الثمن؟، ما هو الثمن الذي سندفعه عاجلا وآجلا لهذه المساعدة الغربية الأممية؟، وهل نحن قادرون على تحويل هذه المساعدة إلى فعل إيجابي في عالم البناء الاجتماعي، والقرارات السياسية، ونهوض الأمة والإنسان، وبدء مرحلة جديدة في تاريخنا تتغير فيها كل الأشياء، بدءا من نظرتنا للإنسان والوطن، وانتهاء بنظرتنا إلى القضية الفلسطينية، وإمكانات التعامل معها، لأنها أولا وآخرا هي القضية، وهي التي تطوف حولها كل عذاباتنا وثوراتنا وآمالنا، وإليها يجب أن تحج كل تطلعاتنا نحو الغد والمستقبل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 38 / 2165540

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165540 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 4


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010