حبل النمطية

محمود عباس استجاب لدعوة رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية لزيارة قطاع غزة من أجل إنهاء الانقسام الذي ضاق الفلسطينيون والعرب والمتعاطفون مع القضية الفلسطينية به ذرعاً وبات إنهاؤه مطلباً لا يحتمل أي تأجيل . مع ذلك ما زالت الآمال بإنهاء الانقسام تراوح مكانها رغم الحديث عن أن الزيارة ستتم بعد عودة عباس من جولة في الخارج .

على أي حال، يبدو أن معركة إنهاء الانقسام الفلسطيني، أصعب كثيراً من معارك إسقاط بعض الأنظمة الفاسدة، طالما أن الأدوات المطلوبة لتحقيق الهدف معطوبة وهي جزء من الانقسام، أي جزء من المشكلة وليست جزءاً من الحل .

ويبدو أيضاً أن الأغلبية المهمّشة من أبناء الشعب الفلسطيني، لم تنضج لديها دوافع الانخراط في هذه المعركة التي باتت الأساس الشرطي لمواصلة مشروع التحرر الوطني . لسنا نحتاج لأكثر من الحد الأدني للتفكير كي ندرك أن كل طرف سمح للانقسام بأن يعيش كل هذه السنوات، لا يمكن ان يكون معنياً بالوحدة الوطنية، حيث بتنا أمام طرفين مختلفين على كل شيء سوى شيء واحد هو بقاء الانقسام .

كدنا نعلّق آمالاً على المسيرات التي نظّمها الشباب في الضفة وغزة، وتوسّمنا فيهم التأثّر بنظرائهم في تونس ومصر . لم تحبطنا مواجهتهم بالقمع من جانب حكومتي الانقسام، لكننا لاحظنا في المسيرات امتداداً لطرفي الانقسام .

كنا، وما زلنا، نتمنى أن نرى هذه المسيرات والنشاطات تستظل بالعلم الفلسطيني وحده بعيداً عن أي رايات حزبية، لكن المطالبين بإنهاء الانقسام، انقسموا هم أنفسهم وجسّد بعضهم على الأقل حقيقة كونه مربوطاً بحبل النمطية إياها التي تقدّس العصبية الفصائلية ومنطق المناكفة والدفاع عن الصنمية الزعاماتية .

إلى أن تتغيّر المعطيات، سنبقى أمام مشكلة تستمر في تجديد ذاتها، خاصة عندما تسمع الجميع، بمن فيهم طرفا الانقسام، أنهم يريدون إنهاء الانقسام، فمن الذي لا يريد إذاً؟

يبدو جلياً أن البرنامج السياسي يظلل المشهد، ومن المؤكّد أن الوحدة الوطنية المأمولة، حتى لا تكون شعاراً عاطفياً، يجب أن تستند إلى برنامج الحد الأدنى سياسياً، والبند الأول في البرنامج، مغادرة نهج التفاوض والتخلص من اتفاق اوسلو وتوابعه، ومن دون ذلك نخشى أن يكون اللقاء المرتقب بين عباس وهنية، مجرد التفاف على التحرّك المنادي بإنهاء الانقسام .

في المقابل، إذا بقي المنادون بإنهاء الانقسام على اصطفافاتهم المسبقة، فإن شعارهم يكون “الشعب يريد إنهاء إنهاء الانقسام” .