الجمعة 1 نيسان (أبريل) 2011

ربع الساعة الأخير في ليبيا

الجمعة 1 نيسان (أبريل) 2011

حمل هذا الأسبوع السياسي تطورات مهمة على صعيد الأزمة الليبية، حيث اقترب الوضع هناك من مرحلة الحسم سواء في الشق العسكري منه أو بالمعنى السياسي . وذلك بعد أن تكفلت قوات التحالف الدولي بفرض منطقة حظر طيران على الأجواء الليبية والقيام بعمليات عسكرية لحماية المدنيين هناك . كما انتقلت قيادة العمليات العسكرية إلى حلف الأطلسي (الناتو) نزولاً على رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في التخلي عن قيادة العمليات، ما يعني أن أهداف المرحلة الأولى من العمليات قد تحققت بالفعل . وهو ما تأكد أيضاً بتكثيف المشاورات والاتصالات السياسية بين مختلف الأطراف لإيجاد حلول ومخارج سياسية بعد أن وصل الوضع العسكري إلى مرحلة فارقة .

تمثلت أهم التطورات التي مرت بها الأزمة الليبية خلال هذا الأسبوع في تصعيد العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات دولية بناء على القرار 1973 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي لفرض حظر جوي على ليبيا وتوفير كل السبل لحماية المدنيين الليبيين من قوات العقيد القذافي . واتخذ التصعيد أشكالاً وتحركات عسكرية محددة أبرزها:

- تشديد المراقبة على حركة الطيران في الأجواء الليبية وقيام طائرات الاستطلاع أواكس بمسح جوي شامل للأراضي والمياه الإقليمية الليبية لرصد أي تحركات لسلاح الجو الليبي وضمان عدم قدرة العقيد القذافي على تحريك أي من طائراته ضد قوات الثوار وضد المدنيين الليبيين .

- إكمال عمليات إخماد الدفاعات الجوية الليبية لتهيئة الميدان لطلعات طائرات التحالف الدولي . وقد نجحت تلك العمليات بصورة كاملة في إسكات منظومات الدفاع الجوي الليبية وتدمير بطاريات الصواريخ بمختلف طرازاتها . بالإضافة إلى اكتشاف أماكن تمركز محطات الرادار وتدميرها أو التشويش عليها وتعطيلها إلكترونياً .

- فرض سيطرة كاملة على المياه الإقليمية الليبية والقيام بعمليات استطلاع ومراقبة ونشر قطع بحرية خارج المياه الإقليمية الليبية لضمان تطبيق حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا . بالإضافة إلى هدف آخر مهم وهو الحيلولة دون قيام قوات القذافي باستخدام الغواصات أو السفن الحربية البحرية في مهاجمة المدن الخاضعة لسيطرة الثوار وقصفها بالصواريخ كما فعل في الأيام الأولى لسقوط مدينة بنغازي .

وقد أسفر هذا التركيز من جانب قوات التحالف على تقويض قدرات القذافي القتالية، خصوصاً في المجال الجوي بمستوييه، القتالي أي الطيران وسلاح الجو، والدفاعي أي الدفاع الجوي . وانتقلت قوات التحالف الدولي بعدها في الأيام القليلة الماضية إلى مرحلة أخرى من العمليات العسكرية، هي تدمير القوات البرية للقذافي، ومنعها أولاً من الوصول إلى المدن والمناطق الخاضعة للثوار، ثم شل حركتها وحرمانها من قدراتها القتالية الفعلية حتى لا تتمكن لاحقاً من مهاجمة قوات الثوار حال تقدمها نحو مدن ومناطق أخرى فتمنعها من الوصول إليها . وبالفعل نجحت طائرات التحالف الدولي في تدمير أعداد كبيرة من آليات القوات البرية الليبية بما فيها دبابات ومدرعات وعربات قتال وناقلات جنود وقاذفات صواريخ . بالإضافة إلى قطع خطوط الإمداد والإسناد بين مناطق القتال المختلفة، وأخيراً عمدت قوات التحالف إلى عدم منع الاتصالات بين مراكز القيادة والسيطرة والقوات التابعة للقذافي، مع الاحتفاظ الكامل بالقدرة على متابعة الاتصالات واعتراضها عند اللزوم، وتهدف قوات التحالف من ذلك إلى التعرف إلى خطط القيادة الليبية واتجاهات حركة القوات والمصادر المحتملة أمامه لجلب الدعم العسكري واللوجستي .

وأدت تلك الخسائر الكبيرة في صفوف قوات العقيد القذافي إلى فتح الطريق أمام قوات الثوار الليبيين نحو استعادة السيطرة على بعض المناطق التي كانت قوات القذافي قد طردتهم منها قبل أسبوعين، وهي أجدابيا ورأس لانوف وبن جواد والبريقة والعقيلة . وأصبح الطريق مفتوحاً أمام الثوار لانتزاع السيطرة على مدينة سرت الاستراتيجية من قوات القذافي .

وربما كان هذا التحول العسكري المفصلي في مسار العمليات في ليبيا، سبباً رئيساً في تسهيل انتقال قيادة العمليات هناك من الولايات المتحدة إلى حلف الأطلسي . وذلك بعد أن استغرقت تلك المسألة أكثر من أسبوع من المناقشات والخلافات داخل الحلف ليس فقط حول هوية القيادة، لكن أيضاً حول الوضع العسكري الذي ستنتقل القيادة فيه إلى الحلف، وحدد الأعباء التي سيتحملها الحلف بناء على لحظة توليه المهمة .

ومحصلة المشهد العسكري في ليبيا أن طرفي القتال الأصليين قد أصبحا تقريباً على قدم المساواة من ناحية ميزان القوة العسكرية، بعد سقوط ورقة التفوق الجوي لقوات القذافي، وانحسار قدراته البرية إلى حد بعيد . إلا أن الموقف مفتوح على احتمالات انقلاب الميزان العسكري لمصلحة الثوار إذا ما تم إمدادهم بالسلاح كما أشارت تلميحات أمريكية . إذ يعني ذلك حسم المعركة العسكرية تماماً ونهائياً لمصلحة الثوار وإنهاء حكم العقيد القذافي وربما القضاء عليه هو وأسرته ما لم يتمكن من الهرب في هذه الحالة . وتشير الدلائل الجارية في الأراضي الليبية إلى ذلك خاصة بعد سيطرة الثوار بالفعل على سرت والاتجاه سريعاً إلى الغرب حيث تقع العاصمة طرابلس، ما ينذر بأن مواجهة عسكرية حاسمة قريبة الحدوث حول طرابلس التي يتحصن بها القذافي، وتمثل آخر المعاقل التي ستدافع عنها قواته حتى النهاية .

إلا أن استمرار اعتماد ثوار ليبيا على الأسلحة والمعدات التي يتحصلون عليها من مخازن الأسلحة ومن قوات القذافي، من شأنه تأخير الحسم العسكري المتوقع، ما يعني أن يتمكن الثوار من الوصول إلى طرابلس وفرض حصار كامل عليها، دون امتلاك القدرة على دخولها أو قصفها، ما يجعل الأمر معلقاً إلى أمد غير معلوم سيتحدد وفقاً للاعتبارات السياسية وحسبما تؤول الاتصالات الجارية لإيجاد حلول سياسية للأزمة .

[**مبادرات سياسية*]

مع اقتراب المسار العسكري للأزمة من مرحلة الحسم، بدأت الأطراف المعنية تولي اهتماماً أكبر بالمسار السياسي، على خلفية أن مسألة الإطاحة بالقذافي عسكرياً مستبعدة أو على الأقل لن تكون على أيدي قوات التحالف أو أيدي غير ليبية، وهو ما أعلن صراحة بلسان أكثر من مسؤول غربي في بداية العمليات العسكرية، بتأكيد أن القضاء على القذافي ليس مطروحاً ضمن مهام تلك القوات . بل يبدو من السلوك السياسي للدول الغربية أنها لا تميل إلى خيار إسقاط القذافي بالقوة حتى بواسطة الثوار، وهو ما يتضح من تغير السلوك السياسي والخطاب الرسمي الغربي في ما يتعلق بعملية “تسوية الأزمة” . . ذلك التعبير الذي لم يسبق استخدامه منذ اندلاع التظاهرات في ليبيا في 17 فبراير/ شباط الماضي أي قبل شهر ونصف . ثم جاءت دعوة بريطانيا إلى اجتماع دولي حول الموقف في ليبيا ليؤكد هذا الاتجاه الغربي العام، وهو الاجتماع الثاني الذي ينعقد لمناقشة الأزمة الليبية، وكانت باريس قد استضافت الأول في 14 مارس/ آذار الجاري قبل ساعات فقط من مباشرة طائراتها قصف قوات القذافي إعمالاً لقرار مجلس الأمن، وهنا تبدو المقارنة بليغة في التعبير عن تطور المواقف الغربية وحساباتها إزاء القذافي والأزمة ككل . ففي باريس كان البند الأول بل الوحيد على أجندة الاجتماع هو التنسيق بين الدول المجتمعة حول العمليات العسكرية والدور المحتمل لكل منها . ولم يكن مطروحاً حينئذ أي خيارات سياسية أو مبادرات لطرحها على القذافي، على الرغم من أن الاتحاد الإفريقي كان قد شكل بالفعل لجنة رفيعة المستوى لبحث الموقف وإجراء اتصالات بشأنه، فضلاً عن المبادرة السياسية التي كان الرئيس الفنزويلي قد طرحها . لكن كان من الواضح أن الدول الغربية وكذلك الدول العربية تشكك بقوة في إمكانية تحويل تلك المخارج السياسية إلى حلول حقيقية للأزمة، خاصة أن الخطوات التي كان يقوم بها العقيد القذافي على الأرض لم تكن تنبئ بنية القذافي قبول أي حل سياسي .

على هذه الخلفية انعقد مؤتمر لندن الثلاثاء الماضي، وشاركت فيه حوالي 35 دولة شملت الدول المشاركة في العمليات العسكرية، وأعضاء مجلس الأمن، ودول الجوار الليبي، وممثلين عن الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي . وكان واضحاً أن المؤتمر مخصص ليكون محفلاً دولياً لمناقشة الخيارات (السياسية) المستقبلية بشأن ليبيا، وتبادل الأفكار حول الحلول والمبادرات المطروحة من جانب الأطراف المعنية . وكانت عدة أطراف قد أعلنت مبادرات تتضمن حلولاً أو أفكاراً مبدئية لمعالجة الأزمة في المستقبل القريب . حيث أعلنت إيطاليا مطلع هذا الأسبوع بلسان وزير خارجيتها فرانكو فراتيني أنها ستقدم بالتنسيق مع ألمانيا خطة مشتركة بشأن ليبيا تتضمن وقفاً لإطلاق النار وإقامة ممر إنساني للمساعدات ونفي العقيد معمر القذافي، وكشف فراتيني أن الخطة الإيطالية تقضي بأن تراقب الأمم المتحدة وقف النار، وأن يكون ممر المساعدات دائماً، مشيراً إلى أن تركيا تتحرك بالفعل في هذا الاتجاه . وكانت أنقرة قد أجرت اتصالات مع القذافي لهذا الغرض . ووفقاً لفراتيني فإن روما يحدوها أمل بأن يكون لدى الاتحاد الإفريقي اقتراح جيد بشأن “منفى” للقذافي، مشيراً إلى أن ثمة بلدان إفريقية يمكن أن تستضيف القذافي . ورغم أن الوزير الإيطالي استدرك نافياً وجود مبادرات رسمية في هذا الشأن، فإنها ليست المرة الأولى التي يجري فيها الحديث حول خروج القذافي إلى المنفى سواء كان ذلك في شكل اقتراح من أحد الأطراف أو كخيار مطروح للنقاش . وبالإضافة إلى المبادرة الإيطالية، كان لفرنسا وبريطانيا أفكار سياسية حول تسوية الأزمة الليبية، وكذلك من جانب الاتحاد الإفريقي الذي يُعتبر أول طرف بادر إلى تحرك سياسي لمعالجة الأزمة من أيامها الأولى .

في المقابل، لم يكن المسار السياسي الذي دشنته الدول الغربية في اجتماع لندن الثلاثاء الماضي، مقصوراً على الجانب الغربي أو الأطراف الخارجية فقط، فمن الواضح أن نظام القذافي لم يكن بعيداً عن حسابات وأطروحات ذلك المسار . فقد بدأ العقيد القذافي أخيراً في الاقتناع بأن الأمور إلى الانتهاء قريباً، ويبدو هذا جلياً مما تتناقله الأنباء حول اتصالات يجريها المحيطون به لتأمين خروجه من السلطة ومن ليبيا، ورغم عدم تأكد تلك الأنباء بشكل رسمي، فإن التطورات على الأرض تشي بأن فترة حكم القذافي لليبيا قد شارفت على الانتهاء، وأنه سيغادر موقعه إن لم يكن فوراً ففي غضون أيام .

[**الفرصة الأخيرة*]

بذلك، يمكن القول إن الأزمة في ليبيا تقترب حثيثاً من نهايتها، مع ملاحظة أن السرعة المقصودة قد تمتد إلى أسابيع وليس بالضرورة ساعات أو أياماً . ومن المرجح أن تسير الأزمة في تلك المرحلة نحو نهاية سياسية قد تختلف صيغتها أو ملامحها التفصيلية، لكنها على الأرجح لن تبتعد كثيراً عن الصورة العامة التي تعكسها الأوضاع العسكرية حالياً، وهي انحسار وتراجع قوة القذافي أمام الضغوط الداخلية والخارجية . وما تنتظره الأزمة هو ترجمة هذا الوضع العسكري إلى صيغ سياسية تضعها في صورتها الأخيرة قبل إغلاق ذلك الملف المتأزم منذ أربعين يوماً .

ولما كانت أصداء الاتصالات السياسية التي جرت في الأيام الماضية تتردد كلها حول نقل للسلطة، لكن بغير تدخل عسكري مباشر، فإن الرهان الجديد من مختلف الأطراف المعنية بالأزمة هو إجبار القذافي على الاستسلام وليس الإطاحة به مباشرة .

على أن يكون اضطراره إلى إعلان التخلي عن السلطة، أو تخليه عنها فعلياً دون إعلان ذلك، نقطة البداية في البحث عن حلول وصيغ سياسية للمراحل المقبلة من الوضع السياسي في ليبيا . وبالتالي يمكن تصور أن تسفر التحركات الجارية على المستوى السياسي عن حل أو تسوية تتضمن محاور أساسية أبرزها:

- خروج القذافي من السلطة ليس خياراً مطروحاً للنقاش، حيث تعتقد كافة الأطراف المعنية أن استمرار حكم القذافي لم يعد مقبولاً ليس فقط من جانب الشعب الليبي، ولكن أيضاً من جانب المجتمع الدولي، بعد الانتهاكات التي ارتكبتها قواته والمرتزقة التابعون له بحق المواطنين الليبيين .

- إيجاد صيغة تسمح بخروج القذافي من السلطة ومن ليبيا بشكل آمن، على ألا تمثل انتهاكاً صريحاً للقانون الدولي أو اتفاقيات حماية المدنيين ومواثيق حقوق الإنسان .

- البحث عن آلية تنفيذية لنقل السلطة في ليبيا إلى حكومة جديدة منتخبة، على أن يبدأ ذلك بفترة انتقالية قد يتولى السلطة خلالها المجلس الوطني الانتقالي .

- الاتفاق على إطار يضمن أن يمثل المجلس الوطني الانتقالي مختلف طوائف الشعب الليبي تمثيلاً حقيقياً ومتوازناً .

- توفير غطاء إقليمي ودولي لتنفيذ هذه المحاور على أن تضطلع الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي بالمسؤوليات الأكبر في ذلك بمشاركة من الأمم المتحدة خاصة في ما يتصل بالأوضاع الإنسانية وكذلك الجوانب السياسية الإجرائية المتعلقة بنقل السلطة مثل إجراء استفتاءات أو عمليات تصويت وغيرها تحت إشراف مراقبين من المنظمة الدولية .

- يستمر حلف الناتو في توفير الغطاء الدولي اللازم لتأمين عملية نقل السلطة، خصوصاً لجهة تأمين ومتابعة الوضع العسكري والأمني .

هذا هو التصور العام الذي يمكن توقعه لسيناريو إنهاء الأزمة في ليبيا سياسياً، على أن تحقق ذلك التصور يظل رهناً بمدى عقلانية وواقعية إدراك العقيد القذافي للموقف الراهن، وهي مسألة غير مؤكدة في ظل التجارب السابقة للقذافي في التعاطي مع المشكلات والتحديات التي تقابله . إلا أن غياب تلك العقلانية في هذه الحالة لن يعني كما كان الحال في الماضي استمرار القذافي في سياسات وتحركات قد تكبده خسائر أكبر أو تحرمه من مكاسب أعلى، فاللحظة الراهنة وبعد التأزم الذي تسببت فيه إدارة القذافي للأزمة من بدايتها، لم تعد تحتمل مزيداً من الأخطاء، فإما أن يلتقط القذافي الإشارة الأخيرة في عهده وينجو بنفسه، أو أن يخطئ الحسابات مجدداً وعندها فإن الخسارة ستكون شاملة ونهائية وغير قابلة للتعويض .

- [**المصدر : صحيفة «الخليج» الإماراتية | سامح راشد | كاتب وباحث في الأهرام.*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2165654

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165654 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010