الجمعة 1 نيسان (أبريل) 2011

غزة تلتزم التهدئة تجنباً لعدوان جديد

الجمعة 1 نيسان (أبريل) 2011

في خضم التدهور الأمني الذي شهده قطاع غزة في الآونة الأخيرة، جراء التصعيد العسكري “الإسرائيلي”، الذي قابلته فصائل المقاومة باستئناف إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون على بلدات ومواقع “إسرائيلية”، أعلنت حركة “حماس” رغبتها في نزع الذرائع من “إسرائيل” لشن عدوان واسع على القطاع المحاصر، الأمر الذي قابلته دولة الكيان بالحديث أنها غير معنية بتصعيد الموقف .

موقفا حركة “حماس” و”إسرائيل” يعكسان بكل وضوح عدم رغبة الطرفين في انزلاق الأوضاع الميدانية في قطاع غزة إلى الحرب الواسعة، ولكل منهما حساباته الخاصة التي ينطلق منها ويبني عليها عدم الرغبة حالياً في المواجهة .

“إسرائيل” هي من بدأت كالعادة في تصعيد الموقف، عندما اغتالت في السادس عشر من مارس/ آذار الجاري، ناشطين من كتائب الشهيد عز الدين القسام الذراع العسكرية لحركة “حماس”، بقصف موقعهما جنوب مدينة غزة، في وقت لم تكن فيه المنطقة تشهد أي حدث يدعو إلى التصعيد، باستثناء عمليات التوغل شبه اليومية التي اعتادت قوات الاحتلال القيام بها منذ انتهاء الحرب على غزة قبل نحو عامين، في إطار عملها على تعزيز وفرض المنطقة الأمنية العازلة التي تقيمها بعمق أكثر من 300 متر وبطول نحو 40 كيلومتراً بمحاذاة السياج الحدودي الفاصل بين القطاع وفلسطين المحتلة عام ،48 وهي العمليات التي كانت تقابلها فصائل المقاومة بتصد محدود، لا يدعو إلى التصعيد العسكري الواسع .

وكرد منها على عملية الاغتيال، أطلقت كتائب القسام نحو 50 صاروخاً على بلدات ومواقع “إسرائيلية” متاخمة للقطاع، لم تسفر في مجملها عن أضرار مادية أو إصابات بشرية، لكنها جلبت ردة فعل “إسرائيلية” عبر سلسلة من الغارات الجوية المكثفة، لتنزلق الأوضاع الميدانية بعدها ما بين فعل ورد فعل .

بدا واضحاً أن إطلاق حركة “حماس” للصواريخ لم يكن الغرض منه زعزعة حالة الهدوء التي تسود القطاع منذ انتهاء الحرب على غزة في 18 يناير/ كانون الثاني ،2009 بعد 22 يوماً خلفت حوالي 1400 شهيد وآلاف الجرحى، ودماراً واسعاً في الممتلكات العامة والخاصة، وإنما أرادت الحركة مجرد إيصال رسالة للكيان بأن جرائمها في غزة لن تمر دون رد .

ما يثبت رغبة حركة “حماس” في الحفاظ على حالة الهدوء في قطاع غزة، الخاضع لسيطرتها المطلقة منذ منتصف يونيو/ حزيران ،2007 ما جاء على ألسنة قادتها والناطقين باسمها، وحتى على لسان رئيس الحكومة المقالة التي تديرها إسماعيل هنية، بأنها تجري اتصالات داخلية وخارجية لوقف التصعيد “الإسرائيلي”، ونزع الذرائع من دولة الاحتلال لتبرير شن حرب واسعة على القطاع .

تدرك حركة “حماس” أن قطاع غزة ليس في مقدوره التعرض لحرب “إسرائيلية” ثانية، وهو الذي لا يزال يعاني من آثار الحرب الماضية، التي تبدو واضحة في كل شارع ومخيم ومدينة، وحتى سكان القطاع ليس بمقدورهم تحمل ضغط حرب جديدة، وهم الذين صبروا كثيراً على الحرب الماضية والاعتداءات “الإسرائيلية” التي لا تكاد تنقطع، فضلاً عن ضغط الحصار الخانق المضروب على القطاع الساحلي منذ حوالي أربعة أعوام .

كما تعلم حركة “حماس” أن انشغال العالم والمنطقة العربية بالثورات المتدحرجة من بلد إلى بلد، وحراك الشعوب العربية لتغيير أنظمتها الحاكمة، لا يمنحها الوقت المناسب لفتح جبهة حرب مع “إسرائيل”، إذ إن أي مواجهة عسكرية واسعة مع “إسرائيل” لن تأخذ المساحة الكافية أمام الرأي العام وفي وسائل الإعلام في ظل تزاحم الأحداث في الدول العربية .

إن تدهور الأوضاع الميدانية إلى حد نشوب حرب واسعة، ستكون حركة “حماس” الخاسر الأكبر منها، فرغم إدراك “إسرائيل” أن الحركة لا ترغب في المواجهة الشاملة حالياً، إلا أنها تحملها المسؤولية عن هذا التدهور، واستمرار عمليات إطلاق الصواريخ انطلاقاً من القطاع، بصفتها المتحكم في مقاليد الأوضاع في القطاع، وبإمكانها لجم باقي الفصائل وإجبارها على التزام الهدوء، وبالتالي فإن أي حرب محتملة ستستهدف بالدرجة الأولى حركة “حماس” بقادتها ومؤسساتها .

وأثمر اللقاء الذي دعت إليه حركة “حماس” مساء السبت الماضي، وشاركت فيه حركة الجهاد الإسلامي والجبهتان الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين، وفصائل أخرى، وتغيبت عنه حركة “فتح”، عن توافق وطني على التهدئة، لقطع الطريق على النوايا العدوانية ضد الشعب الفلسطيني .

وقابلت “إسرائيل” التزام فصائل المقاومة بالتهدئة بتصريح لنتنياهو بأنها “معنية بعدم تصعيد الموقف” في قطاع غزة .

ويأتي هذا الموقف من جانب نتنياهو منسجماً مع رؤية محللين وكتاب في الصحف “الإسرائيلية” بضرورة عدم الانجرار وراء التصعيد في قطاع غزة .

ويعتقد هؤلاء الكتاب والمحللون أن “إسرائيل” ستجد صعوبة في الحصول على غطاء دولي لعملية موسعة في قطاع غزة، وأن الواقع الإقليمي يتطلب من النخبة السياسية في “إسرائيل” أن تقرأ الوقائع المركبة بشكل صحيح، وأن ترى المخاطر من الزاوية الصحيحة، وذلك من خلال تفعيل المسار السياسي لتفعيل قوة الردع .

ويرى الكاتب في صحيفة “معاريف” العبرية شموئيل زخاي أنه لا يوجد “حل سحري” لوقف إطلاق القذائف والصواريخ الفلسطينية انطلاقاً من القطاع على البلدات والتجمعات “الإسرائيلية”، ولكن يمكن للحكومة “الإسرائيلية” أن تعمل على ثلاثة اتجاهات، الأول: تحصين البيوت، والعمل بنظام الإنذار في الأماكن العامة، والثاني: التكنولوجيا عبر استمرار التزود ببطاريات القبة الحديدية (التي تعكف “إسرائيل” على تفعليها حالياً لحماية البلدات المتاخمة للقطاع من الصواريخ)، والثالث: الاستعداد لهجوم عسكري محدد ضد التهريب والبنية التحتية لحركة “حماس” .

ورغم أن التهدئة في قطاع غزة تمثل مصلحة “إسرائيلية”، إلا أن “إسرائيل” لا تريد هدوءاً تاماً، وإنما تريد أن تتحكم هي وحدها في قواعد اللعبة، وأن تعمل في ساحة غزة وفق ما تقتضيه مصلحتها الأمنية بالدرجة الأساسية، من دون أن يكون هناك أي رد فعل فلسطيني، الأمر الذي لا يشكل تهديداً حقيقياً على التهدئة، لكن ربما يؤدي في حال استمرار مثل هذه السياسة العنجهية من جانب حكومة نتنياهو إلى انهيار التهدئة كلياً، إذ إن فصائل المقاومة التي توافقت على التهدئة من منطلق الحرص على المصلحة الوطنية لا يمكنها الصمت طويلاً على جرائم الاحتلال ولابد لها من الرد .

وربما تندرج عملية اغتيال ناشطين في سرايا القدس الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي بعد ساعات قليلة من توافق الفصائل ومن بينها حركة الجهاد على التهدئة، في سياق هذه السياسة “الإسرائيلية”، وهذا ما يوضحه تعقيب المصادر الأمنية “الإسرائيلية” بعد عملية الاغتيال مباشرة، بقولها إن “إعلان التهدئة من جانب الفلسطينيين لا يعني وقف عمليات الجيش للقضاء على الإرهابيين الذين يشكلون خطرا محتملا أو لديهم نوايا لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل” .

وذهب رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست “الإسرائيلي” شاؤول موفاز إلى حد المطالبة بالعودة إلى ما أطلق عليها “سياسة القتل المستهدف في قطاع غزة”، أي أن موفاز الذي تباهى قبل بضعة أيام بأنه هو من اتخذ القرار بتصفية مؤسس حركة “حماس” الشيخ أحمد ياسين، الذي صادفت الذكرى السابعة لاغتياله في 22 مارس/ آذار الجاري، يريد العودة إلى تكثيف عمليات الاغتيال ضد قادة ونشطاء فصائل المقاومة . وسعى موفاز كغيره من زعماء “إسرائيل” منذ تأسيسها الباطل على أنقاض فلسطين التاريخية قبل ستة عقود، ممارسة الكذب والتضليل والافتراء، بقوله إنه “لا يعقل أن تقوم “إسرائيل” ببناء التحصينات في الوقت الذي تسير فيه الحياة في قطاع غزة كالمعتاد” .

كيف تسير الحياة في قطاع غزة كالمعتاد، ودولة الكيان تحاصر هذا القطاع الساحلي الصغير والفقير منذ أربعة أعوام، براً وبحراً وجواً، وتحرم سكانه من أبسط حقوقهم الإنسانية، سواء على صعيد حرية الحركة والتنقل، أو على صعيد حرمانهم من كثير من السلع والبضائع والمواد التي ترد للقطاع من خلال المعابر التجارية، فضلاً عن الاعتداءات شبه اليومية على الصيادين والمزارعين وغيرهم .

وكأن العمى أصاب موفاز أو أنه متعطش لنهر من الدماء، عندما قال مدعياً أن السياسة “الإسرائيلية” لم تكن بالقسوة المطلوبة تجاه قطاع غزة، وهو الأمر الذي يثير الاشمئزاز من هذه العصابة التي تحكم دولة الكيان، وكان موفاز لا يعرف أن أكثر من مئة صاروخ فلسطيني لم تصب سوى ثلاثة “إسرائيليين” بجروح بسيطة، في حين تسببت الغارات الجوية والقذائف “الإسرائيلية” في استشهاد 13 فلسطينياً وجرح العشرات وتدمير هائل في عدد من المواقع والمراكز والمنازل السكنية خلال أيام التصعيد الأخيرة، أم أن موفاز يريد أن يستخدم قنبلة نووية ضد القطاع كي تتحقق القسوة التي يريدها .

[**انتصارات حقوقية*]

وعلى وقع التصعيد الميداني في القطاع، حقق الفلسطينيون “مكسباً” على الحلبة الدولية تمثل في تبني مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف خمسة قرارات مهمة، ويندرج هذا المكسب في سياق التعاظم في الجهود الدولية لمساءلة “إسرائيل” بشكل أكثر فاعلية من السابق نتيجة انتهاكاتها وجرائمها المتواصلة ضد الفلسطينيين، بما يخالف بشكل فاضح المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان .

وصوت مجلس حقوق الانسان على قرار متعلق بمتابعة تقرير اللجنة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق (تقرير غولدستون) في شأن الحرب “الإسرائيلية” على غزة، بواقع 27 دولة لصالح القرار وتصويت الولايات المتحدة وسلوفينيا وبريطانيا ضده وتحفظ 16 دولة من الدول الأعضاء في المجلس .

ويوصي القرار على وجه الخصوص بأن تقوم الجمعية العامة بتقديم تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن النزاع في غزة (تقرير غولدستون) إلى مجلس الأمن من أجل النظر في إحالة الوضع في الأرض الفلسطينية المحتلة إلى المحكمة الجنائية الدولية .

كما صوت المجلس على القرار المتعلق بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير حيث تم تبنيه بواقع 45 دولة لصالح القرار ودولة واحدة ضد هي الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى القرار المتعلق بالمستوطنات “الإسرائيلية” في الأرض الفلسطينية المحتلة وخاصة في القدس الشرقية حيث تم تبنيه أيضاً بواقع 45 دولة لصالح القرار ودولة واحدة ضده هي الولايات المتحدة كذلك .

وصوت المجلس على قرار متعلق بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة وخاصة في القدس الشرقية وتبناه بواقع 30 دولة لصالحه ودولة واحدة ضده هي الولايات المتحدة الأمريكية وتحفظ 16 دولة .

وأخيراً أقر المجلس القرار المتعلق بمتابعة تقرير اللجنة الدولية المستقلة في حادث الاعتداء على قافلة سفن “أسطول الحرية” الذي تم إعداده بشكل مشترك بين وفدي تركيا وفلسطين، ويتعلق بالمجزرة التي ارتكبتها قوات البحرية “الإسرائيلية” ضد سفن الأسطول في 31 مايو/ أيار الماضي وراح ضحيتها تسعة متضامنين أتراك، وقد حاز القرار تصويت 37 دولة لصالحه ودولة واحدة ضده هي الولايات المتحدة الأمريكية وتحفظ ثماني دول .

وكان لافتاً في التصويت وقوف الولايات المتحدة ضد كل القرارات، وتحفظ دول الاتحاد الأوروبي على التصويت، حيث تثبت واشنطن المرة تلو المرة انحيازها الأعمى والمقيت والظالم لصالح دولة الاحتلال “الإسرائيلي” ضد الضحية المتمثلة في الشعب الفلسطيني، حتى إنها لا تريد للضحية أن تصرخ من شدة الظلم والألم، وتوفر للجلاد الغطاء والحماية من المساءلة القانونية، وكأنها تريد أن تقول لهذا الجلاد القاتل: استمر في ارتكاب الجرائم ولن يجرؤ أحد على توقيفك ومحاكمتك .

هذا الموقف من جانب الولايات المتحدة الأمريكية أثار غضب السلطة الفلسطينية، التي قالت إنه “من المؤسف أن واشنطن تقدم مواقف متعارضة مع القانون الدولي والشرعية الدولية، وواضح أن هذه المعايير المزدوجة للولايات المتحدة تضعف من مصداقيتها في المنطقة، ونحن ما زلنا نأمل أن تنضم واشنطن للإجماع الدولي بأن تظهر حرصا أكبر على احترام القانون الدولي والشرعية الدولية بما فيه حول الصراع العربي - الإسرائيلي” .

إن تبني القرارات الخمسة من جانب مجلس حقوق الإنسان “تطور إيجابي مهم”، ولكن الأهم من ذلك أن يتم البناء على هذه الخطوة، وأن تجد هذه القرارات طريقها للتطوير والتطبيق العملي على الأرض، بما ينعكس إيجاباً على حياة السكان المدنيين في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس .

إن تبني مجلس حقوق الإنسان لهذه القرارات، وخصوصاً تقرير غولدستون، يضع مجلس الأمن الدولي أمام مسؤولية كبيرة واختبار حقيقي سيثبت إذا كان فعلاً مجلساً لحفظ الأمن والسلم الدوليين وحماية حقوق المدنيين الأبرياء حول العالم، أم أنه مجرد أداة في يد الولايات المتحدة والدول دائمة العضوية فيه، لتحقيق مصالحها .

وقد التقطت مراكز ومنظمات حقوقية فلسطينية ودولية هذه الفرصة التي سنحت بعد تبني القرارات الخمسة في مجلس حقوق الإنسان، لمطالبة مجلس الأمن بإحالة الوضع في “إسرائيل” والأرض الفلسطينية المحتلة إلى المحكمة الجنائية الدولية وذلك بموحب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يتيح استخدام القوة العسكرية لإخضاع الطرف المعتدي والمنتهك للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني .

ويمكن التوقع بدرجة تصل إلى حد اليقين أن مجلس الأمن سيتجاهل هذه القرارات، والجرائم التي ترتكبها دولة الكيان بحق الشعب الفلسطيني، كما تجاهل الكثير من القرارات والجرائم على مدار أكثر من ستين عاماً من الاحتلال “الإسرائيلي”، وهذا يندرج في سياق “تجاهل عالمية حقوق الإنسان والمساواة في تطبيق سيادة القانون”، خصوصاً إذا ما تم القياس على القرار الأخير لمجلس الأمن بإحالة الوضع في ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية .

- **المصدر : صحيفة «الخليج» الإماراتية



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 4 / 2178703

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2178703 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40