الجمعة 1 نيسان (أبريل) 2011

هل يتقسم اليمن؟

الجمعة 1 نيسان (أبريل) 2011

تعقيدات كثيرة اكتنفت مسار التسوية السلمية لأزمة الاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام في اليمن قبل أن يحسم حزب المؤتمر الحاكم الذي يقوده الرئيس علي عبدالله صالح الجدل الذي أثارته تصريحات الرئيس بالتنحي السلمي، بعدما قرر التمسك بخيار بقاء الرئيس على رأس السلطة لحين انتهاء فترة ولايته في العام 2013، وتبني مبادرة إصلاحات من جانب واحد تلبي المطالب السياسية التي دعت إليها المعارضة في مبادراتها الأخيرة، وكذلك التوجهات التي تضمّنها اتفاق فبراير/ شباط الموقع بين الحكم والمعارضة في العام 2009 .

على الرغم من أن قرارات حزب المؤتمر الحاكم وضعت كخارطة طريق للخروج من الأزمة إلا أنها تجاهلت تفاعلات ميدانية خرجت عن السيطرة ووضعت اليمن في مواجهة طوفان أزمات تجلى أبرزها بالانفلات الأمني الواسع النطاق الذي تحول فجأة إلى تهديد بتشظي البلد كانتونات بعدما حسم كثيرون أمرهم في إسقاط النظام في العديد من المحافظات التي غابت فيها تماماً سيطرة الدولة نتيجة هذه الأزمة وشرعوا بتشكيل مجالس شعبية لإدارة الشأن المحلي ولجان أمنية خارج سيطرة الحكومة .

أنتج إصرار نظام الرئيس صالح على التمسك بالسلطة وعدم تلبية مطالب المحتجين والمعارضة في التنحي الفوري وضعاً انقسامياً حاداً خرج من رحم حركة الاحتجاجات التي عمت أكثر المحافظات اليمنية وأدت إلى تشكل فريقين متوازنين نسبياً الأول فريق الموالاة ممثلاً بالحزب الحاكم وقطاع واسع من مؤيديه في الجيش ووجهاء القبائل، والثاني فريق المعارضة الذي مثله الشبان المحتجون في ساحات الاعتصام بالمحافظات وأحزاب المعارضة في تكتل اللقاء المشترك وقطاع واسع من قادة الجيش ووجهاء القبائل الذين أعلنوا الانحياز إلى مطالب الشعب في التغيير الديمقراطي .

خلال فترة قياسية لم تتجاوز الأربعين يوماً من الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاط النظام كان اليمن قد انتقل إلى وضع استثنائي جديد تمثلت ملامحه بفرض حال الطوارئ وغياب للحكومة بعدما قرر الرئيس صالح إقالتها وتحويلها إلى حكومة تصريف أعمال تحسباً من تصدعات على شاكلة الاستقالات الجماعية التي تلت الهجوم على المحتجين في ساحة التغيير بجامعة صنعاء وانتهت باستقالة 17 سفيراً وثلاثة وزراء ومئات المسؤولين وأعضاء مجلسي النواب والشورى وكذلك المئات من وجهاء القبائل الذين استقالوا من مناصبهم أو من عضوية الحزب الحاكم وأعلنوا الانضمام إلى المحتجين المطالبين بالتغيير .

تزامن ذلك مع انشقاق أكثر من نصف الجيش اليمني بعدما أعلن اللواء علي محسن الأحمر قائد المنطقة العسكرية الشمالية الغربية والفرقة الأولى المدرعة الانحياز إلى مطالب الشعب في تغيير النظام وتلاه إعلان عشرات القادة العسكريين وقادة الألوية في المحافظات تأييد مطالب المحتجين ما أنتج حالة انقسامية لا سابق لها في المؤسسة العسكرية اليمنية بعدما شكل المنشقون زهاء نصف الجيش اليمني في مقابل النصف الآخر الذي أعلن تأييده لبقاء الرئيس صالح ودفاعه عن الشرعية الدستورية .

[**تطورات متسارعة*]

لم يمض الكثير من الوقت حتى توسعت دائرة الاحتجاجات في المحافظات نتيجة للعنف الذي اعتمدته صنعاء في قمع المحتجين من طريق الدفع بقوات الشرطة والجيش ومئات المسلحين الموالين للنظام لمواجهة المحتجين في ساحات الاعتصام بالمحافظات ما أدى إلى سقوط قائمة طويلة من الضحايا تجاوزت ال 100 قتيل وآلاف الجرحى .

وتالياً لم تفلح التوجهات التي اعتمدتها صنعاء بإدارة حوارات مع الشبان المحتجين في الوصول إلى تسويات ما، كما أخفقت في التوصل إلى توافق مع خصومها السياسيين في المعارضة ولا سيما أن استجابة الحكومة لمطالبها كانت غالباً ما تأتي متأخرة في حين كان سقف المطالب يتجاوز سرعة النظام الحاكم في التعاطي مع المبادرات .

هذا الانسداد أنتج برأي البعض واقعا جديداً لدى الشارع الغاضب من التعاطي الرسمي العنيف وغير المبرر مع حركة الاحتجاجات السلمية قادا البعض قسراً إلى فرض الأمر الواقع في محافظتي مأرب، الجوف بعد سلسلة مواجهات بين السلطات والمتظاهرين تلاها مبادرة مسلحين من رجال القبائل والمناهضين للنظام للسيطرة على مرافق حكومية ومواقع عسكرية لينتهي مشهد الأزمة بواقع جديد تلاشت فيه سلطة الدولة تماماً في المحافظتين وحلت مكانها سلطة الشعب المطالب بالتغيير .

المشهد نفسه تكرر في محافظة صعدة التي انخرط أكثر سكانها في حركة الاحتجاجات والتظاهرات السلمية المطالبة بإسقاط النظام وسرعان ما تطورت الأمور إلى وضع نهاية لنفوذ الدولة في مركز المحافظة الذي كان مسرحاً لمواجهات بين المسلحين الحوثيين ورجال القبائل الموالين للنظام بعدما سيطر السكان هناك على المرافق العامة ونصّبوا محافظاً جديداً بعدما فرت قيادات السلطة المحلية ووجهاء القبائل الموالون للنظام .

ولم تمض إلا أيام قليلة حتى كانت خمس محافظات قد استقلت بقرارها من الجوف ومأرب وشبوة شرقا مروراً بصعدة شمالاً وأجزاء من محافظتي حضرموت وأبين جنوباً، حيث اتجه الناس إلى تأليف مجالس بلدية ولجان شعبية لحماية الأمن والممتلكات العامة والخاصة بعدما انسحب الجيش من كثير من المناطق وفرار السلطات المحلية من بعضها .

ولم تكن هذه التطورات الخطرة إلا نتيجة طبيعية لموجة الانقسام في صفوف قوات الجيش بعدما أعلن جانب كبير منه تأييد مطالب شباب الثورة السلمية في التغيير والذي كان عاملاً حاسماً في إرغام السلطات على تغيير أسلوب تعاطيها مع المحتجين من التجاهل والتعاطي العنيف إلى التعاطي الجدي، وخصوصاً في مطالبهم برحيل النظام ولا سيما بعدما تدخلت أطراف دولية ومحلية في جهود تسوية سلمية للأزمة بين الرئيس صالح واللواء علي محسن الأحمر وأفضت إلى مبادرة من أربعة بنود حظيت بقبول وتأييد جميع الأطراف .

وتضمنت المبادرة مقترحات بتنحي الرئيس صالح وتسليم سلطاته إلى نائبه عبد ربه منصور هادي مع تأليف حكومة وحدة وطنية تتولى صوغ دستور جديد يتيح النظام البرلماني والتحضير للانتخابات النيابية على أساس نظام القائمة النسبية على أن يقيل الرئيس صالح أبناءه وأقاربه من مناصبهم العسكرية والمدنية ويتنحى نهائياً عن السلطة في مدة أقصاها ستة أشهر مع ضمان عدم ملاحقته أو أياً من أبنائه أو أقاربه في المستقبل، لكن اصطدام هذه المبادرة بحاجز انعدام الثقة بين قطبي الأزمة الرئيس صالح واللواء الأحمر أعاد الجميع إلى المربع الأول، وخصوصاً بعدما شرع كل طرف بتحريك قواته لمواجهة الطرف الآخر لإرغامه على الاستسلام .

[**شبح الحرب*]

وضع انهيار مبادرات الرحيل الآمن للرئيس صالح اليمن على أعتاب التصعيد العسكري الذي عبر عنه الرئيس صالح في مناسبات عدة سعياً إلى حسم الانشقاق في الجيش، وخصوصا بعد رفض القادة المؤيدين لثورة التغيير دعوة الرئيس صالح للعودة إلى صفوف الجيش في إطار العفو العام .

لكن هذا التوجه أحبط نتيجة التدخل السريع والمباشر لوجهاء القبائل ورجالها الذين كانوا جزءاً من حركة الاحتجاجات ولا سيما بعدما اعترض هؤلاء طريق سرية من قوات الحرس الجمهوري كانت تستعد لشن هجوم مسلح على قوات الفرقة الأولى المدرعة بقيادة اللواء علي محسن الأحمر في العاصمة صنعاء لإرغامه على الاستسلام .

هذه التداعيات الخطيرة التي أثارت الذعر لدى الجميع كانت سبباً في ظهور مواقف صارمة من وجهاء القبائل المؤثرين ومنهم الشيخ صادق بين حسين الأحمر زعيم قبائل حاشد الذي وجه نداء إلى وجهاء القبائل اليمنية لتدارك الأوضاع وتحمل المسؤولية التاريخية والتحرك انزلاق لمنع البلاد في حروب وانقسامات إلى تحذيره من أن اليمن يمر في مفترق طرق نتيجة تشبث الحكم بالسلطة في مقابل إصرار شعبي على التغيير السلمي .

وذهب الشيخ الأحمر إلى دعوة قوات الجيش للحفاظ على الوطن والمواطنين وعدم تنفيذ أي أوامر لتوجيه السلاح إلى المواطنين أو المعتصمين سلميا أو زملائهم في الجيش .

وطبقاً لمراقبين فقد كان للتدخل السريع من وجهاء القبائل وكبار المسؤولين في الحكومة وبعض الدبلوماسيين دور مهم في وقف هذه التداعيات التي بدت أشبه بكرة ثلج متدحرجة زاد من ذلك يقظة وسائل الإعلام التي تولت غطت بكفاءة وسرعة هذه التطورات بما فيها التحركات العسكرية ما أسهم في لجمها وإعادة كل طرف إلى موقعه .

وكان لافتاً أن موجة الذعر التي أثارها التصعيد العسكري تجاوزت الأوساط الشعبية والتجارية إلى الشركات والسفارات العربية والغربية التي شرعت بإجراءات ترحيل رعاياها وعامليها في اليمن كما دعت كثيراً من العواصم الأوروبية إلى التعبير عن قلقها حيال تطورات الأوضاع في هذا البلد الفقير الغارق بالأزمات لكنها بالمقابل كانت عامل صحوة لطرفي الأزمة وأعاد خيار الحل السلمي إلى رأس القائمة بعدما كان تلاشى كليا لمصلحة الحلول غير الآمنة .

[**مبادرة من جانب واحد*]

لم يكن الانسداد الذي خلفه تمترس القوى السياسية في الحكم والمعارضة خلف مطالبهم نهاية المطاف بالنسبة لحزب المؤتمر الحاكم الذي اتجه على وقع الضغوط المتصاعدة إلى تبني مبادرة للإصلاحات من جانب واحد خارج دائرة التوافق مع المعارضة التي أعلنت رفض أي حوارات مع الحزب الحاكم أو مبادرات لا تعبر عن مطالب المتظاهرين في ساحات الاعتصام .

وللمرة الأولى عبر قياديون في الحزب الحاكم عن استيائهم من القرارات الانفرادية التي يتخذها الرئيس صالح خارج دائرة الحزب وأطره التنظيمية، وهو الموقف الذي قاد هؤلاء إلى دعوة الرئيس صالح إلى تلبية مطالب الحزب في تبني مبادرة أو خطة للخروج من الأزمة عن طريق إنهاء الحالة غير المستقرة لحكومة تصريف الأعمال وتشكيل حكومة جديدة توكل إليها الشروع بإعداد دستور جديد يتيح الانتقال إلى النظام البرلماني وتعديل قانون الانتخابات وفق نظام القائمة النسبية والشروع بتطبيق خطة إصلاحات شاملة من جانب واحد تستند إلى ما تضمنه اتفاق فبراير/ شباط 2009 الموقع بين الحكم والمعارضة، خصوصاً أن تطبيقها حالياً أمر ممكن بالاستفادة من الأغلبية التي يملكها الحزب الحاكم في مجلس النواب والتي قد تتيح لحزب المؤتمر المصادقة على أي مشاريع لتعديل الدستور والقوانين خلال المرحلة المقبلة .

وبحسب المراقبين فقد وجد الرئيس في هذه الخطوة تحريكا للجمود الذي اكتنف طريق المبادرات السلمية لحل أزمة الاحتجاجات، خصوصاً أن الخيار العسكري سيكون مكلفاً وشاقاً على الرئيس صالح الذي انحسرت سيطرته على الجيش كثيراً ولم يعد يثق كثيراً بقادة الجيش سوى قوات الحرس الجمهوري والخاص والأمن المركزي والدفاع الجوي التي يقودها أبناؤه وأقاربه .

ويقول قادة في حزب المؤتمر الحاكم إن هذه القضايا كانت من ضمن المطالب الأساسية لدى أحزاب المعارضة خلال جولات الحوار بين القوى السياسية منذ توقيع اتفاق فبراير/ شباط 2009 الذي تم بموجبه تأجيل الانتخابات ولم تجد طريقه للتنفيذ نتيجة رفض حزب المؤتمر الحاكم لها، غير أن موجة الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية التي داهمت المنطقة ومنها اليمن جعلت النظام يعيد النظر بموقفة من هذه المطالب التي أعلن الرئيس صالح مؤخراً قبوله بتنفيذها ورفضت من جانب أحزاب المعارضة . ويشير هؤلاء إلى أن قرار حزب المؤتمر المضي بهذه الخطة قدم دليلاً على أنه صار يدرك جسامة التحديات التي يواجهها اليمن اليوم، ولا سيما أن استمرار حركة الاحتجاجات في ظل غياب التوافق على الحل السياسي خلف تداعيات تكبر كل يوم وتحولت إلى تهديد حقيقي بتقسيم اليمن إلى كانتونات صغيرة كما حصل خلال الأيام الماضية في بعض المحافظات الشرقية والشمالية حيث سيطر المحتجون ومعهم بعض المسلحين على المرافق الحكومية وشرعوا بتأليف مجالس حكم خارج السيطرة الحكومية .

[**مناورات سياسية*]

يرى كثيرون أن النظام اليمني الذي تعرض لهزات عنيفة في الآونة الأخيرة لم يعد لديه إلا التحصن بالملفات القديمة التي طالما استخدمها للتخفيف من وطأة الضغوط الخارجية، ومن ذلك ملف “القاعدة” والانفصال والمسلحين الحوثيين .

ويرى مراقبون أن هذه الملفات أتاحت خلال الفترة الماضية هامش مناورة للنظام اليمني الذي طالما اتخذها درعاً واقياً في معاركه السياسية تماماً، كما كانت عاملاً مهماً في تخفيف حدة ضغوط التغيير الديمقراطي ولا سيما في ظل الرؤية الغربية التي أكدت غير مرة أن تدهور الحكم في اليمن ربما يضع العالم أمام تحديات حقيقية في الخطر المتعاظم لتنظيم القاعدة بجزيرة العرب والذي قد يتيح له انهيار النظام اليمني بناء قوة ضاربة تهدد المصالح الدولية والإقليمية على السواء .

لكن هذه الرؤية بدأت تترنح قليلاً فواشنطن التي فوجئت بعجلة الأحداث والتحولات المتسارعة في تونس ومصر بدت هذه المرة حاضرة في الساحة اليمنية إذ عقد السفير الأمريكي بصنعاء جيرالد فيرستين مؤخراً سلسلة لقاءات مع زعماء القبائل وناقش معهم مبادرة الرئيس علي عبدالله صالح للإصلاح السياسي طارحا مقترحات بأهمية استيعاب القضية الجنوبية وإشراك المعارضة اليمنية في الخارج في الحوار السياسي الذي دعا إليه الرئيس صالح .

ولم تخل مباحثات السفير الأمريكي مع زعماء القبائل من نقاش حول تهديد تنظيم القاعدة الناشط في مناطق القبائل، وما توفره له من غطاء وحماية، ما دعا زعماء القبائل إلى إعلان تعهدات بعدم إيواء العناصر الإرهابية في مناطقها ودعم جهود الحكومة اليمنية في الحرب على الإرهاب .

- **المصدر : صحيفة «الخليج» الإماراتية



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 4 / 2178039

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178039 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40