الأربعاء 6 نيسان (أبريل) 2011

تحية احترام للقاضي وزير خارجية مصر الثورة

الأربعاء 6 نيسان (أبريل) 2011 par د. انيس مصطفى القاسم

1ـ كان رد الفعل «الاسرائيلي» لاختيار عصام شرف رئيساً للوزراء في مصر ونبيل العربي وزيراً للخارجية، أن وجهت اليهما الاتهامات التقليدية بأنهما عدوان لليهود ومعاديان للسامية، وأن على «اسرائيل» أن تعيد حساباتها، بعد أن نعمت بعقود من الرعاية من جانب العهد المصري الراحل ورجالاته. ولا شك في أنها ازدادت قلقاً بعد تصريحات وزير الخارجية المصري الجديد بأن ايران ليست عدوة لمصر، وبضرورة عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتصريحاته بأن على «اسرائيل» أن تفي بما عليها من التزامات، وألا تتوقع امتيازات خاصة، وأن مصر الجديدة ستطالب بالحقوق التي نام عليها النظام السابق. و«اسرائيل» تأخذ هذه المواقف مأخذ الجد لأنها صدرت عن رجل جربته على مدى سنوات طويلة في حياته الدبلوماسية والقضائية، وتعرف أنه يرفض المساس بحقوق مصر أو حقوق الشعب الفلسطيني أو الانتقاص منها، وأن واجبه هو الدفاع عنها، لا كسب رضا «اسرائيل»، وأنه سيسعى لتحقيق الانسجام بين سياسات مصر من جهة وتطلعات شباب الثورة وشعبها التي هي تطلعاته، من جهة أخرى.

2ـ من على منصة أعلى محكمة دولية، محكمة العدل الدولية، وعند النظر في طلب تقدمت به الجمعية العامة للامم المتحدة حول شرعية الجدار الذي تقيمه «اسرائيل» في الاراضي الفلسطينية المحتلة، وعلى مسمع العالم كله، سجل القاضي نبيل العربي مواقف بخصوص القضية الفلسطينية تعرفها «اسرائيل» وتخشاها، ولكن يتعين على صاحب القرار العربي والفلسطيني أن يعرفها، وأن يعرفها كذلك شبابنا الثوار وشعبنا الذي انضم لهم وتحملوا جميعا مسؤولية قيادة المسيرة. من حق هؤلاء أولاً أن يعتزوا بهذه المواقف وأن يتوقعوا منه الالتزام بها، كما ان من حقهم أن يحاسبوه اذا حاد عنها، لا قدر الله. وهذه الآراء والمواقف مسجلة عليه في وثيقتين دوليتين : الاولى الفتوى التي اصدرها القضاة الاربعة عشر الذين كان هو أحدهم باجماع ارائهم، والثانية أنه اختار أن يسجل على نفسه رأياً مستقلاً عن بقية القضاة في غاية الاهمية والدلالة، عالج فيه أموراً محددة هي موضوع هذا المقال باختصار شديد.

3ـ بداية لا بد من الاشارة الى أن «اسرائيل» حاولت إبعاده عن المشاركة في النظر في طلب الفتوى مستغلة في ذلك طعناً شكلياً معروفاً في القانون، وهو تنحية القاضي لشبهة عدم الحيادية. غير أن المحكمة، بعد أن نظرت في مذكرة سرية وأخرى علنية قدمتهما «اسرائيل» في هذا الشأن، قررت «أنه ليس فيها ما يقتضي تنحية القاضي (نبيل) العربي عن نظر القضية». وكانت المحكمة التي نظرت القضية مكونة من خمسة عشر قاضياً، بينهم قاضيان عربيان أحدهما مصري، وهو الدكتور نبيل العربي، والثاني اردني هو القاضي عون الخصاونة. وصدرت الفتوى بأغلبية فريدة في تاريخ المحكمة وهي أربعة عشر صوتاً في مقابل صوت واحد، هو صوت القاضي الامريكي.

4ـ وفقاً لنظام المحكمة، سجل القاضي نبيل العربي، مثله مثل عدد آخر من القضاة، رأياً مستقلاً، مؤكداً في بدايته موافقته الكاملةعلى فتوى المحكمة، حيث قال «أود أن أعبر، بادئ ذي بدء، عن تأييدي الكامل وغير المشروط للاستنتاجات والنتائج التي خلصت اليها المحكمة». ومؤدى هذا أنه يوافق على عدم شرعية الجدار ووجوب ازالته والتعويض عن الاضرار التي نجمت عنه، ويوافق على عدم شرعية المستوطنات، وعلى أن «اسرائيل» تنتهك القانون الدولي والقانون الدولي الانساني والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الانسان، وهي مسؤولة عن هذه الانتهاكات، وعلى أن الامم المتحدة تتحمل مسؤولية خاصة حيال القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وأن الدول كذلك تتحمل مسؤولية حيال الانتهاكات «الاسرائيلية»، وغير ذلك من الامور التي وردت في الفتوى والتي استعرضناها في كتاب خاص بها، ونشرنا فيه الفتوى والآراء المستقلة للقضاة. [*(1)*]

5ـ في البداية تعرض الرأي المستقل للقاضي نبيل العربي لمنشأ القضية الفلسطينية ومسؤولية الامم المتحدة عنها، والطريقة التي عولجت بها مؤكداً أموراً ثلاثة. الأمر الأول هو أن القضية الفلسطينية منذ بدايتها لم تُراعَ فيها الجوانب القانونية، ولم يقم أي جهاز من أجهزة الامم المتحدة بطلب رأي من محكمة العدل الدولية لتوضيح الجوانب القانونية المعقدة الداخلة في اختصاص أجهزة الامم المتحدة المختلفة قبل اتخاذ قرارات تتعلق بالقضية.

والأمر الثاني أنه اتخذت بالفعل قرارات ترتبت عليها نتائج بعيدة المدى لاسباب سياسية، من دون أي اعتبار لسلامتها من الناحية القانونية. والأمر الثالث أنه حتى عندما كانت تتخذ القرارات فإن ارادة متابعة تنفيذها «سرعان ما كانت تذهب أدراج الرياح».

6ـ هذه ملاحظات ثلاث في غاية الاهمية والدقة، وهي ادانة للطريقة التي عولجت وتعالج بها القضية الفلسطينية، من الجانبين الفلسطيني والعربي، اللذين ركزا على المفاوضات وسلما الامور لأمريكا، الحليف الملتزم بـ «اسرائيل»، بدلا من التركيز على اعتماد الاساليب التي تستند اليها الملاحظات الثلاث هذه. وكانت النتائج بعيدة المدى. فالجمعية العامة للامم المتحدة اتخذت مثلا قرار التقسيم من دون التأكد من اختصاصها في اتخاذ قرار من هذا القبيل بالرجوع الى محكمة العدل الدولية، مع أن اللجنة المختصة أوصت بذلك، بناء على اصرار عضويها مصر وسورية. كان هذا عام 1947 قبل أن تتحرر الجمعية العامة للامم المتحدة من السيطرة الغربية، ومع ذلك لم تعاود الدول العربية طرح الموضوع مجدداً، آخذة في الاعتبار ما طرأ من تغييرات على تركيب الجمعية العامة، وما استجد من تطورات في غاية الاهمية في القانونين الدولي والانساني، والتحرك المتسارع لامتلاك الشعوب حقها في تقرير مصيرها. ويلاحظ القاضي نبيل العربي أن موقف الجمعية العامة الرافض لاستشارة محكمة العدل الدولية عام 1947 حول شرعية قرار التقسيم، «يعد» كما جاء في تقرير اللجنة المختصة في الامم المتحدة، «بمثابة اعتراف بأن الجمعية العامة مصممة على اتخاذ توصيات في اتجاه معين، لا لأن هذه التوصيات تتفق مع مبادئ العدل والانصاف الدوليين، ولكن لأن أغلبية الممثلين يرغبون في تسوية المسألة بطريقة معينة، بصرف النظر عن خصائص المسألة المطروحة أو الالتزامات القانونية للاطراف». ولو أن «خصائص المسألة المطروحة (وهي القضية الفلسطينية) أو الالتزامات القانونية للاطراف». قد روعيت لما اتخذ قرار التقسيم، ولكن الاعتبارات السياسية لا المشروعية هي التي سيطرت على الموقف، لأن المتنفذين حينئذ كانوا يريدون حلاً سياسياً وإن جاء مخالفاً للقانون.

7ـ ازاء هذا الوضع الذي يثير التساؤلات، فإن القاضي العربي يلفت النظر الى امكانية النظر في مشروعية قرار التقسيم، إذ أن القرار نفسه ينص على جواز إحالة «أي نزاع يتعلق بتطبيق أو تفسير» أحكامه الى محكمة العدل الدولية، وهي احالة يجوز لها أن تتم «بناء على طلب أي من الطرفين». والطرفان هما الشعب الفلسطيني و«اسرائيل». ويعلق القاضي نبيل العربي على ذلك بزفرة خيبة أمل لا تخفى، إذ يقول «ولا حاجة للقول بأن هذا السبيل لم يجر اتباعه قط». حيث أنه لم تجر اية محاولة جادة أو غير جادة لطرح شرعية قرار التقسيم من اساسه أو اختصاص الجمعية العامة في اتخاذه، وطبيعة هذا الاختصاص للحصول على فتوى من محكمة العدل الدولية في هذه المسائل، إما خوفاً من إغضاب «اسرائيل» وراعيها الامريكي، وإما لأن المسؤولين الفلسطينيين والعرب لا يؤمنون بأي دور للقانون أو للسببين معاً، وهو الأغلب.

8ـ ويتعرض هذا الرأي المستقل لما طرأ من أوضاع ومفاوضات وما جرى من اتفاقيات أو اتخذ من قرارات في اعقاب حرب 1967 استكمالاً للتسلسل التاريخي الذي تبناه، ويخلص الى النتائج المهمة التالية اذ يقول : «وعليه فقد تعهدت «اسرائيل» بتنفيذ الالتزامات التالية : (1) الانسحاب طبقاً للقرار 242، (2) احترام السلامة الاقليمية للضفة الغربية وقطاع غزة، (3) الامتناع عن اتخاذ أي خطوة من شأنها تغيير وضع الضفة الغربية وقطاع غزة». ويقول «هذه التعهدات تعاقدية وهي ملزمة قانوناً لـ «اسرائيل»». ومع ذلك فلا الجانب العربي ولا الجانب الفلسطيني تمسك بجدية بوجوب تقيد «اسرائيل» بهذه الالتزامات وتنفيذها بدقة. غير ان «اسرائيل» لم تلتزم ولم تنفذ، ومع ذلك تواصلت المفاوضات والتنازلات من الجانب الفلسطيني والعربي، وتم التجاهل الكامل للقانون وجاءت التنازلات مخالفة له، وتمسكت «اسرائيل» وأمريكا بأن نتيجة المفاوضات، لا القانون هي الفيصل، وسار الجانبان العربي والفلسطيني في هذا الاتجاه فكان ما كان. والمشكلة، كما شخصها القاضي نبيل العربي، هي أن الالتزام بالشرعية قد انحرف تطبيقه ليصبح وسيلة للمفاوضات، لا غاية يجب أن تحترم وتنفذ، فكانت النتائج الكارثية التي نشكو منها.

9ـ اننا نطمع في أن يولي وزيرُ خارجية مصر حالياً، القاضي نبيل العربي سابقاً، سلاحَ القانون اهتمامَه ومتابعتَه، وأن تعود مصر الى قيادة هذه الامة في استرداد ارادتها وكرامتها، ونأمل أن تكون البداية في مصر ذاتها متمثلة في الامور التالية على الأقل : (أولاً) الغاء القيود التي يعاني منها الفلسطينيون، وخاصة الغزيين، في دخول مصر والخروج منها، وفاء بما تتحمله من مسؤولية خاصة حيالهم، وثانياً انهاء جريمة الحصار اللاشرعي المفروض على القطاع والمتواطئ مع الحصار اللاشرعي «الاسرائيلي»، وثالثاً فتحُ الحدود بين مصر والقطاع بشكل دائم أمام الافراد والبضائع وقوافل فك الحصار، والتمسك بأن معبر رفح الحدودي وغيره من المعابر بين مصر والقطاع هي معابر عربية من جانبيها، وللعرب وحدهم السيادة عليها، ولا نرضى لمصر وشعبها وتاريخها ومسؤوليتها عن القطاع أن يتحكم في الحدود بينهما جدارٌ فولاذي يُنسَبُ لمصرالتي كانت عَصيَّةِ على الإملاء، أو أن تقف مصر أمام العالم الى جانب «اسرائيل» متهمةً، بالأصالة وبالمشاركة، في جريمة حصار لاشرعي هدفه، إما الابادة وإما الاستسلام، أو أن تدعي «اسرائيل» أنها تفعل ما تفعله مصر. ورابعاً رَدُّ الاعتبار لمصر بدعوة جورج غالاوي ورفاقه ممن عملوا وتحملوا لكسر الحصار لزيارة مصر والقطاع على رأس قافلة أخرى من قوافل الحرية. مصر العظيمة من حقها علينا جميعاً أن نعمل جاهدين لتخليص ارادتها مما فُرِضَ عليها من قيود وتمكينها من استرداد مسيرتها الفاعلة محلياً وقومياً واقليمياً ودولياً.

وللقاضي الوزير تحية الاحترام والثقة والأمل.

[*(1)*] [**انظر كتابنا «الجدار العازل «الاسرائيلي» فتوى محكمة العدل الدولية دراسات ونصوص» - منشورات مركز دراسات الوحدة العربية بيروت -2007، الرأي المستقل للقاضي نبيل العربي ص ص 304-319.*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 70 / 2178946

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2178946 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40