الجمعة 8 نيسان (أبريل) 2011

ضباب الحرب والدبلوماسية يلف ليبيا

الجمعة 8 نيسان (أبريل) 2011

شهدت الأزمة الليبية في الأيام القليلة الماضية تأرجحاً في التفوق العسكري بين الثوار وقوات القذافي . بينما زادت وتيرة التفاعلات السياسية وكشفت عن تبلور مبدئي لحل سياسي جوهره انتهاء حكم القذافي . لكن الموقف كله يظل معلقاً بسبب عدم وضوح نقاط مهمة، تتعلق بمصير الأوضاع السياسية فيما بعد القذافي، بالإضافة إلى مدى الثقة في استقرار الأوضاع مستقبلاً في ظل امتلاك المجلس الوطني الانتقالي زمام قيادة قوات الثوار، لكن من دون سيطرة كاملة لا على الأراضي الليبية ولا القوة المسلحة سواء الموجودة لدى القبائل أو لدى جماعات أخرى .

بدأ مطلع الأسبوع الجاري حلف الأطلسي (الناتو) قيادة العمل العسكري الموجه ضد قوات العقيد القذافي في ليبيا . وذلك بعد أن أعلنت واشنطن سحب قواتها من المشاركة العملياتية وتسليم القيادة إلى الناتو، والاكتفاء بدور مساعد يشمل عمليات الاستطلاع وإمداد بالوقود والعتاد وإسناد لوجستي . وبالفعل أعلن مسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” أن الجيش الأمريكي بدأ منذ صباح الجمعة سحب مقاتلاته وصواريخه الموجهة من طراز “توماهوك” من مسرح العمليات العسكرية في ليبيا، تمهيداً للانتقال إلى دور المساندة حسب المقرر . وكانت مشاركة القوات الأمريكية في العمليات الهجومية قد وصلت إلى أقل معدل لها منذ بدء العمليات قبل أسبوعين فمع اليوم الأخير لقيادة واشنطن العمليات كان نصيب سلاح الجو الأمريكي عشر طلعات فقط من 74 طلعة جوية، بينما لم يتم إطلاق أي صاروخ أمريكي “توماهوك” . وفي نقل القيادة العملياتية من الولايات المتحدة إلى الناتو دلالات مهمة يمكن تلخيصها فيما يلي:

معروف أن واشنطن كانت حريصة على عدم الانخراط لفترة طويلة في القتال على الساحة الليبية أو في أي ساحة إقليمية أخرى في ضوء انشغالها فعلياً بالعراق وأفغانستان، ورغبة الرئيس الأمريكي الوفاء بوعوده الانتخابية بالانسحاب من بغداد وكابول . من هنا فإن مغادرة واشنطن موقع القيادة في الملف الليبي إنما يشير إلى خشية أوباما من التورط في حرب طويلة أو متوسطة المدى بما يتعارض مع وعوده، وبالتالي يهدد معركته الانتخابية الرئاسية القادمة .

يكشف نقل القيادة العسكرية إلى الناتو، أن الخلافات التي أحاطت بهذه الخطوة الأسبوع الماضي، قد تم حلها أو خضعت لتسوية معينة . فقد تسببت خلافات حادة في تأخير تسلم الناتو قيادة العمليات بل في توليه القيادة من البداية كما كان مطروحاً قبل إصدار مجلس الأمن القرار 1973 . حيث كان لتركيا بصفة خاصة موقف صارم ضد تولي فرنسا قيادة العمل العسكري بل ومجرد الاضطلاع بدور محوري فيه . وكان الموقف التركي عائقاً أمام توافق دول حلف الناتو على موقف موحد من العمليات العسكرية ومن مجمل التعامل مع الأزمة الليبية . وذلك بسبب رفض أنقرة الشديد للدور المحوري الذي قامت به فرنسا في بدايات الأزمة ثم في الدعوة إلى القيام بعمل عسكري في ليبيا . وكانت تركيا تخشى من أن يؤدي تخلي الولايات المتحدة عن قيادة العمليات إلى انفراد فرنسا بمجريات الأمور على الأرض في ميدان القتال . بيد أن أنقرة عادت لتقبل بولاية الناتو على العمليات العسكرية، في تحول لا يمكن رؤيته بمعزل عن السبب ذاته وهو الموقف التركي من باريس، فوفقاً لتصريح رسمي لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، يعد نقل قيادة العمليات إلى حلف الناتو استبعاداً ضمنياً لفرنسا . وهو ما يمكن وصفه بصفقة أو مقايضة تمت بين واشنطن وأنقرة، فالأولى كانت حريصة بشدة على عدم إطالة مدة انغماسها في العمل العسكري الميداني، بينما الثانية تتحفظ بشدة على الدور الفرنسي، من هنا كان الحل في أن تخرج واشنطن من قيادة العمليات مقابل عدم انفراد فرنسا بها .

يشير هذا السلوك من جانب الولايات المتحدة بدوره، إلى أن الحرب في ليبيا قد لا تنتهي بسرعة كما كان يتوقع البعض، أو على الأقل ليس معروفاً على وجه الدقة المدى الزمني المتوقع لها . سواء من زاوية التوازنات والتطورات على الأرض، أو من زاوية النوايا الحقيقية لحلف الناتو والقوات الغربية من العمل العسكري الموجه ضد قوات القذافي . ما يعني أن ثمة احتمالاً لأن يطول أمد الحرب لسبب أو لآخر . وهو ما يمكن تفهمه في ضوء الغموض المحيط بنوايا ومعطيات الأطراف الأساسية في الحالة الليبية، سواء القذافي الذي لا يمكن التكهن بنواياه وسلوكه المستقبلي . أو على الجانب المعارض والمجلس الوطني الانتقالي الذي لا يزال يثير تساؤلات سياسية تنعكس بدورها على الموقف تجاهه فيما يتعلق بالدعم العسكري الذي يحتاجه حتى يتمكن من حسم المعارك الدائرة لمصلحته بشكل نهائي . ولو كانت الولايات المتحدة الأمريكية ترى إمكانية لحسم المعارك الدائرة في ليبيا في أمد قصير، لربما راجعت حساباتها بشأن التخلي عن قيادة العمليات، خصوصاً في ضوء الخلافات التي حدثت بين دول الناتو وأخرت اتخاذ قرار نقل القيادة ثم تنفيذ ما يزيد على ثمانية أيام .

[**تداعيات قيادة الناتو*]

تجسد التطورات على الأرض تلك الدلالات المشار إليها، فالحاصل على مستوى العمليات القتالية أن التفوق العسكري الواضح لقوات التحالف الدولي نجحت في تكسير أجنحة القذافي الجوية، كما بدأت في استهداف قواته البرية في مواقع مختلفة، ما سمح لقوات الثوار الليبيين بتحقيق انتصارات متتالية سواء باستعادة مدن كانت قوات القذافي قد أزاحتهم منها، أو بالزحف نحو مواقع جديدة مثل الاقتراب من مدينة سرت الاستراتيجية . إلا أن مرحلة نقل القيادة العسكرية من واشنطن إلى الناتو تسببت في خلل عملياتي، حيث حدثت فجوة في السيطرة على أجواء ليبيا نتيجة سحب واشنطن طائراتها وتقليص دور منظومة الاستطلاع التابعة لها، ثم مرور ما يقرب من ثلاثة أيام قبل أن تضطلع قوات الناتو بتلك المهام بدلاً من القوات الأمريكية . وظهرت تبعات تلك الفجوة سريعاً في ميدان القتال حيث عادت قوات القذافي لتحقق انتصارات كادت تعوض بها ما خسرته أمام الثوار على مدى الأسبوعين السابقين تحت الغطاء الجوي الأمريكي البريطاني الفرنسي المشترك .

وبادر المجلس الوطني الانتقالي، الذي يتولى قيادة الثوار الليبيين سياسياً وعسكرياً، إلى اتخاذ إجراءات سياسية وعسكرية للتعامل مع التطورات السلبية في العمليات، فشكل لجنة لإدارة الأزمة والتعامل مع مختلف مساراتها خصوصاً السياسية منها . كما أعاد تشكيل القيادة العسكرية ليتولاها رئاسة أركانها (أي القائد الفعلي لها) وزير الداخلية السابق عبد الفتاح يونس . وربما يساعد هذا في تحسين الأداء العسكري لقوات الثوار الليبيين نسبياً، إلا أنه ليس من المتوقع أن يمثل ذلك تعويضاً مكافئاً للتحول المهم بغياب أو انحسار الحضور العسكري الأمريكي في العمليات .

ومع خروج القوات الأمريكية من المعادلة القتالية بشكل شبه كامل، واكتفائها بمهام دعم وإسناد استخباري ولوجستي، فإن علامة استفهام كبيرة تثار حول قدرة قوات حلف الناتو على الاضطلاع بما كانت تقوم به واشنطن من مهام قتالية بذات الكفاءة . وفضلاً عما لوحظ من تراجع في الفترة الانتقالية خلال تسليم وتسلم القيادة من واشنطن إلى الناتو في الأيام القليلة الماضية، فإن ثمة اعتبارات تدفع إلى التشكك في قدرة الناتو على إكمال المهمة بنفس المستوى من الكفاءة والفعالية، من أبرزها تفوق الأسلحة الأمريكية التي استخدمتها واشنطن في بداية العمليات كمقارنة بما هو متاح لقوات الناتو، فأهمية الدور الأمريكي في العمليات لا تكمن فقط في توليها القيادة بالمعني التخطيطي والتنسيقي للعمليات، وإنما أيضاً وهو ما وضح أثره البالغ لاحقاً في نوعية وأعداد الأسلحة والمعدات التي كانت تستخدمها واشنطن في بداية العمليات، وهي ليست متاحة على الأقل بالدرجة ذاتها لقوات الناتو . ويكفي للدلالة على ذلك أن واشنطن قامت بسحب طائرات A10 وAC130، التي كان لها دور جوهري في ضرب معاقل ومواقع حصينة لقوات القذافي، كما كانت واشنطن تشارك بعدد 11 قطعة بحرية، فضلاً عن عدد كبير من بطاريات صواريخ توماهوك .

[**معضلة التسليح*]

بينما يطلب الثوار الليبيون إمدادهم بالسلاح حتى يتمكنوا من مواجهة التفوق الكبير لقوات القذافي في نوعية وكميات السلاح المستخدمة في القتال، لا تزال تلك المسألة محل جدل وخلاف واسع بين الدول المعنية خاصة الدول الكبرى الموردة للأسلحة . حيث يميل معظمها إلى تفضيل عدم تسليح الثوار لأسباب متفاوتة، من بينها أن ذلك يعد مساعدة مباشرة في الإطاحة بالقذافي بالقوة، وهو ما تتبناه روسيا والصين اللتان سمحتا بتمرير قرار مجلس الأمن رقم 1973 بفرض منطقة حظر جوي على ليبيا، على ألا يمتد ذلك إلى غزو بري أو احتلال لليبيا، وألا يتضمن استهدافاً عسكرياً مباشراً يؤدي إلى إسقاط القذافي . ويلاحظ هنا أن انتقال العمليات العسكرية إلى الناتو يثير جدلاً قانونياً حول ما إذا كانت المظلة القانونية لتلك العمليات ممثلة في قرار مجلس الأمن لا تزال هي المرجعية لها، أم إن قواعد التدخل العسكري المعمول بها في حلف الناتو هي فقط الحاكمة لتلك العمليات حالياً . لكن يبقى السبب الأهم وهو المتعلق بالتركيبة غير الواضحة حتى الآن للثوار، حيث تخشى بعض الدول من وصول أي أسلحة يتم إمداد الثوار بها، لأيدي جماعات إسلامية مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي .

وتشمل تلك الدول التي تتحفظ في تسليح الثوار ألمانيا وتركيا والصين وإيطالياً ودولاً أخرى، ويلاحظ أن التباينات التي غلبت على الموقف الغربي من قرار مجلس الأمن بفرض منطقة حظر جوي، تنحسر فيما يتعلق بتسليح الثوار الليبيين، فقد كان هناك حد أدنى من التوافق على ضرورة الحد من قدرة القذافي على البطش بالمدنيين وليس فقط الثوار لكن هذا الحد يرتفع كثيراً عندما يتعلق الأمر بعمليات تسليح تراه بعض الدول تغذية للصراع وليس إنهاء له . وتتبنى كل من ألمانيا وتركيا موقفاً واضحاً وقوياً في هذا الخصوص، حيث أعلن وزير الخارجية الألماني جيدو فيسترفيله إن حظر إمداد الأسلحة يشمل على حد سواء القذافي ومعارضيه . وجاء إعلان موقف ألمانيا أثناء زيارة قام بها فيسترفيله مطلع هذا الأسبوع للصين إحدى أكثر الدول اعتراضاً ليس فقط على فكرة تسليح الثوار لكن أيضاً على مبدأ التدخل العسكري . ومن أبرز ما تشترك فيه تلك المواقف الرافضة لمباشرة تسليح الثوار، أنها تعتبر العمليات العسكرية مرحلة تهدف في النهاية إلى إيجاد حل سياسي .

لكن مقابل تلك المواقف حول رفض تسليح الثوار الليبيين، هناك دول أخرى تدعو إلى تلك الخطوة، على رأسها بريطانيا وفرنسا، فقد دعت باريس ولندن كل على حدة إلى تسليح الثوار الليبيين، وهو ما ألمحت إليه أيضاً واشنطن بلسان الرئيس باراك أوباما شخصياً . ويلاحظ أن المدخل القانوني إلى تلك العملية سيستند إلى فكرة أن قرار مجلس الأمن 1973 أتاح استخدام كافة السبل لحماية المدنيين، وبما أن الحظر الجوي لم يعد وحده كافياً لتحقيق تلك الحماية كما ينبغي، فإن تسليح جماعات الثوار لا يتعارض مع بنود القرار الدولي . لكن يبدو أن الرغبة في تجنب تعميق الخلاف مع الأطراف الرافضة لفكرة التسليح، هي الحائل حتى الآن دون الإقدام على تلك الخطوة، على الأقل بشكل علني ورسمي، ذلك أن أنباء غير رسمية بثتها قناة “الجزيرة” القطرية، ذكرت أن هناك شحنات أسلحة تصل بالفعل إلى الثوار الليبيين عبر الحدود المصرية، مشيرة تحديداً إلى صواريخ كاتيوشا، من دون توضيح مصدر تلك الأسلحة، كما نقلت الأنباء أن عناصر من القوات الخاصة المصرية تعمل بالفعل داخل الأراضي الليبية في المنطقة الشرقية، ومهمتها الأساسية تدريب أعداد من الثوار الليبيين الذين يعانون بشدة من ضعف المهارات القتالية وغياب المعرفة اللازمة بفنون القتال العسكري خاصة مع وجود أعداد كبيرة من المتطوعين بينهم .

كما كانت صحيفة نيويورك تايمز قد كشفت عن قرار سري للرئيس الأمريكي بتقديم مساعدات ميدانية للثوار، وأن تلك المساعدات تشمل عمليات استخبارية يقوم بها عملاء تابعون للمخابرات الأمريكية موجودون بالفعل داخل الأراضي الليبية للتنسيق مع الثوار، بالإضافة إلى إمكانية ترتيب عمليات إمدادهم بالسلاح، ولم يتضح أيضاً ما إذا كان الأمر يتعلق بإمدادهم مباشرة بأسلحة أمريكية .

إذن، الملامح العامة للمشهد العسكري، تشير إلى حالة تفوق بندولية تنتقل من الثوار إلى القذافي وبالعكس، ما يعني أن الوضع العسكري في مجمله لا يشير إلى حسم نهائي لصالح أي من الطرفين، آخذا في الاعتبار ثبات المعطيات الراهنة خاصة ما يتعلق بمسألة حرمان قوات القذافي من حرية الحركة فيما بين مدن ومناطق القتال، وكذلك عدم الاطمئنان الغربي حتى الآن لفكرة تسليح الثوار بشكل يسمح لهم بحسم الحرب في صالحهم .

[**ما بعد القذافي*]

مقابل الوضع العسكري المعلق، هناك ما يمكن اعتباره تقدماً سياسياً، أو على الأقل حلحلة للوضع السياسي، وذلك في تطور معكوس عما كان عليه الحال قبل أيام فقط، عندما كان التأزم والغموض هو الغالب على المسار السياسي للأمة، بينما كانت التطورات العسكرية متلاحقة وسريعة . وبينما تراجعت وتيرة التطورات العسكرية وأصبحت تسير في اتجاهات متعارضة جيئة وذهاباً بين فينة وأخرى، أصبح الوضع السياسي أكثر ديناميكية .

ولعبت عدة عوامل وتطورات دوراً محورياً في تحريك الموقف السياسي، كان أولها مؤتمر لندن الذي استضافته العاصمة البريطانية قبل عشرة أيام، حيث كشفت مجرياته وما انتهى إليه عن الصيغة السياسية المثالية أو الأقرب إلى تفضيلات الدول المشاركة فيه، وكان المؤتمر قد حظي بمشاركة أكثر من 35 دولة، بالإضافة إلى ممثلين لجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي . ومما يسترعي الانتباه في نطاق المشاركة أن الاتحاد الإفريقي لم يُدع إلى المؤتمر في اللحظة الأخيرة بعد أن كان مقرراً أن يشارك باعتباره منظمة إقليمية معنية بالشأن الليبي مثل الجامعة العربية، فضلاً عن أنه كان باشر خطوات نحو تسوية سياسية للأزمة وشكل لجنة رفيعة المستوى مكلفة الاتصال مع مختلف الأطراف وبحث الحلول السياسية الممكنة . ووفقاً لما دار في كواليس مؤتمر لندن، فإن حضور الاتحاد الإفريقي كان من شأنه “تفريغ المؤتمر من محتواه” أو سحب المسار السياسي إلى أرضية مختلفة عما تريده الدول الكبرى المشاركة في المؤتمر . في إشارة إلى أن تحرك الاتحاد الإفريقي كان يستهدف تسوية سياسية لا تعني بالضرورة تخلي القذافي عن الحكم، وإنما تميل إلى القيام بإصلاحات سياسية في ظل النظام القائم . في حين كان الواضح أن مؤتمر لندن منظم أساساً لإيجاد آلية لتغيير نظام القذافي سياسياً، وليس عسكرياً . ويلاحظ أن هذا التوجه السياسي الغربي لم يلب سقف طموحات المجلس الوطني الانتقالي الذي أجرى اتصالات بالقوى الغربية وحضر المؤتمر بشكل غير رسمي، إذ كان المجلس يطمح في موقف غربي أكثر قوة وحزما سواء إلى المستوى السياسي أو العسكري، حيث كان يتطلع إلى قرار بتسليح الثوار، واتخاذ خطوات عملية نحو الإطاحة بالقذافي، ثم التعهد بمحاكمته هو وحاشيته .

وكان واضحاً أن مطالب المجلس الوطني الانتقالي تمثل السقف الأعلى الذي لا يتوقع من الدول الغربية الوصول إليه، إذ ركزت الدول الغربية على ضرورة إتاحة مزيد من الوقت أمام القذافي لاختيار الخروج سالما بشكل سياسي لا عسكري، مع عدم تقديم التزام صريح من جانبها بمحاكمته . بيد أن المشكلة الرئيسة التي واجهت المؤتمر ولا تزال تواجه الدول المعنية بالأزمة، هي مستقبل النظام السياسي بعد القذافي، بل قد لا يكون من قبيل المبالغة القول إن عدم تبلور موقف سياسي واضح من الأزمة ومصيرها، يعزى بالأساس إلى الخشية من مرحلة ما بعد القذافي . فقد حملت الاتصالات الدائرة بين طرابلس وعواصم عربية وأوروبية إشارات واضحة من جانب دوائر لصيقة بالقذافي إلى رغبة في الخروج الآمن من ليبيا، ما يعني أن تلك الرغبة إن لم تكن صادرة من القذافي شخصياً فهي ستشمله بالضرورة بعد أن ينفض عنه أولئك المحيطون به . إذاً لم تعد المشكلة الحقيقية في رفض القذافي الخروج أو التخلي عن السلطة، سواء كان فوراً أو لاحقاً .

وهنا يتجدد البعد الخاص بعدم الاطمئنان الغربي إلى تركيبة المجلس الانتقالي، وبالتالي إلى الأوضاع السياسية فيما لو رحل القذافي، خصوصاً مع تبين أن المجلس ليس مسيطراً على كافة الجماعات المسلحة الموجودة في ليبيا، فضلاً عن أنه ليس ممثلاً بالفعل لكل شرائح وأطياف الشعب الليبي، خاصة رجال القبائل حيث يحظى بتأييد قبائل الشرق، بينما لا تزال قبائل عدة في غرب ووسط ليبيا موالية للقذافي، ما يعني أنها قد لا تقبل حكم المجلس الانتقالي بعد القذافي .

- [**سامح راشد.*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2177895

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2177895 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40