الجمعة 8 نيسان (أبريل) 2011

تراجع غولدستون لا يلغي تقرير اللجنة

الجمعة 8 نيسان (أبريل) 2011 par د. عصام نعمان

كان تقرير لجنة التحقيق الدولية في عدوان «إسرائيل» على قطاع غزة، المعروف باسم تقرير لجنة غولدستون، قد هتك صورتها في عيون العالم. حكومة بنيامين نتنياهو اعتبرته أفتك الأسلحة المعتمدة في حملة «نزع الشرعية» عن «إسرائيل».

قبل أسبوع فاجأ رئيس اللجنة ريتشارد غولدستون العالم بمقالة نشرتها صحيفة «واشنطن بوست» أعرب في سياقها عن ندمه على ما ورد في تقرير اللجنة من استنتاجات. قال «إنه لم يكن لدى بعثة تقصّي الوقائع الأدلة الكافية لشرح الأوضاع التي تمّ فيها استهداف مدنيين في غزة».

قادة الكيان الصهيوني لم يُفاجأوا بمقالة غولدستون لأنهم كانوا نظمّوا حملة عليه فور صدور قرار اللجنة لتطويق آثاره السلبية بحقهم من جهة ولحمله على التراجع عن مضمون التقرير من جهة أخرى.

صحيفة «يديعوت احرونوت» (4/4/2011) كشفت جانباً مما قامت به «إسرائيل» لحمل غولدستون على التراجع. قالت إن القاضي اليهودي وزوجته أصبحا، منذ نشر التقرير، عرضة لحملة مقاطعة اجتماعية شاملة من جانب عناصر يهودية في بلدهما (جنوب إفريقيا) والعالم كافة، الأمر الذي تسبّب لهما بضائقة كبيرة. فقد تعرض غولدستون لملاحقات وتهديدات كثيرة اضطر معها عدة مرات إلى تغيير بريده الإلكتروني وأرقام هواتفه. ولعل لهذه الأسباب رفضت صحيفة «نيويورك تايمز»، بادئ الأمر، نشرها فكان أن نشرها في «واشنطن بوست».

حكومة نتنياهو باشرت لتوها حملة عالمية لتحسين صورة «إسرائيل» في العالم عقب تراجع غولدستون عن استنتاجاته. فقد شكلت طاقماً خاصاً مؤلفاً من مندوبي وزارات الخارجية والعدل والدفاع مهمتها «بلورة اقتراحات وخطوات سياسية وقضائية لتقليل الأضرار التي لحقت بـ «إسرائيل» بسبب تقرير لجنة غولدستون». أبرز الخطوات المراد اتخاذها في هذا السبيل خمس :

- اسقاط شكاوى قانونية ضد ضباط ومسؤولين «إسرائيليين» في الخارج.

- مطالبة الأمم المتحدة بوقف الاجراءات القانونية والدبلوماسية التي جرى اتخاذها لدى تبني تقرير لجنة غولدستون.

- إقناع غولدستون بتوجيه رسالة رسمية إلى الأمم المتحدة يطلب فيها تحويل مقالته إلى وثيقة دولية رسمية.

- ارغام غولدستون على الظهور أمام الهيئات الدولية للادلاء بأقوال شبيهة بما ورد في المقالة.

- العمل من أجل إلغاء تقرير لجنة التحقيق الدولية التي كان غولدستون رئيسها.

لا شك في أن تراجع غولدستون أساء إلى تقرير هذه اللجنة الأمر الذي يساعد في كبح حملة نزع الشرعية عن «إسرائيل». لكن ذلك كله لن يؤدي إلى إلغاء التقرير ولا إلى إنهاء حملة نزع الشرعية عن الكيان الصهيوني. هذه الحملة التي يقول عنها أحد أبرز كتاب صحيفة «يديعوت احرونوت» (3/4/2011) أليكس فيشمان «إنها توشك أن تجعل «إسرائيل» دولة معزولة مثل كوريا الشمالية ..».

إلغاء التقرير صعب، إن لم يكن مستحيلاً. ذلك أنه ليس قيد الإعداد بل صدر بصورة رسمية. ثم انه صدر بموافقة أعضاء لجنة التحقيق وليس بإرادة رئيسها وحده. إلى ذلك، فإن تراجع أحد أعضاء اللجنة عن استنتاجاته لا يلزم سائر أعضائها، فضلاً عن أن ما أورده غولدستون من اسباب لتراجعه ليست بالضرورة صحيحة أو كافية لإعادة النظر بمضمون التقرير. فوق ذلك، فإن الأجهزة المختصة في مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة اتخذت اجراءات عدة لتنفيذ توصيات التقرير ولا سبيل إلى وقفها لمجرد تراجع أحد أعضاء اللجنة عن ارائه.

لعل اسوأ آثار تراجع غولدستون هو توقيته. فقد جاء في وقت تنخرط السلطة الفلسطينية واصدقاؤها في حملة عالمية لتسويق مشروع قرار لطرحه على الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورة سبتمبر/أيلول المقبل، يقضي بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على أساس «حدود» 1967. ومن شأن هذا القرار، في حال إقراره، ان يعطي الدولة السيدة الوليدة الحق والصلاحية لمطالبة «إسرائيل» بإنهاء احتلالها للضفة الغربية وإلى اتخاذ ما تشاء من اجراءات أخرى، سياسية وأمنية، لحملها على تنفيذ القرار الدولي. إلى ذلك، فإن «إسرائيل» التي تمّ انشاؤها بقرار من الأمم المتحدة ستكون محرجة جداً مع أصدقائها التقليديين في أمريكا وأوروبا إن هي رفضت تنفيذ قرار مشابه صادر عن الأمم المتحدة.

إن الرد الفاعل على حملة «إسرائيل» الهادفة إلى تحسين صورتها بعد تراجع غولدستون يتمثّل أفضل ما يكون في تصعيد الحملة الفلسطينية للاستحصال على اعتراف من الأمم المتحدة بدولة فلسطينية مستقلة على «حدود» 1967، ذلك أنه يفضي، أو يؤمل أن يفضي، إلى إزالة الاحتلال الصهيوني عن الضفة من دون أن يكبّل السلطة الفلسطينية أو غيرها، بأية قيود كان يمكن أن تنجم عن مفاوضات ثنائية بينها وبين «إسرائيل». غير أن ضمانة صدور قرار الاعتراف وتنفيذه، تتوقف على إجراء مصالحة بين جميع الفصائل الفلسطينية لترميم الوحدة الوطنية بما هي شرط لتوحيد قدرات الشعب الفلسطيني وتوظيفها في الكفاح المديد من أجل تحرير كامل التراب الفلسطيني، على مراحل، من النهر إلى البحر.

هذا مع العلم أن صدور القرار الدولي المرتجى لا يرتّب على الفصائل الفلسطينية التي التزمت خيار المقاومة قولاً وفعلاً، وفي مقدمها «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، أي التزامات تجاه «إسرائيل» لأنها لن تكون طرفاً فيه. فالقرار الدولي سيصدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو تالياً ليس نتيجة مفاوضة بين أطراف النزاع، وليس تكريساً لإتفاق توصلوا إليه، بل هو قرار مستكمل كل شروطه القانونية وصادر عن أعلى هيئة دولية في العالم.

القرار الدولي المرتجى سيكون أداة إضافية للمقاومة المدنية من دون أن يلغي المقاومة الميدانية.

هل ثمة ما هو أفضل وأفعل منه سياسياً في الظرف الراهن؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2165412

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165412 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010