السبت 9 نيسان (أبريل) 2011

«حماس» والمتغيرات

السبت 9 نيسان (أبريل) 2011

[**بقلم / د. إبراهيم حمّامي*]

قد يظن المتابع للتطورات الجارية في المنطقة العربية أن «حماس» أكثر وأكبر المستفيدين على طول الخط، خاصة بعد سقوط النظام المصري السابق الذي كان عدائياً بدرجة كبيرة، وشارك في حصار قطاع غزة وابتزاز قيادة حركة «حماس» معيشياً عبر اغلاق المعبر واتخاذ مواقف واضحة تصب في صالح الحصار، من أجل انتزاع مواقف سياسية فشل في الحصول عليها.

ورغم النشوة التي قد تعيشها حركة «حماس» وأتباعها وأنصارها في ظل المتغيرات في المنطقة العربية، إلا أن مآزق من نوع آخر تقفز أمامهم، مآزق قد تكون أخطر من الحصار السابق، بل لا نبالغ إن قلنا أنها قد تعيد بعض مكاسب الحركة خطوات كبيرة للوراء، بسبب المتغيرات والثورات العربية نفسها، وأيضاً بسبب ممارسات سياسية وميدانية لحركة «حماس» ذاتها.

[**المصالحة*]

لا شك لدى أي متابع للشأن الفلسطيني أن حركة «حماس» قبل غيرها تدرك تمام الادراك أن ملف المصالحة لا يتحرك سلطوياً إلا عند كل مأزق لهذه السلطة، تماماً كما حدث إبان جريمة تأجيل تقرير غولدستون، ثم الاعتداء على أسطول الحرية واستشهاد الأتراك التسعة، وليس انتهاءً بتعثر وتوقف المفاوضات المباشرة وغير المباشرة الخريف الماضي، ومع ذلك تتعامل حركة «حماس» مع ملف المصالحة دون أي تغيير يواكب الأحداث المتسارعة في المنطقة، بل كانت هناك مواقف تبدو وكأنها استعداد لالقاء طوق النجاة لمحمود عباس وفريقه.

شكلت الدعوة الأخيرة لرئيس الحكومة في غزة - دعوة عباس لزيارة القطاع - موقفاً آخر غير مفهوم في التعامل مع فريق أوسلو، رغم المعرفة المسبقة بأن المتغيرات هي من فرضت تلك المواقف من خلال خطوات ضغط وتصعيد من قبل فريق أوسلو، بدأت بمحاولات فاشلة تماماً يومي 11 و18 فبراير/ شباط الماضي للتحرك الشبابي الجماهيري لاسقاط الانقلاب وانهاء استبداد «حماس» حسب الدعوات التي وزعت في كل مكان، ورُصدت لها ميزانيات بحسب تصريحات مسؤولين في حركة «فتح» نفسها، وبعد مراجعة وتقييم للفشل، غير هؤلاء جلودهم وشعاراتهم وان بقت المواقع والقيادات ذاتها مع تطعيمها بعناصر من اليسار الفلسطيني ليصبح الشعار - الشعب يريد انهاء الانقسام - وليتم التركيز فقط على قطاع غزة في محاولة مكشوفة لزعزعة الوضع فيه وتوريط «حماس» في حملات قمعية، فكان أن ركبت الحكومة في غزة وحركة «حماس» الموجة وشاركت في فعاليات يوم 15 مارس/ آذار الماضي ووجه هنية دعوته لعباس لزيارة غزة وانهاء ملف الانقسام.

بطبيعة الحال وفي سوق المزاودات وجه عباس ما أسماء مبادرة مضادة لزيارة قطاع غزة بشروطه، وهي الزيارة التي لا نتوقع لها أن تتم بأي حال، لأسباب ليست موضوعنا لكن ما يهمنا هو موقف حركة «حماس» من ملف المصالحة ومن عباس وفريقه تحديداً، بعد مواقف معلنة سابقة لـ «حماس» منها :

- أن عباس رئيس منتهي الصلاحية.

- أن عباس ارتكب جريمة تأجيل تقرير غولدستون وقد طالبت «حماس» وعها كل الفصائل في حينها باستقالته.

- الاتهامات العلنية لفريق أوسلو بالاشتراك في حصار غزة والتورط في العدوان عليها أواخر العام 2008.

- البيانات المتتالية التي تتحدث عن مؤامرات حركة «فتح» لزعزعة أمن واستقرار غزة.

- الاتهامات اليومية والتديد بحملات استئصال «حماس» في الضفة الغربية من خلال ما يسمونه ميليشيات «فتح - مولر» (فتح - دايتون سابقاً).

- المواجهة الاعلامية المستمرة ضد ما يسمونه التحريض الاعلامي ومحاولات التشويه للحكومة في غزة.

- ظهور وثائق الجزيرة (كشف المستور) ورفض «حماس» المطلق لنهج التفاوض العبثي التفريطي.

ومع كل هذا يستمر الحديث عن المصالحة مع طرف كيلت له كل الاتهامات السابقة وأكثر، وهنا يحق لنا أن نسأل أي المواقف نصدق؟ وهل المصالحة المنشودة هي فقط تحقيق للمصالح وبغض النظر عن المواقف والنتائج؟، وهنا نعني أن المستفيد الأول من هكذا مصالحة لا تأخذ بعين الاعتبار الضمانات والمحددات لنجاحها، وفي وقت ثبت فيه الفشل التام لنهج أوسلو التفاوضي، هم أصحاب هذا النهج الذي لا يوجد لديهم ما يخسرونه وقد بانت سؤوتهم؟

أسباب قد تساق في تبرير الاصرار على مصالحة لا تحقق إلا المصالح منها أنه لا مفر من مشاركة الوطن مع كافة الأطراف الفلسطينية، تماماً كالأخوة في بيت واحد، أو كالأب الذي يرعى أبناء له وان لم يوافقوه، وهو ما لايمكن أن نقبله في عالم السياسة، والأهم عندما يتعلق الأمر بالمباديء والحقوق والمواقف، حينها لا تهاون أو مهادنة مع أحد حتى وإن كان يتحدث العربية وبلهجة فلسطينية صافية.

[**أداء حركة «حماس»*]

يلاحظ المتابع أيضاً أن أداء حركة «حماس» في الفترة الأخيرة يشوبه بعضاً من عدم الاكتراث أو التخبط، وهذا يشمل الأداء السياسي والاعلامي والميداني أيضاً - أوضح الأمثلة أداء «حماس» بعد اغتيال المبحوح في دبي - ، وكما ذكرنا أنه في ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة العربية فإن الأداء غير المحسوب سيُخسر أي حركة وان كانت ترفع لواء المقاومة من مصداقيتها وجماهيريتها.

ما زالت اللغة ذاتها تحكم مواقف حركة «حماس»، دون مراعاة لمطالب الشعوب وصحوتها، وأيضاً مطالب أبناء حركة «حماس» أنفسهم الذين يرددون هذه الأيام أننا سئمنا الأقوال دون أفعال خاصة ما يتعلق بأداء المقاومة وردها على اعتداءات الاحتلال، ومحاولات فرض التهدئة أو الهدنة غير المعلنة، وهذا لا يعني بالتأكيد التهور والرد الانفعالي ولا يعني اغفال حسابات وتكتيكات المقاومة، لكن لغة البيانات وصياغتها وأسلوب التهديد والوعيد بالرد في الوقت والمكان المناسبين، أصبح دون مبالغة مملاً للعقل والأذن.

ميدانياً كثرت شكاوى المواطنين من ممارسات بعينها، وظواهر غير صحية، وأمور أخرى كثر الحديث عنها من قبل المؤسسات العاملة والعامة على حد سواء، تفاقمت حتى باتت حديث الداخل والخارج، وصارت بحاجة لمراجعة ومحاسبة أيضاً، لأنها بدأت تتحول من أحداث فردية لظواهر لا تخفى عن المسؤولين هناك.

وإذا أُخذت كل تلك العوامل مجتمعة مع حالة التربص التي يقودها الفريق الفلسطيني الآخر فإننا لا نبالغ إن قلنا أنها مسألة وقت قبل أن تتورط حركة «حماس» في مواجهة قمعية مباشرة في قطاع غزة تزيد من تعقيدات الأمور لديها، وتدخلها في مأزق جديد، سيتابعه دون شك الملايين عبر شاشات التلفاز المتفرغة هذه الأيام لنقل تحركات الشعوب وثوراتها.

وبالعودة لملف المصالحة وما سمي بمبادرة محمود عباس لزيارة قطاع غزة، وبالاشارة لحالة التربص المذكورة، وقبول حماس بالفكرة من حيث المبدأ حتى وان لم تتحقق، وحالة الغليان في المنطقة برمتها، ومحاولات التقليد في بعض الأحيان عبر الفيسبوك والشعارات وغيرها، نجد أن هناك وصفة جاهزة ومعدة لاستغلال مثل هذه الزيارة لقلب الأمور في قطاع غزة، أو على أقل تقدير تحريكها لحشر «حماس» في زاوية الطرف القمعي الرافض للمصالحة المفشل لها، والذي يقمع أبناء غزة بالقوة.

إن محاولة التعاطي مع ثورات الشعوب والمتغيرات في المنطقة العربية عن طريق تحقيق مصالحة بأي ثمن، سيدخل الساحة الفلسطينية في مآزق جديدة، حتى وان كانت تحقيق مصالح معينة مؤقتة من قبيل ابقاء الأمن واستتبابه في غزة.

[**القيادة*]

وفي إطار الحديث عن المتغيرات في المنطقة، وبالعودة لاستفادة «حماس» من ثورات الشعوب العربية الداعمة تلقائياً للشعب الفلسطيني وقضيته، إلا أن الأمور في عالم السياسة ليست بهذه الوردية، واسمحوا هنا أن نتصور أسوأ سيناريوهات التغيير بالنسبة لحركة «حماس» وقياداتها في الداخل والخارج :

- الأمر في الضفة الغربية محسوم فلا وجود لقيادات فاعلة على الأرض في ظل حملة الاستئصال التي يقوم بها الاحتلال والسلطة على حد سواء.

- قطاع غزة : تشير كل الدلائل إلى أن عدواناً جديداً بات وشيكاً على قطاع غزة، لن يكون كسابقه، ورغم المؤشرات والدلائل على وصول صواريخ المقاومة إلى مسافات ومواقع لم تصلها من قبل، وبأن الاحتلال سيدفع ثمناً باهظاً في أي مواجهة قادمة، إلا أن الاحتلال لن يوقف هذه المرة عدوانه حتى يعيد احتلال قطاع غزة وان كثرت خسائره، وهو ان فعل لن يقضي على المقاومة التي ستتأجج بالتأكيد لكنه على أقل تقدير سيحجّم قيادات حركة «حماس»، أو من سيتبقى منها.

- أما في الخارج، وبعد أن وصل حراك الشارع إلى سوريا، فإن قيادات حركة «حماس» في دمشق قد تجد نفسها في مأزق من نوع آخر يتمثل في ضرورة مغادرة الأراضي السورية، سواء بطلب سوري رسمي أو تحت ضغوط قد تختلف في شكلها ومضمونها، لكنها تعني البحث عن مكان آخر.

هذا سيناريو قد يراه البعض سوداوياً تشاؤمياً، لكن السؤال يكون : هل هو واقعي قابل للحدوث أم هو مستحيل؟

[**الخلاصة*]

لقد واجهت حركة «حماس» في السابق منعطفات حاسمة تجاوزتها بمشيئة الله سبحانه وتعالى أولاً وأخيراً، لم تنهار الحركة قبل سبع سنوات عندما فقدت الشيخين ياسين والرنتيسي، وواجهت التآمر عليها والحصار عقب فوزها في انتخابات التشريعي، وخرجت ومعها الشعب الفلسطيني منتصرة على الاحتلال بعد العدوان على قطاع غزة، وواجهت الحملات الاعلامية في الخارج، لكنها اليوم في حاجة للمزيد للحفاظ على نفسها.

استطاعت «حماس» أن تقف في وجه من أراد بها سوء، وأن تواجه أحلافاً شيطانية ومؤامرات للنيل منها، لكنها كانت دائماً تأتي من الآخر، لم تواجه «حماس» يوماً نفسها، وهذا هو الاختبار الأصعب.

حركة «حماس» اليوم ومن خلال الخطاب السياسي والاعلامي، والأداء الميداني، والممارسات المرفوضة في قطاع غزة، وحالة الجمود في مواجهة متغيرات المنطقة، تكون كمن يوجه سهامه لنفسه، ومن يعطي الخصم ما يحتاجه من مؤونة وسلاح ليواجهه به.

مخطىء من يظن أن أي بلد أو نظام أو فصيل أو فرد هو في منأى عن حراك الشعوب، أو أنه يمتلك حصانة من نوع ما تجعله يختلف عن غيره، أو أن رفع راية معينة أو تبنيها يمنح صاحبها قدسية خاصة تشفع له عند الشعوب العربية، أو أن رفع شعار محدد أو التمترس خلف تاريخ مضيء سيكون مانعاً ورادعاً لإرادة التغيير.

سألني شاب يوماً ماذا لو انتهت حركة «حماس»، أجبت : وان كان وانتهت ما المشكلة؟ وشرحت له أن الأحزاب والفصائل بل الدول والامبراطوريات مثلها مثل الانسان البشري، تولد وتمر بمراحل الطفولة والصبى والشباب والرجولة، ثم تشيخ وتهرم وتموت، البقاء لله وحده، لكن في هذه الدنيا الفانية لا يموت الفكر ولا يموت الحق، وبغض النظر عن اسم التنظيم أو شكله أو قياداته، المهم أن تبقى راية الفكر والحق خفاقة لا تسقط، وتحت أي مسمى، لا قدسية لأحد ولا خلود لأحد.

مراجعة شاملة وكاملة ودقيقة، تأخذ بالأسباب، وتقيّم المراحل السابقة، وتستعد للمستقبل بمتغيراته، تراعي نبض الشارع، تتعامل مع الحدث وتصنعه أيضاً، تتطور وتتماشى مع المتغيرات، دون انحراف عن المباديء والقيم، هو المطلوب اليوم من الجميع دون استثناء، فصيل فصيل، وحزب حزب، وحركة حركة، وفرد فرد!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165930

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165930 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010