الاثنين 17 أيار (مايو) 2010

كم ستدفع اميركا والعرب ثمناً للمفاوضات ؟

الاثنين 17 أيار (مايو) 2010 par د. عصام نعمان

تكلفة ادامة اسرائيل للولايات المتحدة الاميركية باهظة جداً . الباحث الاقتصادي واستاذ الجامعة الاميركي توماس ستوفر كان كشف ان بلاده تكلفت على اسرائيل من العام 1973 ولغاية آخر العام 2002 ما يربو على /1,6/ تريليون دولار ، اي الف وستماية بليون / مليار. كما اكد ستوفر ان ما تكبدته بلاده على اسرائيل في صراع هذه الاخيرة مع الفلسطينيين لغاية آخر العام 2002 يزيد عن ضعف تكلفة اميركا في حرب فيتنام (راجع مقالتنا في “الوطن” تاريخ 26/4/2010) . ترى ، كم ستدفع الولايات المتحدة والعرب ، لاسيما “المعتدلين” منهم ، ثمناً للمفاوضات غير المباشرة بين السلطة الفلسطينية وحكومة بنيامين نتنياهو التي يرعاها الرئيس باراك اوباما ؟

يصعب ، في الوقت الحاضر ، إحتساب الثمن مالياً ، لكن من الممكن تقديره نظرياً لغاية آخر الشهر الجاري ، على الاقل . في هذا المجال ، يمكن تقسيم الثمن المدفوع والقابل للزيادة الى قسمين : الاول سياسي ، والثاني عسكري.

على الصعيد السياسي ، جرى تدفيع الولايات المتحدة ، من كيس الفلسطينيين والعرب ، ثمن مواقف وسياسات اعتمدتها حكومة نتنياهو واجازتها واشنطن او سكتت عنها حيال قضايا القدس ، والإستيطان ، والمقاومة وحصار غزة ، والسلاح النووي ، والاعتراف الدولي بـِ “شرعية” احتلالها للضفـة الغربية .

حيال القدس ، لم يكتفِ نتنياهو بتأكيد اعتبارها “عاصمة اسرائيل الابدية” غير القابلة للقسمة ، بل اكد ايضا ان البناء فيها ، بمعنى الاستيطان ، لن يتوقف ابداً ، “كما كان الامر دائما خلال عهود الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة” ، وان ذلك يشمل شطري المدينة الشرقي والغربي . اعلن هذا الموقف قبل “التفاهم” مع واشنطن على اعتماد صيغة محادثات التقريب مع السلطة الفلسطينية ، وأكّده بعد انطلاقها تحت رعاية مبعوث اوباما السناتور جورج ميتشل . ثم ما لبث وزير داخليته ايلي يشاي ان صرح في مقابلة صحافية ان “ليس هناك تجميد للبناء في القدس . لم يكن هناك تجميد ولن يكون. سنبني في كل مكان في القدس ، عاصمة وطن الشعب اليهودي الى ابد الآبدين ، وقد اوضحتُ ذلك لنظرائنا واصدقائنا الاميركيين” . وليقطع الشك باليقين ، قال يشاي إنه سيصدر تعليمات يدعو بموجبها لجنة التخطيط والبناء في القدس الى الاجتماع ، “لكن ليس في اثناء زيارات المسؤولين الاميركيين تجنباً لإرباكهم” !

ثمن هذا الموقف مُكلف للعرب سياسياً . ذلك ان مسؤولي اسرائيل سيكون في وسعهم القول في المفاوضات ، اي مفاوضات مباشرة او غير مباشرة مع الفلسطينيين ، إنهم ما كانوا ليوافقوا على المشاركة فيها لو لم تسلّم الولايات المتحدة ، علناً او ضمناً ، بواقع ان القدس هي عاصمة اسرائيل وانها غير قابلة للقسمة ، وان الفلسطينيين سلّموا ايضا ، ضمناً او علناً ، بهذا الواقع بدليل انهم استمروا في المفاوضات غير المباشرة عبر ميتشل بعد اطلاق نتنياهو ويشاي وغيرهما من المسؤولين الاسرائيليين ذلك الموقف الحاسم في شأن القدس .

حيال الإستيطان ، اكد نتنياهو ووزير خارجيته افيغدور ليبرمان ، قبل بدء محادثات التقريب مع الفلسطينيين وبعدها ، ان لإسرائيل حقاً مطلقاً في البناء في “ارتز اسرائيل” كلها بما فيها يهودا والسامرة ، اي الضفة الغربية، وان تجميد الاستيطان هو لمدة محدودة ، عشرة اشهر ، ولا يشمل البناء في المستوطنات نفسها او في المشاريع التي بوشر في تنفيذها . فوق ذلك ، كشفت جريدة “يديعوت احرنوت” (10/5/2010) ان هناك تقاسماً للادوار بين نتنياهو ووزير دفاعه في ما يتعلق بموضوع البؤر الاستيطانية “غير القانونية” في الضفة . فالثاني تعهد لادارة اوباما بتفكيك هذه البؤر فيما تعهد الاول لحزبه (ليكود) بأن تبقى البؤر على حالها ، خصوصا على طول المنطقة الملاصقة لضفة نهر الاردن الغربية بذرائع أمنية.

مسؤولو السلطة الفلسطينية لم يحركوا ساكناً إزاء هذا الموقف الصهيوني المعلن ، وادارة اوباما إلتزمت الصمت لأنها لا تريد ان تبدو مَلَكية اكثر من الملك!

حيال المقاومة وحصار غزة ، عارضت اسرائيل دائما مبدأ الإعتراف بحركتي “حماس” و“الجهاد الإسلامي” او التعامل معهما لأنهما يجسدان في كفاحهما خيار المقاومة ، كما عارضت تالياً طلب مصر الى “حماس” توقيع مشروع المصالحة الذي وضعته ووقعته حركة “فتح” . كل ذلك لأن اسرائيل ترفض مبدأ المصالحة بين الفصائل الفلسطينية لكونه يدعم خيار المقاومة من جهة كما يؤدي الى تعظيم الضغوط عليها لفك الحصار عن قطاع غزة من جهة اخرى . واللافت والمحزن في آن ان السلطة الفلسطينية ، ومن ورائها ادارة اوباما ، تجاهلت مسألة المصالحة الوطنية الفلسطينية كخطوة لا بد منها قبل المفاوضات ، ووافقت على مباشرتها دونما اعتبار لرأي شريحة كبرى من الشعب الفلسطيني تشكّل ، ربما ، غالبيته الساحقة في هذه الآونة .

حيال السلاح النووي ، غطّت الولايات المتحدة اسرائيل ، سياسياً وامنياً ، مذ اقامت مفاعل ديمونا وصنعت قنبلتها الذرية ورؤوسها النووية التي يزيد عددها عن 200 ، وإلتزمت الموقف نفسه في الدورة الثامنة لمؤتمر مراجعة معاهدة حظر السلاح النووي المنعقد حالياً في مقر الامم المتحدة في نيويورك . فقد اشترطت ، لتأييد مطلب الدول العربية الرامي الى إنشاء منطقة خالية من الاسلحة النووية في الشرق الاوسط ، تحقيق سلام شامل في المنطقة . بعبارة اخرى ، لا إخلاء للمنطقة من اسلحة اسرائيل النووية قبل توصل العرب الى سلام معها على شروطها هي تحديداً ، اي لقاء إخلائها من اعداء اسرائيل ! وبدلاً من ان تنتهز الولايات المتحدة وحلفاؤها العرب مناسبة الإعداد للمفاوضات بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني والضيق الدولي من عدم خضوع اسرائيل لاحكام معاهدة حظر الانتشار النووي من اجل الضغط على حكومة نتنياهو لتوقيع المعاهدة المذكورة ، نجدهم قد تجاهلوا ، ربما عمداً ، هذه الفرصة التاريخية ، فكان ان ظلّت اسرائيل دولةً ناشزة ومستثناة من توقيع معاهدة حظر الانتشار النووي بتغطية مكشوفة من الولايات المتحدة وبتواطؤ ضمني من بعض العرب.

لا تقف الرعاية الاميركية السياسية لاسرائيل عند هذا الحد بل تتجاوزه الى تكريس إعتراف “المجتمع الدولي” بها كدولة محتلة رغم مروقها ونشوزها ورفضها قرارات الامم المتحدة ومحكمة العدل الدولية . فقد جرى اخيراً ، بدعم من اميركا واوروبا ، ضم اسرائيل الى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD رغم ان أنظمتها وتقاليدها تحظّر ضم دول تحتل اراضي الغير. وقد جاء في جريدة “هآرتس”(11/5/2010) تعليقاً على هذا “الإنجاز” أنه “مكافأة لاسرائيل على انطلاق مفاوضاتها غير المباشرة مع الفلسطينيين (...) وان العالم رفض استعمال موضوع القبول ورقة مساومة من اجل إنهاء الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية”. ولو كانت “هآرتس” اكثر صراحة لقالت إن قبول اسرائيل في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ما كان ليتم لولا ان حكومة نتنياهو اشترطت على ادارة اوباما ان تتدبر امر ضمها الى المنظمة أولاً ليصبح في إمكانها قبول المشاركة في المفاوضات غير المباشرة ...

غير ان الامر اللافت والطريف في آن أن ليبرمان لا يقدّر للعرب “المعتدلين” عدم إعتراضهم على ضم اسرائيل الى منظمة OECD (ربما لأن لا دول عربية اعضاء فيها ) فتراه يحمل في قناة التلفزة الاسرائيلية الثانية على الرئيس المصري الذي كان هدد بمقاطعة مؤتمر دول البحر المتوسط المزمع عقده في برشلونه خلال الشهر المقبل ، مؤكداً انه سيحضره شخصياً ايا كان موقف القادة العرب . الى ذلك ، كشفت صحيفة “معاريف” (13/5/2010) ان ليبرمان قرر شن حملة دولية ضد المملكة العربية السعودية تشمل تفعيل آليات ضغط في اميركا واوربا وغيرهما ، وإثارة موضوعات حقوق الانسان ومكانة المرأة وتمويل الارهاب ، وحتى تقديم شكاوى الى محكمة العدل الدولية . كل ذلك لأن السعودية، في رأي ليبرمان ، تموّل حملة منسقة ضد شرعية اسرائيل وضد الاقتصاد الاسرائيلي !

ولا يقتصر تدفيع اميركا وحلفائها العرب ثمناً سياسياً لقاء موافقة اسرائيل على المشاركة في المفاوضات غير المباشرة بل يمتد الإبتزاز ليشمل المجال العسكري ايضا . فها هي وزارة الحرب الاسرائيلية تعلن أنها تلقت بلاغاً من وزارة الدفاع الاميركية بأن اوباما صادق على تقديم مساعدة خاصة بقيمة 205 ملايين دولار للدولة العبرية لتمكينها من شراء اكثر من 10 بطاريات من منظومة “القبة الحديدية” التي كانت اسرائيل طورتها ، وما زالت ، بتمويل اميركي .

يحار المرء في تفسير سلوكية اوباما حيال كل المسائل التي تقدّم بيانها : هل هو ناجم عن تواطؤ بين اميركا واسرائيل بسبب تكامل نظرتهما السياسية والأمنية ضد ما يسمونه “محور الشر” ، اي ايران وسوريا وفصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية ، ام انه ناجم عن ضيق هامش المناورة امامه بسبب تعثر سياسته في العراق وافغانستان وباكستان من جهة ومفاعيل الأزمة المالية والاقتصادية التي ما زالت تعصف ببلاده من جهة اخرى ؟ ام انه حصيلة الأمرين معا ولو بدرجات متفاوتة ؟

اياً ما كان التفسير الصحيح والدقيق لهذا الواقع السيّء والمحيّر الذي يواجه الفلسطينيين والعرب في هذه الآونة ، فإن ثمة حقيقة نافرة لا سبيل الى نكرانها هي ان اسرائيل تحرص دائما على ان تستحصل مسبقاً على أثمان سياسية واقتصادية وامنية وازنة لقاء أي “تسهيلات” ، غالباً ما تكون لفظية او سطحية ، لإجراء مفاوضات ، ولو شكلية ، بينها وبين العرب . كما يُلاحَظ ان حصول اسرائيل على الاثمان المسبقة لا يعني بالضرورة وفاءها بمقابل سياسي او امني حيالها ، بل يعني افساح المجال امام الخصوم والاعداء لمفاوضتها وفق شروطها ، حتى اذا قاموا لاحقاً برفض هذه الشروط بادرت اسرائيل فوراً الى وقف “التسهيلات” التي كانت قد وفّرتها.

هذا مع العلم ان سلوكية اسرائيل في توفير “التسهيلات” او سحبها كثيراً ما تكون مرتبطة بقضايا وتحديات متعددة بحيث يتأثر قرارها النهائي في صدد الاستمرار في المفاوضات او قطعها بتطورات مرتقبة لتلك القضايا والتحديات . ولا شك في ان اسرائيل ، حيال الصراعات الراهنة في المنطقة ، تنتظر ما ستنتهي اليه الإنتخابات النصفية القادمة في الولايات المتحدة مطلعَ شهر تشرين الثاني /نوفمبر المقبل ، ومن سيكون المنتصر فيها ، والموقف الذي سيتخذه اوباما من التحديات المتعددة ، وابرزها البرنامج النووي الإيرانـي ، وتطوراتها المستجدة ، لتقرر في ضوء ذلك كله وجهةَ سيرها في سياق صراع العرب التاريخي مع وجودها الإستعماري البغيض في قلب الوطن الكبير.

ماذا عن العرب المقاومين ؟

لعلهم ما زالوا بالمرصاد ، واصابعهم دائما على الزناد .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 30 / 2178757

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع منوعات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2178757 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40