الثلاثاء 12 نيسان (أبريل) 2011

«الهجوم المضاد» يستخدم «كل الأسلحة» في مواجهة الثورة العربية... بعنوان مصر

الثلاثاء 12 نيسان (أبريل) 2011 par طلال سلمان

لم يتأخر الهجوم المضاد على الانتفاضات الثورية التي عصفت بأهل النظام العربي فأسقطت بعض «عمدائه التاريخيين» وهددت بالسقوط بعضهم الآخر، في فترة لا تزيد على مئة يوم وبعد ركود استطال لأكثر من ثلاثين سنة، حتى كاد المواطن العربي ييأس من نفسه ويدفن أحلامه في مقبرة العجز عن الفعل.

ها هي قوى الهيمنة الغربية بالقيادة الاميركية تتولى قيادة هذا الهجوم المضاد في محاولة مكشوفة لاستعادة زمام المبادرة وحماية قواعد نفوذها إما عن طريق استيعاب النتائج وبأمل ترويض «قادة الغد» من الشبان غير المجربين، وإما عن طريق اللجوء الى «الأسلحة المحرمة»، وهي في ما يعني العرب في هذه اللحظة، النفخ في الطائفية والمذهبية وإعادة إحياء العشائرية والقبلية، بحيث يصبح الخيار محدداً: التغيير فتنة دموية لا تنتهي، والإصلاح هو «صلح عشائري» بين المستبد ورعيته، برعاية اميركية تكفل إضفاء شيء من العصرية على النظام العتيق!

لقد أفلتت الانتفاضة الشعبية في تونس من المراقبة، ربما لأنها لم تكن متوقعة هناك، وحتى من توقعها لم يقدر أنها ستستطيع كسر جدران سجن بن علي، وبتلك السرعة اللافته التي امن وقودها الإجماع الشعبي على إسقاط الطغيان..

كان المستعمر القديم، الفرنسي، مطمئناً بأكثر مما يجوز، وأما المستعمر الجديد، الاميركي، فكان واثقاً من قدرته على احتواء التغيير بسبب فائض الغرور الذي جعله يلغي من حسابه الشعوب وإبداعاتها وقدراتها الهائلة على تحقيق إرادتها، لا سيما في مواجهة التحدي...

كما ان المستعمريْن قد أساءا تقدير خطر انتشار عدوى الثورة في هشيم أهل النظام العربي الذي كان قد فقد القدرة على استيعاب ما يجري حوله، مطمئنا الى مظلة الأمان الاميركية - «الإسرائيلية» المنشورة فوق هذه الأرض العربية، أقله منذ اتفاقات الصلح المنفرد مع العدو «الإسرائيلي».

فلما تفجرت ارض مصر بانتفاضتها الشعبية، ذات الارتدادات العربية غير المحدودة، لجأت الإدارة الاميركية الى محاولة ترويضها عبر خدعة مكشوفة بدأت بمحاولة الترويج لمنع رأس النظام من توريث ابنه، ثم من محاولة تسويق منع رأس النظام من التجديد لنفسه، ثم انتهت الى عملية غش مباشرة: نقطع الرأس مقابل استمرار النظام عبر آخرين.

لكن الثورة التي استولدها القهر المزمن كان لها رأي، بل قرار آخر، لعل تجربة «الميدان» هي التي بلورته وجعلت جماهيرها تتمسك به حتى تنفيذه.

ذلك انه لم يحدث مرة ان انتبه المواطن العربي الى انه يشارك في صنع التاريخ كما هي حاله اليوم، وبغض النظر عن موقعه الجغرافي او موقفه السياسي.

انه طرف مباشر في إعادة صياغة حياته ومستقبل أجياله الآتية.

لم يعد مهملاً، ولم يعد مجرد متلق ٍ، تفاجئه البلاغات العسكرية او الحوادث الطارئة، كالاغتيال او الخلع السلمي لحاكمه الخرف، بتبدل في قمة السلطة، مع استمرار النظام القمعي ذاته وإن بشعارات براقة تدغدغ أحلامه، في حين أنها لا تبدل واقعه.

في لحظة قدرية قرّر هذا المواطن المستضعف عبور «الشارع» الى «الميدان»... ولكي يقتل خوفه فقد صرخ بأعلى صوته بما كان يتمناه ولا يجرؤ على إعلانه طالما استمر وحيدا فإذا بالصدى يترجع هديراً: الشعب يريد إسقاط النظام.

وفي الميدان اكتشف الناس أنهم أهل البلاد. كانوا كأنهم عائدون من غربة طويلة عن الذات. واستعادوا، فجأة، لغتهم، وانتبهوا الى أنهم يجهرون أخيرا بما كانوا يخافون من تمثله في أحلامهم. انطلقوا يتعارفون، يتناقشون وقد يتجادلون، ثم يهدأون ويمشون معاً وان تباينت هتافاتهم. لكن وحدة الهدف سرعان ما وحدت الكتلة ووحدت الهتاف. عاد الجميع شعباً واحداً له مطالبه، واختفت الفروقات والتباينات بقدر ما تأكدت وحدة الوطن.

القمع يوحد المختلفين. يجب ان يشهد الثوار لأهل النظام انه قد سهل وسرع وحدتهم. تعامل معهم بوصفهم جميعاً وبغض النظر عن خلافاتهم الفكرية والسياسية، الطبقية والاجتماعية، وتعدد انتماءاتهم الطائفية التي صهرها الميدان، وكأنهم وحدة.. وقدم النظام نفسه باعتباره خصم الجميع.

وهكذا، عندما اكتشف هذا المخلوق انه «مواطن» وان له حقوقاً في وطنه افتضح أمر «النظام»، واضطر الى إسقاط قناعه والظهور بصورته الأصلية: من خرج على النظام فقد الحق في الوطن.

.. وكان لا بد من استعادة الوطن بإسقاط النظام.

لكن المفاجأة في أقطار أخرى، بينها ليبيا واليمن والبحرين، تمثلت في أن النظام الذي ألغى الوطن له من يحميه في المحيط من حوله، بداية، وأساساً في «الخارج» الذي يعترف بالأنظمة وليس بالأوطان وشعوبها وحقها في التغيير.

ها هي تجربة ليبيا تكشف، بالمفضوح، ان «الخارج» قد اهتم بالنفط لا بثورة الشعب على النظام الفريد في بابه.. وأن لا مانع عنده من مساومة نظام استهلك جيلين اوثلاثة أجيال من الليبيين، طالما انه - لا الثوار - هو من يكفل استمرار تدفق النفط اليه. ولقد ساومه النظام فعلاً من موقع القوة: اذ رجع الى قبيلته وأحلافها مع القبائل المشتتة فوق مساحة تزيد على مليون كلم مربع. وفي القبائل من زال ملكي الولاء، وفيها من لم يتعرف الى «الدولة» ولا هي تعرفه. ثم ان الحكم الأبدي قد أعاد فرز الشعب الى أصوله وعناصره الأولى وأوكل الى كل من أبنائه جهة فصارت ليبيا لا تجتمع الا في العائلة الحاكمة.

كذلك فإن الخارج الاميركي تحديداً، أراد امتصاص الارتدادات الطبيعية لثورتي مصر وتونس على الجزائر والمغرب، عبر الموقع النموذجي بقيادته وجغرافيته وثروته النفطية: ليبيا... وهكذا هب الحلف الأطلسي جميعاً، ومن خلفه أوروبا، وفي ركابه أهل النظام الملكي العربي، الى محاولة حصر الثورة ودفنها في الصحراء الذهبية للجماهيرية الفريدة في بابها بين دول العالم.

ولقد أفاد أهل النظام الملكي العربي من هذه التجربة في «غزوتهم» البحرين التي كانت انتفاضتها الشعبية اضعف من أن تسقط النظام، ولكنها قوية بما يكفي لتجبره على شيء من الإصلاح والاعتراف بشعبه كوحدة بشرية لكل مواطنيها الحقوق ذاتها وعليهم الواجبات ذاتها.

هنا كان من السهل «استدعاء» العدو الخارجي، القريب جداً حتى ليكاد يكون في مدى الرؤية: إيران... وهو عدو نموذجي، يمكن توصيفه بأنه «قومي» لاستنفار الحمية العربية، ويمكن تصنيفه «شيعياً» لاستنهاض الحمية المذهبية، ويمكن ان يشكل رفع رايات الحرب عليه تلبية لمتطلبات المواجهة المفتوحة بينه وبين مشروع الهيمنة الاميركية منذ الثورة الإسلامية في إيران، قبل ثلاثين سنة او يزيد.

.. وأما في اليمن فيمكن استنفار العديد من العصبيات لحماية النظام: بينها الطائفية والجهوية والقبلية، فضلاً عن الاحتياطي الاستراتيجي ممثلاً بتنظيم «القاعدة».

وإذا كان نظام البحرين، المعزز بكل الأنظمة المذهبة للنفط العربي، قد عمد الى إلغاء ميدان اللؤلؤة، وإسقاط رمزه البسيط الذي كان من معالم عاصمته، المنامة، فإن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح قد ابتدع في مواجهة ميدان المطالبة برحيله ميداناً آخر يطالبه بالصمود والبقاء، مما حور طبيعة الصراع فأدخل فيه الزيدية والشوافع وحاشد وبكيل والاشتراكيين وشيوخ القبائل.

وهنا، في البحرين كما في اليمن، يمكن لمجلس التعاون الخليجي ان يتحول الى «مجلس قيادة الثورة المضادة» التي بوسعها الآن أن تحصد خيبات الثوار الذين استعجلوا التغيير، مرة، او استأخروه، مرة، فصاروا اسرى عند حرس النظام القديم وقد تقدم الآن الى الهجوم.

تبقى سوريا التي يواجه نظامها أزمة جدية بسبب من مقاومته مطالب الإصلاح، وهو الذي حاول تمييز نفسه ببعض المواقف المختلفة عن التوجهات العامة التي اعتمدها أهل النظام العربي عموماً، فلم تغادر فلسطين خطابه تماماً، ثم انه أفاد من دور اشتدت الحاجة إليه ذات يوم في لبنان، قبل أن يجيء الاحتلال الاميركي للعراق عام 2005 ليعزز الاحتياج إليه كعامل استقرار في منطقة يسودها الاضطراب.

*****

المهم، والذي سيشكل بداية جديدة للتاريخ العربي أن ثورة مصر قد نجحت، حتى اللحظة، في تخطي العديد من المآزق التي كان يمكن أن تتسبب في ضياعها او تشرذم قواها.

ونجاح ثورة مصر ضمانة للمستقبل العربي في مختلف أقطار هذا الوطن الكبير الذي ينداح بامتداد قارتين والذي يشكل عقدة استراتيجية خطيرة، فضلاً عن كونه يختزن قدرات شعبية هائلة تبقى لها أهمية اخطر ألف مرة من النفط.

إن الطغاة يدفعون رعاياهم الى اليأس من الذات.

أما الثورة فهي التي تعيد الى الناس كرامتهم وإحساسهم بقدراتهم القادرة على صنع المستقبل.

والثورة أعادت صياغة التاريخ بكل التحديات التي ترافق هذه العملية الخلاقة. فلتعْطَ ثورة مصر المزيد من الوقت من اجل ان تنجز الغد بالأفق الذي نتطلع اليه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2166009

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2166009 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010