الأربعاء 13 نيسان (أبريل) 2011

«ثورة مصر» تتجه إلى استعادة إفريقيا

بقلم / محيي الدين سعيد
الأربعاء 13 نيسان (أبريل) 2011

لم يكن أمراً مثيراً للدهشة أن تكون وجهة أول زيارة خارج البلاد لرئيس حكومة الثورة المصرية الدكتور عصام شرف نحو عاصمتي السودان بشطريه الشمالي والجنوبي، كما كان مفيداً للغاية أن يتجه أول وفد شعبي مصري بعد ثورة يناير صوب العاصمة الأوغندية كمبالا. الزيارات حملت دلالات واضحة للغاية وجاءت تحت عنوان واحد هو أن مصر الرسمية والشعبية بدأت تولي وجهها شطر قارتها السمراء.

هي خطوات تأخرت كثيراً لكنها جاءت في لحظات حرجة للغاية، فالسودان مقبل على الإعلان النهائي لانفصال جنوبه عن شماله في يوليو/ تموز المقبل تنفيذاً لنتائج استفتاء يناير/ كانون الثاني الماضي الذي انحاز فيه الجنوبيون إلى خيار الانفصال، والاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل توشك أن تدخل حيز النفاذ بعد أن اكتمل النصاب القانوني للتوقيع عليها وبات الأمر متوقفاً على تصديق برلمانات الدول الست الموقعة على اتفاق عنتيبي لبدء تنفيذه على أرض الواقع، بما يضر مصالح مصر وحصتها من مياه النيل، لكن ثورة مصر وما تلاها من إعلان على لسان أكثر من مسؤول مصري أو ناشط شعبي عن ضرورة العودة إلى احتضان القارة الإفريقية بعد سنوات من الغياب أو التغييب دفعت فيها مصر ثمناً غالياً وكادت تدفع الثمن الأغلى من شريان الحياة فيها بتنفيذ اتفاق عنتيبي، وبدء إثيوبيا بناء سدودها على النيل، إضافة إلى التغلغل الصهيوني في مختلف المناطق الإفريقية.

أدركت مصر الرسمية والشعبية أنها لابد أن تعود بسيرتها في القارة الإفريقية إلى الخمسينات والستينات من القرن الماضي، حين أدرك ثائر يوليو الأول جمال عبدالناصر أن أمن مصر القومي وبالتبعية أمتها العربية يبدأ من عمقها الجنوبي، فكان أن وصلت علاقات القاهرة بقارتها إلى ذروتها، وتعامل الأفارقة مع عبدالناصر كرمز لقارتهم، حتى إن بسطاء الأفارقة ما زالوا وبحسب شهود عيان يحتفظون بصور الرجل في مساكنهم البسيطة ويصفونه بـ «أبو إفريقيا»، ولا يكون مدهشاً أن تجد اسم جمال عبدالناصر على شوارع رئيسية في عدد من العواصم الإفريقية، فهم يحفظون له دوره الكبير في المساهمة في تحرير بلادهم من نير الاستعمار والمساهمة قدر الإمكان في إقامة المشروعات التنموية في كثير من البلدان الإفريقية بخبرات مصرية وعبر شركات كبرى كالنصر للسيارات والمقاولون العرب، وبنفس الزهو الذي يتحدث به الأفارقة عن مصر عبدالناصر، فإن هناك مرارة في أحاديثهم عن تعامل مصر مبارك مع قارتها، حيث التجاهل والاستعلاء بل والتدخل بحسب رواية للرئيس الأوغندي يوري موسيفيني لتعطيل إقامة مشروعات تنموية في بعض البلدان الإفريقية، حتى إن موسيفيني شبه ما فعله مسؤولون بحكومة مبارك من تعطيل لقرض طلبته بلاده من البنك الدولي لإقامة سدود لتوليد الكهرباء بما فعلته القوى الكبرى مع مصر عبدالناصر حين طلبت القاهرة تمويل بناء السد العالي.

زيارة رئيس الحكومة المصرية الدكتور عصام شرف إلى السودان أثمرت عن العديد من الاتفاقيات بين البلدين، تم الإعلان عن الكثير منها بشأن منح مصر مساحات من الأراضي لزراعتها، بل إن مصادر تتحدث عما تم الاتفاق عليه بين البلدين بالقول : «ما خفي كان أعظم»، مشيرة إلى مخاوف لدى البلدين من تدخلات خارجية لإجهاض ما يتم الاتفاق عليه بين البلدين، مثلما كان يحدث في السابق، وملمحة إلى أن إنجاز ما تم التوصل إليه من شأنه أن يمنح البلدين اكتفاء ذاتياً من الكثير من المحاصيل الاستراتيجية وأن يفيض بخيره على بقية بلدان المنطقة العربية، وقد كان لافتاً أن تعمل مصر الشعبية بالتوازي مع الجهود الرسمية بعد سنوات جرى فيها إجهاض الفعل الشعبي حيث استقبلت الخرطوم هذا الأسبوع وفداً من ائتلاف ثورة شباب الثورة، بدعوة من الاتحاد الوطني للشباب السوداني في زيارة وصفها مدير مكتب المؤتمر الوطني السوداني بالقاهرة الدكتور وليد سيد بأنها تكمل البعد الشعبي في العلاقات بين البلدين، مشيراً إلى الزيارة الناجحة للرئيس البشير لمصر كأول رئيس عربي يزور القاهرة بعد الثورة، وكذلك زيارة الدكتور «عصام شرف» رئيس الوزراء المصري إلى الخرطوم وجوبا في أول زيارة له خارج البلاد بعد تشكيل حكومته.

[**تعهدات أوغندية*]

أما زيارة الوفد الشعبي المصري، الذي ضم 35 من القيادات الحزبية ونشطاء وشخصيات عامة وممثلين لشباب الثورة، إلى أوغندا فيكفي الإشارة بشأنها إلى تعهد الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني ببذل أقصى جهود في محاولة تأجيل التصديق على الاتفاقية الإطارية التي تثير مخاوف مصر بشأن مياه النيل، كما وعد الرئيس الأوغندي بالسعي إلى استصدار قرار جماعي من قادة دول حوض النيل لوقف التصديق على الاتفاقية الإطارية في الوقت الحالي، وتعهد أيضاً بترتيب زيارة مماثلة للوفد إلى إثيوبيا للتباحث حول الاتفاقية، إضافة إلى تأكيد موسيفيني أن ثورة يناير ستعيد مصر إلى مكانتها قائدة في إفريقيا.

وبحسب رواية مشاركين في الوفد المصري فإن الرئيس الأوغندي أكد أن «ثورة 25 يناير أظهرت المعدن الذي غاب عن إفريقيا سنوات طويلة فاشتاقت إليه إفريقيا ولذلك كانت فرحة الأفارقة ليس للثورة فقط بل بعودة الأمل بأن تعود مصر إلى مكانتها القائدة في إفريقيا»، كما أكد موسيفيني أن أوغندا لا يمكن أن تكون شريكة في أي عمل يضر بمصر، وقال إن الاتفاقية الإطارية لم يتم التصديق عليها في البرلمان الأوغندي حتى تصبح سارية المفعول وإن ذلك قد يستغرق شهوراً عدة، مشدداً على أنه لن يكون هناك أي اتفاق ينفذ إلا ومصر شريكة فيه.

ونقل موسيفينى إلى مشاركين بالوفد أنه سوف يحضر لزيارة مصر قريباً وتأكيده أنه من المشرف لأي زعيم إفريقي أو عالمي، أن يلقي كلمة في ميدان التحرير أشهر ميادين الحرية في العالم، لكن موسيفيني تحدث أيضاً عن مرارة بلاده الشديدة تجاه سلوك وممارسات النظام المصري السابق، معتبراً أن النظام السابق كان السبب الوحيد في حدوث الخلاف مع كل من مصر والسودان حول ملف المياه، مشيراً إلى أن نظام مبارك حرّض البنك الدولي ضد تمويل أوغندا، لكي لا تتمكن من بناء سد للطاقة على أراضيها، وذلك على الرغم من أنه لن يؤثر في حصة مصر. الوفد المصري لم يخرج فقط بهذه النتائج والتعهدات من الرئيس الأوغندي لكنه طرح أيضاً أفكاراً للتعاون بين مصر ودول حوض النيل من قبيل إنشاء سوق اقتصادية لدول حوض النيل وأن يكون هناك تكامل حقيقي بين هذه الدول.

[**تغلغل صهيوني*]

ولأنه عرف تاريخياً أنه كلما أخلت مصر منطقة نفوذ لها «طوعاً أو كرهاً» سعت قوى أخرى، تكون في الغالب معادية لها، إلى ملء الفراغ في تلك المنطقة، فقد كان الغياب المصري الطويل عن القارة الإفريقية وإهدار ما خلقته وخلفته حقبة الخمسينات والستينات من تراث كبير في علاقات مصر بقارتها فرصة لأن تسعى قوى كبرى كالولايات المتحدة والصين إلى الوجود في القارة أو أن تسعى قوى أخرى كفرنسا وبريطانيا إلى استعادة نفوذها في القارة السمراء، والذي كانت ثورة يوليو واحدة من أهم أسباب إضعافه فيها، بل إن الكيان الصهيوني وهو العدو الاستراتيجي لمصر، سعى إلى نقل ساحة النزال مع القاهرة إلى عمقها الإفريقي، فاستغل فترة الغياب والتغييب وأطلق شبكة من العلاقات المخابراتية والمالية للتغلغل في القارة والسيطرة على كل ما من شأنه أن يشكل تهديداً للأمن المصري خاصة والأمن القومي العربي عامة، ولم يكن غريباً أن تخرج تقارير إعلامية قبل أيام ووسط زخم الحديث عن عودة مصر إلى إفريقيا لتعلن أن رئيس الكيان شيمون بيريز يخطط للقيام بزيارة لكل من إثيوبيا وغانا خلال الشهر المقبل، وهي زيارة ستكون الأولى لرئيس «إسرائيلي» لتلك الدول وتكتسب أهمية بالغة في ظل الخلافات بين مصر وإثيوبيا بسبب الاتفاقية الإطارية لدول حول النيل.

وقالت صحيفة (معاريف) «الإسرائيلية» إن هدف الزيارة هو تعميق العلاقات بين «إسرائيل» ودول إفريقيا وخاصة دول حوض النيل، وفي محاولة لصرف النظر عن هدف الزيارة الواضح أكدت الصحيفة أن هناك قلقاً «إسرائيلياً» من التغلغل الإيراني في القارة الإفريقية، لافتة في الوقت نفسه إلى أن تلك الزيارة قد تثير الشكوك حول دعم بيريز لاتفاقية «عنتيبي» التي تراعها إثيوبيا والخاصة بتقسيم مياه نهر النيل وتهديد حصة مصر التاريخية منها.

وأشارت الصحيفة إلى أن وزارة الخارجية «الإسرائيلية» عينت مؤخراً، سفيرة جديدة لها في غانا لإرسالها هناك قريباً، وقامت مؤقتاً بإرسال شخص «إسرائيلي» مسؤول للعمل على إقامة السفارة.

وكانت غانا قد أغلقت السفارة «الإسرائيلية» في عاصمتها «أكرا» بعد حرب السادس من أكتوبر عام 1973، إلا أن مندوباً «إسرائيلياً» رسمياً بقي على رأس مكتب مصالح في غانا حتى أواخر الثمانينات، وفي عام 1995 جددت غانا علاقاتها مع «إسرائيل»، وفتحت سفارة لها في تل أبيب.

وفي الوقت الذي بدا فيه أن هناك توتراً مصرياً إثيوبياً يوشك على التجدد مع إعلان أديس أبابا البدء في تنفيذ سد كبير لتوليد الكهرباء على نهر النيل، وزعمت تقارير إعلامية أن الجيش المصري بدأ الاستعداد لمواجهة عسكرية مع إثيوبيا وهو ما نفاه المجلس العسكري المصري، في هذا التوقيت جاء الإعلان عن زيارة بيريز لإثيوبيا والترويج لأن الرئيس الصهيوني سوف يصطحب وفداً كبيراً من رجال الأعمال لتطوير التجارة بين الدول الإفريقية و«إسرائيل»، وأنه سيسعى إلى أن توسع تل أبيب من نطاق المساعدات الدولية التي تقدم إلى إثيوبيا في مختلف المجالات.

[**مهام مصرية*]

الشاهد أن الحديث عن صورة مصر الجديدة في إفريقيا يضع وبحسب المتخصص في الشؤون الإفريقية حلمي شعراوي مسؤولية كبيرة على الرسميين والدبلوماسية المصرية، وأيضاً على قوى الشباب والتنظيمات السياسية والاجتماعية المصرية والعربية لاستعادة مكانة مصر في القارة، «بعد أن سخر وزير خارجية ما قبل 25 يناير من الأفكار القديمة حول العمل الإفريقي المصري»، متوقعاً أنه في ظل إدارة الدكتور نبيل العربي للدبلوماسية المصرية وانطلاقاً من زخم الثورة أن تتم مراجعة عاجلة لعناصر العلاقة التي افتقدتها مع دول القارة، لافتاً إلى أن هناك عناصر عدة تستوجب الانطلاق منها لاستعادة تلك العلاقات وفي مقدمتها علاج غياب الدور المصري في معظم القضايا والتنظيمات الإقليمية في القارة، وتجاهل ما تشهده القارة من قضايا حيوية في الصومال ودارفور، وما يجري حول القرن الإفريقي وتوغل إثيوبيا وبوروندي فيه، وترك «الإيجاد» (منظمة شرقي إفريقيا) تعالج وحدها مشكلة جنوب السودان، مشيراً إلى أن مصر تركت في عهد النظام السابق ليبيا في بلدان الساحل والصحراء الممتدة من السنغال إلى جيبوتي، بكل سلبيات الأسلوب الليبي على الصورة العربية كلها، وارتبط بهذا الغياب فتور غير مفهوم تجاه العلاقة مع أكبر القوى المؤثرة مثل جنوب إفريقيا ونيجيريا وكينيا، والكونغو، كما ارتبط بذلك ضعف الموقف الجماعي في منظمة التجارة العالمية، مع ما سجله الإفريقيون على الحكومة المصرية من موقف سلبي إزاء شروطها المجحفة.

ويرى شعراوي أن حضور مصر في إفريقيا كان يتطلب العمل مع الهند والبرازيل وفنزويلا وغيرها والحضور النشط في المنتديات الاجتماعية والسياسية العالمية لإحياء الأصول السابقة في الحركة الإفريقية الآسيوية وتمثلها الحالي في مجموعة الـ 77 للدول النامية، وكلها ذات جذر في السياسة المصرية التحررية، مشيراً إلى الحاجة أيضاً إلى مراجعة وضع مصر في الاتحاد الإفريقي، ودورها في توثيق علاقته بالجامعة العربية والمنظمات الإقليمية الأخرى بعد ما أصابه من جراء السلوك الليبي، خاصة أن النظام الليبي قد تحرك بسرعة خلال أزمته لجلب قوات بشرية وقد تكون عسكرية من عدد من البلدان الإفريقية، ستصبح بحسب شعراوي عنصر تفتت في الموقف الإفريقي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2180740

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2180740 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40