الأربعاء 13 نيسان (أبريل) 2011

ما نريد وما لا نريد

الأربعاء 13 نيسان (أبريل) 2011 par د. حياة الحويك عطية

نعم نريد الإصلاح في سوريا، نريد لكل اللحم المتهدل والميت أن يزاح عن بنية شعب الأمويين، أن ينفذ الرئيس الشاب ما كان يعد به منذ أن وصل إلى السلطة وهو في بداية ثلاثينياته، أي في عمر الشباب الذين يعتصمون في ساحات العالم العربي كله مطالبين بالتغيير. ولكننا لا نريد أن يصل بنا استغلال المكبوت الهائل لدى الناس، لتخريب البلاد وتقسيمها. لا نريد أن يختلط العميل والملتف والمتسلل والغوغائي بالوطني الطامح لإلحاق بلاده بركب العالم الحر المتمدن. نريد تفتيت التكلّس المتكوّن على العظم، ولكننا لا نريد كسر العظم الذي يشكل العمود الفقري للوطن العربي، خاصة بعد نكبة العراق.

تحدثنا يوماً عن لبننة العراق، ووقعنا فيها، وتحدثنا عن عرقنة العالم العربي، ووقعنا فيها، والآن نتحدث عن تلييب سوريا ونخشى الوقوع فيها. خشية لا تستطيع إلا وأن تأخذ في الاعتبار أن الشاطىء السوري كله وبعد التدخل في ليبيا أصبح في مرمى قوات شمال الأطلسي، في حين أن البر كله في مرمى التدخل «الإسرائيلي» سواء جاء مباشراً من الجولان أو تسللاً غير مباشر من شمالي وشرقي لبنان أو من الأردن. ربما لا نكون مغالين إذا قلنا أن عين الغرب على المغرب العربي وعين أخرى على المشرق العربي، حيث الهدف السياسي الحقيقي يتمثل في أمرين : الالتفاف على ثورة مصر وخنق التوجهات الجذرية فيها، واستكمال الحصار على سوريا (ومعها لبنان).

هل هي نظرية المؤامرة التي يأخذها علينا الكثيرون؟ هل هي إنكار لحق الشعب السوري في الحرية والكرامة؟ هل هي استخفاف بالتيار الكهربائي المحيي الذي انطلق من تونس ليدفع الحياة في الجسد العربي الشعبي؟

لا هذه ولا تلك، فالشعب السوري يعاني منذ عقود من دكتاتورية الحزب الواحد، وأجهزة القمع على اختلافها، أضيف إليها هرم كامل من الفساد ضمن عدم اهتزاز قواعده بفعل تكلس مفاصل الحياة السياسية الداخلية، والحياة الاقتصادية الداخلية، وهذا الشعب السوري هو وريث من بنوا الدولة العربية الإسلامية، فإن ضاقت بهم «الحقوا الدنيا ببستان هشام»، وهو وريث شهداء 17 أيار في الثورة ضد العثمانيين، وهو وريث يوسف العظمة قائد وشهيد الثورة الكبرى في وجه الفرنسيين المنتدبين، هو ملهم أحمد شوقي في مقولته الخالدة «وللحرية الحمراء باب، بكل يد مضرجة يدق!» لا، فهو الشعب المرشح أكثر من غيره لتلقي النداء الذي انطلق من تونس وأشعل القاهرة وصنعاء والمنامة. لكن من السذاجة السياسية أخذ الأمور بالعموميات هذه، وإغفال الخصوصيات التي تميز كل ساحة من هذه. كما أنه من باب الغوغائية السطحية اعتبار أن ما حصل في تونس أو القاهرة ثورة مكتملة، في حين أنهما أطلقتا تمرداً وعصياناً شعبياً، يريد الأنقياء استكماله ليصبح ثورة، وتحاول أطراف متعددة التسلل إليه لتحويره أو للاتفاف عليه بهدف إبقائه في المربع القديم ولكن بألوان جديدة، أو بإخراجه إلى مربع آخر قد لا يكون أقل خطراً على المصالح الداخلية والخارجية للدولة المعنية وللوطن العربي (هذا اذا كان لا يزال هناك من يقبل منا أن نتحدث عن مصالح قومية!!.

وإذا كان صراع الإرادات هذا قد تجلى بأكثر وجوهه دماراً وعنفاً ودموية في ليبيا، فإن ذلك سيكون لعبة أطفال إذا ما حصل المحظور لا سمح الله في سوريا، لأنها ستكون معركة التصفية النهائية في الصراع العربي «الإسرائيلي»، ومعركة التصفية النهائية في مشروع الشرق الأوسط الجديد الأمريكي عبر طريق الفوضى الخلاقة المرسومة. وبذا لا يكون حديثنا نظرية مؤامرة موسوسة، بل رؤية استراتيجية لطبيعة الاستراتيجية الكبرى للامبراطورية الأمريكية ومن ورائها العالم الغربي، وللرؤية الاستراتيجية الإقليمية التي ستترك للقوى الثلاث القائمة («إسرائيل» وتركيا وإيران) أن تتقاسم العالم العربي، سلمياً أو مواجهة.

على الرئيس السوري الذي يسير في حقل ألغام رهيب، أن يتذكر أنه ليس من باب المصادفة أن تكون دمشق أقدم عاصمة في التاريخ وأول عاصمة للدولة العربية، وأن تطور أحداثها سيحدد مصير القضايا القومية، بل ومصير التحركات الشعبية الأخرى على امتداد الساحات العربية، من مغربها إلى مشرقها ومصير حركات المقاومة العربية بوجه الاحتلال في فلسطين والعراق. لذا على الرئيس الأسد أن يتقدم بجرأة على طريق الإصلاح الحقيقي، بدءاً من رفع حالة الطوارىء (مع بقاء استثناءات متعلقة بالحدث) وإطلاق الحريات، خاصة الإعلامية، وإقرار وتطبيق قانون الأحزاب والانتخابات النيابية.

ولن تكون آخر الكوارث أن ينتهي نظام الحزب الواحد، أولاً لأن دمشق كانت ما كانته تاريخياً وحملت ثوراتها الكبرى قبل البعث، وثانياً لأن فتح ساحات الجدل الفكري السياسي قد يفيد البعث نفسه ويعيد إليه حيويته إلى جانب حيويات الأحزاب الأخرى التي لا تظهر قوتها الحقيقية على الساحة، لكنها موجودة. عندها تنتقل المواجهة من الشارع إلى الفضاء العام، ومن الهتاف إلى الفكر، ومن الدم إلى الكلمة. أما الأيدي السود العاملة في الظلام وعبر الكهوف فستنكشف ولن تجد لها بيئة مكبوتة ومقموعة ومهانة جاهزة للاستغلال.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165884

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165884 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010