الاثنين 18 نيسان (أبريل) 2011

الأولوية لحماية الشعب الليبي

الاثنين 18 نيسان (أبريل) 2011 par د. كلوفيس مقصود

يبدو أن الثورة المطلوب إنجازها كما في ليبيا تتطلب معالجة تتباين وأحياناً تختلف مع مناهج الثورات التي حصلت في العديد من الأقطار العربية. صحيح أنه تم في تونس ومصر إنجاز إزالة النظامين السابقين، وبالتالي أصبحت الحالة الليبية شديدة التعقيد رغم أن بنود قراري مجلس الأمن 1970 و1973 رسمت خرائط الطريق من أجل توفير الحماية للمدنيين من جهة ونزع الشرعية من نظام العقيد القذافي. بمعنى آخر اعترف المجتمع الدولي بضرورة أخذ الإجراءات التنفيذية من أجل إزالة النظام بعقوباتٍ صارمة، وبالتالي رغب في ممارسة الضغط من خلال الإقناع وتجنب بقدر الإمكان اللجوء إلى الخيار العسكري، إلا أن نظام القذافي لم يكتف بالاعتراض وبالتالي تصرف وكأن بقاءه في السلطة يتمتع بشرعية شعبية، بمعنى أنه في حالة إنكار مطلقة. هذا ما يفسر إلى حد كبير إصراره على استعمال جميع الوسائل غير القانونية لإحباط الشرعية الدولية من جهة، وبالتالي قمع الثورة بكل الوسائل المتاحة. هذا الوضع الذي يتميز بخصوصية شديدة التقوقع والإنكار، أدى إلى عدم مراعاة قيم الحرب والروادع التي يفرضها القانون الدولي على ضبط النزاعات والحروب، وكأن غاية البقاء في الحكم تبرر له كل الوسائل التي عبر عنها، خاصة عندما وصلت قواته إلى مشارف بنغازي، ما هدد بمجزرةٍ جماعية استولدت بدورها قرار فرض حظر جوي وما يتضمن ذلك من إجراءات أدت إلى الحالة التي تختبرها ليبيا وشعبها.

هذا الوضع الفريد من نوعه استوجب بدوره استراتيجية فريدة من نوعها، إذ ما نشاهده اليوم من تعددية المؤتمرات واللجان التي تبحث عن كيفية التعامل مع هذا التفرد في السلوك من شأنها أن تعالج عناصر متناقضة في ما هو مطلوب. بمعنى آخر إن الآلية المطلوبة بموجب قرار مجلس الأمن هي حماية الشعب الليبي كتعبير عن «مبدأ مسؤولية حماية المدنيين»، هذا ما دفع الأمم المتحدة ومجلس الأمن إلى تسليم المهمة إلى المؤسسة العسكرية أي حلف شمال الأطلسي. كانت الدول الكبرى خاصة الولايات المتحدة في بادئ الأمر ومن ثم بريطانيا وفرنسا على الأخص تتحمل مسؤولية الإجراءات المطلوبة لتأمين نجاعة الهدف النهائي الذي بدوره يؤدي إلى تنفيذ قراري مجلس الأمن ذات الصلة، إلا أن الأوضاع في كل من هذه الدول الأطلسية تباينت في مواقفها إلى حدٍ كبير، إذ إن 27 دولة لم تتميز في الانسجام تجاه ما هو مطلوب ما أدى إلى مفاوضات داخلية بين دول حلف الأطلسي وبالتالي تفاوت مدى الالتزام، ما جعل الحسم مرتبكاً. هناك بين هذه الدول من يقول إن المشاركة يجب أن تكون في حدها الأقصى أو في حدها الأدنى، وبالتالي هذا الالتباس أدى إلى سحب المشاركة المهمة لقسم كبير من طائرات الولايات المتحدة ذات الفعالية الخاصة.

فمثلاً ترأس رئيس اتحاد جنوب إفريقيا وفداً يمثّل منظمة الوحدة الإفريقية واستقبل في طرابلس وكأنها زيارة رسمية، ما أوحى أن نزع الشرعية التي قامت بها الأمم المتحدة يمكن إعادة تعريفها بأنها جزء من المشكلة وبالتالي هي أيضاً جزء من الحل. أدى هذا إلى رفض قاطع من قبل المجلس الوطني الليبي في بنغازي، ما سرّع بعض الدول المترددة كإيطاليا في الاعتراف بالمجلس كحكومةٍ شرعية لليبيا. إضافة إلى ذلك كانت دول لها ثقل معنوي وسياسي على المستوى الدولي مثل الصين، وروسيا، والهند، والبرازيل والى حد ما تركيا وجنوب إفريقيا تتخذ مواقف تدعو إلى تأكيد استنفاد الحلول السياسية وإلى حد كبير أيضاً وبنسب متفاوتة مطالبة بتجنب الخيارات العسكرية. الآن هذا هو لبّ المعضلة التي تتطلب الخروج فوراً من حالة اللاحسم عربياً ودولياً. المسؤولية العربية القومية تستوجب معالجة سريعة لتدارك أي تداعيات من شأنها أن تنطوي على عدم تنفيذ أو تمييع قرارت مجلس الأمن، لأن ذلك قد يؤدي إلى تقسيم ليبيا، وهو ما قد يكون له تداعيات على مسارات الانتفاضات والثورات التي نجحت والتي لا تزال ساعية للنجاح أو قريبة من النجاح.

من هنا أصبح الوضع في ليبيا مرشحاً لأن يمهد للثورة المضادة في الوطن العربي ما يؤجل استكمال أهداف الثورات التي نجحت في اختراق حاجز الخوف وما تبقّى من طبائع الاستبداد عند باقي الأنظمة القائمة. إزاء هذه الحالة الليبية هل يعني أن علينا أن نسقط الخيار السياسي أو نسقط الخيار العسكري؟ لا يجوز أن نسقط أياً من الخيارين في هذه المرحلة ونقولها بألمٍ شديد ولكن بتصميم قاطع وإلى حد ما نهائي إن نظام القذافي المتمرد على الشرعية الدولية وعلى شرعية الثورة في ليبيا هو الذي يقلص فرص الخيار السياسي ويمعن في تأكيد الحل العسكري. المطلوب من العرب إجمالاً أن يأخذوا الإجراءات السياسية اللازمة للاعتراف بسلطة المجلس الوطني الليبي كممثلٍ للشعب الليبي لأنه بمقدار ما نوفر لهذا المجلس الاعتراف الدولي كونه السلطة المطلوبة نؤمن وحدة ليبيا وتمكنه من القيام بالأدوار المنوطة بعملية الإصلاح والديمقراطية وحرية الإنسان وتوفير الفرص لإزالة البطالة ومحاربة الفقر إلى آخر الإجراءات الإصلاحية. بهذا المقدار تتضاءل الحاجة إلى الخيار العسكري ونوفر على أبناء ليبيا المزيد من المآسي التي تُبقي مصراتة مثلاً معرّضة للدمار ولاستشهاد المزيد من سكانها المدنيين، فما دام المدنيون في ليبيا يتعرضون للتهديد والإبادة، فإن مسؤولية الحماية من قبل المجتمع الدولي تكون سائدة بمقدار مايولده عناد واستكبار نظام القذافي في استمرار تمرد قواته والمرتزقة وممارسة مايقومون به، وهذا بدوره يستوجب تطبيق قانون التدخل الإنساني.

* * *

إن الضمير العربي يجد نفسه أمام أزمة حادة، إذ إن مقتل أي ليبي أكان من الثوار أو من غيرهم أو حتى من بسطاء رجال أمن النظام الليبي هو مكمن الوجع ومكمن القلق على شعب ليبيا كله، لأنه لايجوز لأي طاغية أن يختزل حاجته إلى السلطة بأن يتحدى الوجدان في هذه اللحظة. هذه هي الإشكالية التي تفرز ثنائية الحل العسكري أو الحل السياسي. هذه الثنائية المقلقة تدفعنا إلى نقاشات تكون فيها الحقيقة موزعة إلى حقائق. التزامنا بحياة الليبيين كشعب وسلامته وتقدمه وكرامته هو مقياس الالتزام، وهو الواجب، وإن ازدواجية الحل السياسي أو الحل العسكري لا تتوقف على شعب ليبيا فحسب، بل على ماتبقى من ضمير وعقلانية في النظام القائم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 88 / 2165447

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165447 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010