الاثنين 18 نيسان (أبريل) 2011

الانقلاب الديمقراطي

الاثنين 18 نيسان (أبريل) 2011 par د. محمد السعيد ادريس

قبل أقل من عشرة أيام فقط من إصدار المحكمة الإدارية العليا في مصر حكمها بحل «الحزب الوطني الديمقراطي» ومصادرة جميع أمواله وممتلكاته ومقاره وتسليمها للحكومة، كان معظم أعضاء هذا الحزب على قناعة بأن الثورة التي شهدتها مصر ليست أكثر من موجة احتجاج سرعان ما سوف تخفت، لتعود الأوضاع إلى سابق عهدها قبل الثورة. كان رهان هؤلاء يرتكز على مجموعة من القناعات أولها أن القضايا التي يتهم بها قادة الحزب قضايا «تافهة» لن يصعب على المحامين التعامل معها، وكأنهم أرادوا أن يقولوا، بشكل غير مباشر، إن الشهرين اللذين انقضيا من عمر الثورة كانا كفيلين بترتيب كل الأوراق وتفريغ كل القضايا من مضمونها، ما يعني أنهم كانوا، وعلى مدى شهرين أو أكثر، منشغلين بتجهيز ردودهم على كل اتهام، وأنهم سيخرجون بأحكام قضائية من سجونهم . وثانيها أن الدولة مازالت في أيديهم. كل قادة الدولة، باستثناء بعض الوزراء الجدد في الحكومة الانتقالية هم قادة وأعضاء في الحزب الوطني، أو على الأقل، من الذين عملوا تحت عباءته، المحافظون والمجالس المحلية، والشرطة، والإعلام (صحافة حكومية وتلفزيون وإذاعة) ورؤساء جامعات وعمداء كليات، كلهم رجال العهد السابق، والأهم هو الرهان على المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي عينه الرئيس المخلوع، باعتباره إحدى أهم ركائز النظام القديم، وأنه سيبقى على ولائه للعهد السابق.

قناعات ظلت مسيطرة على عقول قادة هذا الحزب، الذين تصوروا أن بقاء الحزب كمؤسسة سياسية، وعدم التعرض لمراكز القوى الحقيقية داخله، وبالذات طبقة رجال الأعمال الذين أثروا بدرجة فاحشة وتراكمت ثرواتهم وأفسدوا الحياة السياسية بهذه الثروات، سيجعل من الحزب قوة يصعب منافستها مقارنة بالأحزاب الأخرى الفاشلة وبعجز شباب الثورة والتيارات المعارضة عن تشكيل أحزاب سياسية يكون في مقدورها المنافسة في الانتخابات النيابية القادمة، خصوصاً في ظل الفترة الانتقالية المحدودة واقتراب موعد إجراء الانتخابات في سبتمبر/ أيلول المقبل.

هذه الرهانات اكتسبت، عند أصحابها، بعض المصداقية عندما أخذت القوى المناهضة والمعادية للثورة (قوى الثورة المضادة) تجاهر بعدائها للثورة وتفتعل الصدام معها ومع القوات المسلحة على نحو ما حدث مساء الجمعة قبل الماضي في ميدان التحرير، وهذا ما شجع الأمين العام للحزب في إحدى محافظات الوجه البحري (محافظة كفر الشيخ) على أن يجاهر بإعلان التحدي ويؤكد لأنصاره أن حزبهم سيحصل على الأغلبية في مجلس الشعب (البرلمان) القادم، ليس هذا فقط بل جعله يفاخر ويقول : «مازلنا الحزب الحاكم».

هذه التأكيدات لم تأت من فراغ، والأهم أنها كشفت عن نوايا لدى الحزب وقياداته، وخاصة طبقة رجال الأعمال، بالعودة مجدداً إلى الحكم من خلال صناديق الانتخابات، وإحداث «انقلاب ديمقراطي» ضمن قناعاتهم بأنهم وبما يملكون من سلطة ونفوذ وأموال مازالوا يسيطرون على الحياة السياسية.

كل هذه الطموحات تكشف أن الحزب كمؤسسة للثورة المضادة كان يسعى بكل الجهود لاسقاط الثورة، لكن ما حدث من تطورات خلال الأيام العشرة الماضية، وإصدار النائب العام أوامر بالحبس الاحتياطي لقادة الحزب الكبار، كان بمثابة الضربة القاضية للحزب.

وجاء قرار إعلان حل الأزمة كأمر واقع لإنهاء عهد كان لابد أن ينتهي بإرادة شعبية مطلقة. لكن يجب متابعة هذا القرار بقرار آخر يمنع كل من سبق لهم الترشح في انتخابات سابقة باسم هذا الحزب من إعادة ترشيح أنفسهم في الانتخابات المقبلة باعتبارهم شركاء في فساد الحزب وسياساته.

سيبقى الخطر قائماً، بدليل أن أنصار الحزب عزموا أمرهم على مواصلة مسيرتهم وإعادة تأسيسه مع تعديل محدود يبقي على اسمه إصراراً منهم على خوض الصراع، وحددوا يوم 25 إبريل/ نيسان الجاري موعداً لإعلان تأسيس هذا الحزب الجديد، على أمل المنافسة وإحداث «الانقلاب الديمقراطي» الذي يأملونه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165692

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

23 من الزوار الآن

2165692 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010