الخميس 21 نيسان (أبريل) 2011

درس من غرب ليبيا... بعد الشرق

الخميس 21 نيسان (أبريل) 2011 par معن بشور

تتضح اليوم، أكثر من أي وقت مضى، المرامي الخبيثة للتدخل العسكري الأجنبي في ليبيا، الذي سمح، وعلى مدى اسابيع، للحاكم الظالم أن يسلط نيرانه على شعبه حتى يقبل بهذا التدخل، كما أستخدم مجدداً جامعة الدول العربية وسيلة تغطي هذا التدخل، فإذ بتدخله «البري» يتحول إلى إدارة حرب لا يموت فيها الذئب ولا يفنى الغنم، وإذا بالمدنيين في مدن الغرب الثائرة يُتركون لأسابيع كاملة فريسة الإبادة الجماعية لكتائب القذافي دون أن يرف «للاطالسة»، جفن، فيما «الأبالسة» يوغلون في ذبح الناس.

فكما وعود مكماهون عشية الحرب العالمية الأولى بدولة عربية موحدة تقوم بعد انهيار الدولة العثمانية، وكما وعود بوش وبلير (مستشار العقيد القذافي براتب سنوي قدره 2 مليون دولار) بعراق جديد «زاخر» بالديمقراطية وحقوق الإنسان، يتضح لنا اليوم ان الوعود الأطلسية في ليبيا بحماية المدنيين لم تكن أكثر من رأس جسر لاحتلال ليبيا تحت «دواع» إنسانية، كما نسمع اليوم.

لقد بات واضحاً ان حماسة النظام الرسمي العربي لاستدعاء تدخل أجنبي إلى ليبيا باسم «حظر الطيران» لم تكن أكثر من رغبة أميركية في انتزاع «مباركة» عربية ضرورية لوضع اليد على خيرات ليبيا ومواردها كهدف أقصى، أو لتقسيم ليبيا إلى منطقتين أو أكثر ليسهل ابتزازهما لصالح النهب الاستعماري ذاته، كهدف أدنى.

وحين حذر الوطنيون الليبيون والقوميون العرب الأحرار من هذا التدخل الأجنبي منذ اللحظات الأولى لم يفعلوا ذلك فقط من منطلق مبدئي يدرك ان الاستعانة بأعداء الأمة لا يمكن أن يكون لخير للأمة، بل أيضاً لأنهم يدركون إن مثل هذا التدخل لن يقدم حماية للمدنيين بل سيشوه سمعة ثورة اثبت رجالها البواسل أنهم أشد المقاتلين ضراوة، كما سيلحق الأذى بمقاومة شعبية نادرة تشهد عليها كل ارض ليبيا من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب لا سيما في مصراطة والزنتان ونالوت وكل مدن الجبل الغربي، وكذلك في بنغازي واجدابيا، حيث تسطر أساطير في بطولات شعبية تواجه قوات مدججة بأفتك أنواع الأسلحة وبأكثر صنوف البشر وحشية ودموية.

وإذا كان الثوار الليبيون الأحرار يكتفون اليوم بالنقد لدور هذه القوات المثير للاستغراب والاستهجان، وذلك لظروف معلومة، فإن من حق أبناء الأمة وأحرار الأمة أن يجددوا رفضهم لهذا التدخل، خصوصاً مع التحضيرات الجارية لنقله إلى مرحلة «التدخل البري»، وان يحذروا من تداعيات هذا التدخل الذي ما كان له ان يحصل أصلاً لولا مجازر النظام وكتائبه، ولولا الغطاء الرسمي العربي ودوافعه، وهو ما يستدعي العمل على محاور أربعة :

1ـ رفض هذا التدخل الأجنبي، جوياً كان ام برياً، والدعوة إلى الوقف الفوري لعدوان النظام على الشعب، والى الاحتضان العربي والاسلامي الواسع للشعب الليبي في معاناته، والدعم الكامل للثوار ليتمكنوا من حماية أهلهم وتحقيق أهدافهم.

2ـ دعوة القذافي والدوائر اللصيقة به إلى التنحي استجابة لتطلعات الشعب الليبي، وحقناً للدماء، ونزعاً لأي ذريعة للتدخل يسعى إليها الغرب.

3ـ تشكيل منظومة عربية ـ إسلامية تسعى لتوفير مظلة غير غربية، وغير استعمارية، للأشراف على عملية وقف العدوان على الشعب الليبي، وعملية الانتقال السلمي إلى دولة ليبية ديمقراطية مدنية حديثة، وتمنع أي تدخل غربي أو أطلسي في شؤون هذا البلد العربي المهم.

إن أبناء الأمة وأحرار العالم مدعوون لرفض هذا الثنائية الظالمة والمضللة القائمة: أما السكوت على ظلم القذافي وانجرافه وعدوانه أو السكوت على التدخل الاستعماري الأجنبي، خصوصاً إنهما، على ما يبدو وجهان لعملة واحدة.

الم يقدم القذافي نفسه كضمان لأمن ما يسمى «دولة إسرائيل»، ولأمن أوروبا والبحر الأبيض المتوسط والأمن والاستقرار في العالم، ألم يتهم القذافي الولايات المتحدة الأميركية بأنها «خانته» وهو الذي يملك في خزائنها أصولاً بـ 35 مليار دولار (بحسب الأرقام الأمريكية ذاتها) ألم يمّول نظامه كل حركات الانفصال في الوطن العربي من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق؟

إن أهل مصراطة وعموم مدن الجبل الغربي قد أثبتوا قدرة الثوار على الصمود والمقاومة لأسابيع طويلة دون عون أطلسي أو سند غربي وهو «العون» الذي أربك ثورة الشعب الليبي سياسياً ولم يحسم الأمر عسكرياً قبل أن ينجز ترتيباته كاملة لمرحلة ما بعد القذافي، وبعد أن يكون قد وضع يده على القيادة السياسية والعسكرية للثورة تمهيداً لوضع اليد كلها على ليبيا، لذلك فهو يقوم في الوقت الضائع يلعب لعبة إبقاء التوازن بين النظام الباغي والثورة المجيدة، يضرب طيرانه مرة ويمتنع مرات، يتحرك تارة في الشرق ويصمت دوماً عمّا يجري في الغرب، ربما تمهيداً لتقسيم محتمل.

لكن رهان الأطلسي وأعوانه، كما رهان القذافي وحاشيته، سيكون خاسراً لأن الطرفين لا يعرفان حقيقة الشعب الليبي إذا خرج إلى ساحات المواجهة. وليت الطرفين يسألان كل الجيوش التي مرًت على ليبيا وكان مصيرها الاندحار... وخصوصاً الطليان منهم الذين قاتلهم عمر المختار باستشهاده أكثر مما فعل في حياته فبقي شعاره «نحن لن نستسلم... نستشهد أو ننتصر»، شعاراً خالداً لكل ثوار العالم، كما بقي شعر أبي القاسم الشابي ملهماً لكل أحرار الأمة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 86 / 2166016

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2166016 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010