هل تصلح قصيدة الشاعر الراحل عبدالوهاب البياتي اليوم والآن للاستعمال الشعبي في بعض ساحات الاحتجاج العربية التي يسقط فيها قتلى وجرحى بالمئات ثمناً للحرية قبل المطالبة بالخبز، وتوفير فرص العمل والقضاء على البطالة، والانتقال من خط الفقر إلى ما هو فوق هذا الخط ولو بالقليل من الصعود إلى الجنة، حتى لو كانت جنة على الأرض؟
يقول البياتي :
«ثورات الفقراء
يسرقها في كل الأزمان لصوص الثورات»
لم يحدد البياتي لصوص الثورات هؤلاء، ولم يعط توصيفاً مباشراً لملامحهم وثقافتهم والبيئات التي خرجوا منها، ولكنه كثّف كل ذلك في سطرين من الشعر، وهذا فعلاً ما يفعله الشعر دائماً .. أن يشير ولا يحدد .. أن يومئ ولا يفصّل، وأن يستخدم الرمز ويبتعد عن الخطاب والبلاغة المباشرة.
الرئيس الليبي معمر القذافي يلجأ إلى السحر هذه المرة بعدما فشلت مقولته أو جملته العصبية التي شوّه بها بعض أبناء شعبه بحبوب الهلوسة، وهو خطاب سياسي مرتبك يمكن إحالته إلى لصوص الثورات الذي طرحه الشاعر البياتي قبل أكثر من ثلاثين عاماً على شكل نبوءة شعرية في قصيدة يمكن استعادتها اليوم بالمستوى الذي تستعاد فيه قصيدة جماهيرية بقوة وحضور «.. إذا الشعب يوماً أراد الحياة .. فلا بد أن يستجيب القدر» للتونسي أبي القاسم الشابي.
الرئيس اليمني علي عبدالله صالح هو الآخر يختطف ثورة شعبه ضده عندما يتحدث بلغة جنرال يرتدي كل يوم بدلة مدنية بالغة الأناقة، فيما يسيل دم شعبه منذ أكثر من شهرين.
أريد شعباً مغمى عليه بالغاز المسيل للدموع وللضلوع، ولا أريد لا ثورة فقراء ولا ثورة أغنياء .. لا أريد أن أسمع صوت عبدالله البردوني ولا المحضار، ولا أي شاعر في بلادي .. فهذه بلادي، وليست بلاد الشعب حتى لو مات كل الشعب .. هذه هي الجملة العصبية الأخرى التي تقال بصوت مرتفع في صنعاء، وهي في معناها الأخير جملة اختطاف لاحتجاج الناس، وسرقة يومية في وضح النهار لأشواق اليمني وتطلعاته إلى الحرية.
يشير الشعر الطليعي الإنساني دائماً إلى الحرية أكثر مما يشير إلى الفقر والجوع، فالإنسان يستطيع أن يملأ معدته بكسرة خبز حتى لو كانت يابسة مع كأس ماء أو كأس دموع .. ولكن كيف يشبع حرية؟
اللصوص يحبون الجوعى، ولكنهم يغضبون من الأحرار، حتى لو كانت تأكلهم النار.
RLS
