الجمعة 22 نيسان (أبريل) 2011

بعد الثورات العربية.. مأزق «إسرائيل» الاستراتيجي

الجمعة 22 نيسان (أبريل) 2011 par د. سمير التنير

يقول المؤرخ «الاسرائيلي» توم سيغيف تعليقاً على الثورات العربية المتنقلة من بلد إلى آخر: «منذ وجود دولتنا ونحن نعتقد أننا أفضل من العرب. ولكننا نرى الآن أنهم لم يعودوا أناساً متخلفين. وان العالم العربي يتقدم نحو الديموقراطية. أين نحن الآن؟ كنا نعتقد أننا الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. تصاب الديموقراطية في «إسرائيل» بالضعف، بوجود وزير للخارجية، يمكن مقارنته بقادة اليمين المتطرف في أوروبا. لا نعرف الكثير عن العرب. كل ما نعرفه عنهم أنهم الخطر الأكبر الذي يهددنا. لقد عقدنا معاهدات للسلام مع السادات ومع الملك حسين لا مع الشعوب. واليوم يبقى نتنياهو على أفكاره القديمة. لا يريد دولة فلسطينية. يريد أن يبقي على المستوطنات. ويريد أن يبقي على المناطق المحتلة. لا أمل بتغيير أي شيء لديه».

كان الرد الأول لقادة «إسرائيل» على الثورات العربية بأنها حركات احتجاج محلية وانتفاضات شعبية تريد تغيير الداخل العربي ولا علاقة لها بالصراع العربي «الاسرائيلي». وهي رد على الأنظمة الاستبدادية والبوليسية التي كانت تكتم الأنفاس. وعلى الرغم من ذلك تعترف بأن ما يجري في العالم العربي هو الخطر الأكبر الذي يهددها منذ عقود. لذا يجب عليها الآن إعادة النظر باستراتيجيتها السياسية والعسكرية.

أعرب نتنياهو عن خشيته من تحول مصر إلى جمهورية إسلامية تكنّ العداء لـ «إسرائيل» كما هي حال إيران أحمدي نجاد. بعدما كان نظام حسني مبارك يعادي إيران وسوريا و«حزب الله» في لبنان، وحركة «حماس» في غزة. كما ان قادة «اسرائيليين» آخرين يتخوفون من صعود قوة الاخوان المسلمين في مصر. كما يحذر خبراء آخرون من المستقبل الضبابي للنظام السياسي القادم في مصر، والذي لا بد له أن يحمل معه تعاظم قوة الاخوان المسلمين، حتى وان لم يحوزوا رئاسة الوزارة.

يقول الخبير السياسي «الاسرائيلي» ايزي ليبلار ان الخطر من الاخوان المسلمين سيكون كبيراً حتى وان عملوا تحت غطاء ساسة ذوي وجهين كمحمد البرادعي أو عمرو موسى، مضيفاً ان الاثنين يميلان إلى إيران وسيؤدي ذلك إلى نهاية السلام البارد مع «إسرائيل» المستمر منذ ثلاثين عاماً، في شكل مفاجئ ما سيضطر «إسرائيل» حسب ليبلار إلى مواجهة جيش مصري يمتلك قوة مهمة، ويتمتع بسخاء أميركي يضمن حصوله على أحدث المعدات العسكرية!.

يسود القلق في «إسرائيل» من تصرف مصر في حالة التحرك العسكري ضد ايران. فوفقاً للخطط «الاسرائيلية» الموضوعة منذ زمن قصير، والتي دخلت إلى دور التدريب، تحتاج إلى موقف مصري مساند أو حتى إلى موقف صامت، في حالة الحرب الشاملة. وهذا ما كان يؤمنه لها نظام حسني مبارك البائد.

لقد شكلت معاهدة كمب دايفيد كارثة لمعظم الأقطار العربية. فعوضاً عن إحلال الاستقرار، وضعتهم تلك المعاهدة المشؤومة تحت رحمة «إسرائيل». وعوضاً عن تحقيق السلام، غيبت المعاهدة السلام. على اعتبار ان «إسرائيل» لم تر ضرورة لإجراء تسوية مماثلة مع سوريا والفلسطينيين. وبدلاً من ذلك فتحت المعاهدة الطريق أمام «إسرائيل» للقيام باجتياحات واحتلالات وارتكاب المجازر في لبنان وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة، وشن هجمات على المنشآت النووية العراقية والسورية، وإطلاق تهديدات سافرة ضد ايران واحتلال الضفة الغربية على مدى 44 سنة، وفرض حصار وحشي على قطاع غزة، إلى جانب الاستمرار في بناء المستوطنات. واستخدم الرؤساء العرب تلك التداعيات لفرض نظام استبدادي بوليسي من خلال فرض إجراءات أمنية قاسية جداً على شعوبهم. لقد فرض عدم الاستقرار الطويل غضب الشعوب العربية، إلى جانب تراكم الأزمات والذي أدى أخيراً إلى الانفجار. وهو أمر لم يكن باستطاعة أحد تفاديه، او حتى التنبؤ به.

في عام 2008 أي في الذكرى الـ60 لقيام الدولة، كانت «إسرائيل» مطمئنة لأوضاعها من كل النواحي. فهي كانت تضم ثلثي عدد اليهود في العالم، مع أقلية من السكان العرب. وكان اقتصادها المعتمد على المعرفة والعلم متطوراً جداً، مع علاقات تجارية واسعة مع مختلف دول العالم (وبينها دول عربية). كما ان الاصلاحات التي أجريت على النظام السياسي وفر لها الاستقرار. وقد خرجت معافاة من الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي جرت ما بين عامي 2000 إلى 2004 والتي أدت إلى مقتل 1947 «اسرائيليا» و3100 فلسطيني. كما ان الحواجز «الاسرائيلية» المقامة في الضفة الغربية وتعاون السلطة الفلسطينية أمنياً معها، كانا يجلبان لهم شعوراً بالاطمئنان. لقد كسر الانسحاب من قطاع غزة محرمة التخلي عن المستوطنات. أما الحرب ضد «حزب الله» في صيف عام 2006 فقد كانت فاشلة. الا أنها أدت إلى إعادة بناء الجيش «الاسرائيلي» على أسس جديدة.

تقول مصادر عسكرية ان «إسرائيل» منذ حرب تموز عام 2006، أعادت برمجة أنظمة التسلح والخطط الاستراتيجية لدى الجيش «الاسرائيلي»، وإنشاء ما يشبه الجسر الجوي بينها وبين الولايات المتحدة لتعزيز قدرات الجيش بالأسلحة المتطورة والحديثة. ففي مجال سلاح الجو عملت «إسرائيل» على تطوير طائرة تجسس من دون طيار تحمل اسم «ايتان» لديها القدرة على إصابة أهداف في الجو وعلى الأرض. ويمكنها البقاء في الجو لفترة طويلة فوق مناطق إطلاق الصواريخ لتدميرها. كما وقعت الحكومة «الاسرائيلية» عقداً مع الولايات المتحدة الأميركية لتزويدها بـ25 طائرة مقاتلة من طراز F 35 وشراء طائرات شحن من طراز C 130 والحصول على مقاتلات جوية من نوع F 22 «رابتور» التي يمكنها التحليق وتجنب الرادارات. وهي من المقاتلات المتطورة جداً. وتسلح سلاح الجو «الاسرائيلي» ثلاث طائرات تجسس حديثة من طراز ايتام Eitam الأميركية الصنع.

وتركز «إسرائيل» على تطوير ترسانتها الصاروخية وتعزيزها، حيث أجرت تجربة ناجحة على صاروخ باليستي وهمي سيستخدم في نظام متطور لاعتراض الصواريخ. وطورت مؤسسة «رافئيل» صاروخاً باسم العصفور الأزرق «بلو سبارو» وهو يطلق من مقاتلة على علو مرتفع. كما استخدمت أخيراً «قبة الحديد» لاعتراض الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى. ولكن نجاحها لم يتأكد بعد.

كانت «إسرائيل» قبل سنتين تواجه الخطر النووي المحتمل من قبل ايران، وإحدى أقوى المجموعات العسكرية في العالم والتي تستخدم استراتيجية حرب العصابات والمتمركزة في جنوبي لبنان، والأصولية الاسلامية المنتشرة بين الفلسطينيين.

كان الجيش «الاسرائيلي» قد استبق تنحي مبارك بوضع خطة تحاكي مختلف السيناريوات المتوقعة في حال تدهور حالة مبارك الصحية. ولكنها وضعت بعد ذلك في الدرج. وقد سارعت قيادة الجيش «الاسرائيلي»، وبدأت بإعادة دراستها لملاءمتها مع الواقع الجديد. استعداداً لتنفيذها وقت الضرورة.

قال الصحافي «الاسرائيلي» آري شافيط في جريدة «هآرتس» ان الشرق الأوسط بعد شهر كانون الثاني عام 2011 لم يعد يشبه ما كان عليه قبل ذلك، ونحن نوافقه الرأي!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 28 / 2178040

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178040 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40