السبت 23 نيسان (أبريل) 2011

«ويكيليكس» كاشفة الأسرار

السبت 23 نيسان (أبريل) 2011 par د. عصام نعمان

يُلاحَق صاحب «ويكيليكس» جوليان أسانج في بريطانيا والسويد بتهمة لها طابع جنسي، ويقوم قضاة النيابة العامة في الولايات المتحدة بتحضير ملف لملاحقته بتهمة التجسس لكشفه برقيات ومراسلات كان سفراء أمريكيون قد بعثوا بها إلى حكومتهم.

الدافع إلى ملاحقة أسانج في الدول الثلاث كشوف موقع «ويكيليكس» بالدرجة الأولى. ذلك أن جهات متعددة، أبرزها الولايات المتحدة، تضررت كثيراً من كشف أسرارها ومخططاتها إزاء دول وحركات وتنظيمات مناوئة لها، لاسيما في المشرق العربي.

لن يكون لملاحقة أسانج قضائياً أي أثر سلبي في وثائق «ويكيليكس» وصدقيتها. فالوثائق التي يزيد عددها على ثلاثة آلاف في حرز حريز، وأسانج لا يتأخر في وضعها بمتناول من يطلبها وفق شروط سهلة. المهم في الموضوع أنها تنطوي على حقائق مذهلة من شأنها تعرية حكومات متعددة، في مقدمها أمريكا و«إسرائيل»، وعرقلة قدرتها على القيام بتحركات أو تنظيم اضطرابات أو شن حروب منافية للقانون الدولي ولحقوق الشعوب. باختصار، خدم أسانج من حيث يدري أو لا يدري مسائل الشفافية والصدقية والاستقامة وقضية السلام بين الأمم.

أقول خَدَم أسانج قضية السلام وذلك من نواحٍ عدة. فهو، بكشفه برقيات السفراء وخفايا الاجتماعات وأسرار المخططات التي تضعها الدول الكبرى لحماية مصالحها أو للنيل من أعدائها، فتح عيون العالم على هذا الجانب المظلم والظالم من سياسات دعاة الحرب ومجرميها سواء من السياسيين أو من الجنرالات. هذه الكشوف تحرج قادة الدول جميعاً، ولا سيما الدول الكبرى، وتجعل اللجوء إلى «خيار» الحرب أمراً بالغ الصعوبة.

أذهب إلى أبعد من ذلك فأقول إن أسانج، بمبادرته الشجاعة، أسهم في إضعاف الولايات المتحدة من حيث كشفه أسرار سياستها الخارجية ومخازيها الأمر الذي يُشجع أعداءها على تصعيد مستوى مواجهتهم لها، وبالتالي إكراهها على مضاعفة الأعباء المترتبة على التزاماتها الخارجية. كل ذلك في وقت تنوء ماليتها العامة تحت ثقل أزمة خانقة تربو فيها ديون الحكومة الفيدرالية على 14،3 تريليون (ألف مليار/بليون ) دولار.

للتدليل على خطورة ازدياد أعباء أمريكا الخارجية وتأثيرها في اقتصادها، نشير إلى نظرية المؤرخ البريطاني الأصل الأمريكي الإقامة والعمل البروفيسور بول كنيدي حول «صعود الإمبراطوريات وسقوطها». يقول كنيدي إنه ثبت من مراجعة واقعات التاريخ وتداعياته أن الإمبراطورية تبدأ بالهبوط ثم بالسقوط عندما تتعاظم التزاماتها الخارجية، خاصة تكلفتها المادية، فتصبح عاجزة عن الوفاء بها.

وكي نعطي فكرة عن تعاظم التزامات أمريكا الخارجية وتكلفتها الباهظة، نشير إلى أن لها حالياً في الخارج أكثر من ألف قاعدة عسكرية برية وبحرية وجوية ولوجستية في شتى القارات، وستة أساطيل تجوب المحيطات، وقد خاضت جيوشها وما زالت منذ مطلع هذا القرن حرباً في أفغانستان وعلى حدود باكستان، وحرباً في العراق، وحروباً مستترة ضد «الإرهاب» في شتى الأقطار والأمصار الأمر الذي كلّفها ويكلفها عشرات التريليونات من الدولارات.

ما الدور الذي تلعبه كشوف «ويكيليكس» في هذا المجال؟

منذ أيام، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» وثائق لـ «ويكيليكس» تكشف مبالغ بمئات ملايين الدولارات خصصتها إدارة جورج بوش الابن لتغطية ميزانية قناة تلفزيونية في لندن معارضة لسوريا. كما كشفت مساعدات مالية وفنية قدمتها واشنطن أيضاً لبعض مؤسسات المجتمع المدني في سوريا لتوجيه وتفعيل معارضتها للنظام.

«واشنطن بوست» لم تنشر الوثائق تلك دعماً لنظام البعث، ولكن إسهاماً منها في حملة الحزب الجمهوري في الكونغرس الأمريكي ضد التمكين لإدارة أوباما من استدانة المزيد من الأموال. ذلك أن الجمهوريين يعارضون، لأسباب مالية واقتصادية، تورط أمريكا في الحرب التي يشنها الغرب الأطلسي على ليبيا تحت ستار مساعدة المدنيين في المدن التي يحاصرها نظام القذافي بالحديد والنار. كما يعارض الجمهوريون، للأسباب ذاتها، إمكانية تورط الولايات المتحدة في تقديم مساعدات مالية ولوجستية إلى العناصر السلفية التي تتهمها دمشق بإطلاق النار على قوى الأمن كما على المتظاهرين والمصلين عند خروجهم من المساجد. وقد أثمرت مبادرة «واشنطن بوست» إذ اضطرت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إلى اتخاذ موقف معبر عن سياسة إدارة أوباما بقولها إن واشنطن ليست في وارد العمل على إسقاط النظام السياسي في سوريا.

ليس ما نشرته «واشنطن بوست» وحيداً في بابه. ها هو موقع مجلة «فورن بوليسي» يشير إلى وثائق سرية نشرها موقع «ويكيليكس» تكشف عن نشاط للدبلوماسيين الأمريكيين في كواليس الأمم المتحدة وهم يحاولون حماية قوات الاحتلال «الإسرائيلي» من أي تحقيق خارجي في المجازر التي ارتكبتها خلال عملية «الرصاص المسكوب» سنة 2008-2009. والمذهل أن سفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة سوزان رايس حاولت، ونجحت، في حمل الأمين العام بان كي مون على تجميد توصيات لجنة التحقيق الدولية برئاسة القاضي ريتشارد غولدستون، بل حملته أيضاً على وضع رسالة، بالاشتراك مع البعثة «الإسرائيلية» إلى المنظمة الدولية، موجهة إلى الدول الاعضاء يقول فيها إنه «يجب عدم اتخاذ أي إجراءات بناء على استنتاجات اللجنة وأن القضية قد أغلقت»!

لن يطول الوقت قبل أن ترتفع أصواتٌ في العالم، صادقة ورصينة ووازنة، من شتى الأوساط السياسية والثقافية والناشطة في مجال حقوق الإنسان، تطالب بتثمين ما قام به جوليان أسانج عبر موقع «ويكيليكس» وأهمية إسهامه الفريد وغير المسبوق في خدمة السلام العالمي، وبالتالي استحقاقه، بلا مراء، جائزة نوبل للسلام.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2166012

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2166012 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010