الخميس 28 نيسان (أبريل) 2011

مواجهة الثورات المضادة

الخميس 28 نيسان (أبريل) 2011 par د. علي محمد فخرو

لم توجد ثورة في التاريخ إلاً وواجهت ثورة مضادة لها تسعى لإرجاع تغييراتها وإصلاحاتها إلى الوراء، إلى أوضاع ما قبل الثورة. وبصورة عامة فانً قوى الثورة المضادة هي ضد كل ثورة مهما كان نوعها ومهما كانت مبرًّراتها، وبالتالي تتماثل مع قوى الرجعية والتخلُّف أو تتحالف معها من أجل تدمير الثورة واستئصال قادتها وفكرها.

إن تلك القوى لا تتردد عن نشر الأكاذيب والإشاعات والمهيٍّجات الطائفية والقبلية، عن القتل المعنوي لكل من يناصر الثورات، عن التجويع والطرد من الوظائف، عن العزل الاجتماعي، عن غلق المنابر الإعلامية، وعن الرًّشوة والإفساد، وذلك كلًّه من اجل صرف الثورات عن أهدافها وإسباغ الغموض والتشويه على منطلقاتها هو اذن يا ويل ثورة تضعف قبضتها بنفسها على الأحداث وعلى الواقع لتسمح للقوى المضادة برفع الرأس والتقاط الأنفاس. وهذا ما لم تسلم منه كل ثورات العالم بنسب متفاوتة. فالثورة المضادة للثورة الانكليزية في القرن السابع عشر، وللثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر، وللثورة الإسبانية في القرن التاسع عشر، وللثورة البلشفية الروسية في أوائل القرن العشرين.. هذه الثورات المضادة لا تزال متواجدة في شكل كتابات أو حركات سياسية هامشية في كل تلك البلدان بالرًّغم من مرور القرون على البعض والعقود الكثيرة على البعض الآخر. وهناك بالفعل منظٍّرون وناشطون ومموٍّلون يسعون لإرجاع عقارب السًّاعة إلى الوراء غير عابئين بمرور الزمن.

مناسبة هذه المقدمة هو التنبيه، وعلى الأخص لشباب الثورة العربية الكبرى عير الوطن العربي كلٍّه، بأن مواجهتهم للثورات المضادًّة ستكون طويلة الأمد وأنهم في المراحل الأولى سيواجهون الأهوال لصدٍّ خبث ولؤم وحقارة أساليب تلك الثورات المضادة. لن يحمل رايات النُّكوص رجالات الحكم والسلطة والانتهازية والارتشاء، أو رجالات الطفيلية الطائفية والقبلية والمالية الفاسدة فقط، وإنًّما سيحملها أيضاً بعض المحسوبين على الثقافة والفكر والإعلام وهؤلاء الأخطر والأشدُّ فتكاً.

رجالات السلطة وأعوانهم سيتهمون الشباب بالعمالة للخارج، بالعلاقات مع قوى الإرهاب، بحسدهم للناشطين الميسورين وبرغبتهم في تدمير الاقتصاد وطرد الاستثمارات. اما صانعو الرأي من فقهاء السلاطين وكتبة الارتشاء فسيتكفًّلون بالأهم والأخطر: بخلق كل أنواع الشكوك حول طبيعة الثورة وحول أوصاف القائمين بها. لنلاحظ كيف مثلاً يصاب هؤلاء بالغضب المجنون عندما تطلق كلمة الثورة على حراك الشباب، إنهم يفضلون كلمات من مثل الاحتجاجات والاعتصامات الفوضوية. لنلاحظ كيف يجن جنون هؤلاء عندما يوصف هؤلاء الشباب بصناع تاريخ ومستقبل الأمُة. إنه تاريخ ومستقبل الأمة يصنعهما رجالات أنظمة الحكم وليس لابسي القمصان الرًخيصة والأحذية الممزًّقة.

لكن أقسى الحملات وأشدُّ التًّسفيه سيكونان من نصيب المثقفين والمفكرين والإعلاميين المساندين للثورة ولشبابها. هؤلاء ستكون كل كتاباتهم وأقوالهم السًّابقة موضع شك ونقد واستهزاء. ذلك أن محرٍّكي ثورات التَّضاد يعرفون جيداً بأن هؤلاء المفكرين هم الذين يهيٍّئون لقيام الثورات العظيمة وهم الذين يحافظون على نقائها وحيويتها وتوجهاتها بعد قيامها.

هنا نصل إلى نقطة مفصلية يحتاج شباب الثورة العربية أن يعوها: وهي أن الثورة التي لا تنتهي بأن تكون مشروعاً نهضوياً متكاملاً تصبح أكثر قابلية للإنتكاس أو الانحراف أو حتى السَّقوط المذهل على يد الثورات المضادة. ولايمكن أن يتبلور ذلك المشروع المطلوب بالنسبة للثورة العربية إلا بتلاحم وتعاضد وتناغم سريع يتم بين شباب الثورة وبين المفكرين المساندين لتلك الثورة. المفكرون المتعاطفون يستطيعون مساعدة الشباب على بلورة مشروع ثوري تغييري ليكون برنامج عمل عبر عدة سنين قادمة، فالثورة العربية لن تحقق كل أهدافها إلاً بعد بضع سنين. ذلك أن ما يراد تغييره كبير وعميق للغاية وما يراد بناؤه بالغ الضخامة.

أخيراً، أشرس الثورات المضادة هي التي تنتج عن انقسامات الثورة الأصلية. إنها كارثة الكوارث.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165962

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165962 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010