السبت 30 نيسان (أبريل) 2011

صحافة العدو : طردوا المراسلين الأجانب من سورية ثم بدأت عمليات القتل

السبت 30 نيسان (أبريل) 2011

قام أول من أمس كاتب المقالات وناشط حقوق الانسان السوري، ميشيل كيلو، والمخابرات تنفخ في قفاه، بالدفاع عن سلوك الرئيس بشار الاسد الوحشي. فعل هذا بطريقة معوجة محاولا ان يعرض موقف السلطة التي جندته في دمشق من غير ان يمس بصورته باعتباره محاربا جريئا من اجل الديمقراطية وحرية التعبير، وواحدا لا يخاف من الرقابة وبلطجية الاسد.

«الرئيس لا يرسل من اجل قتل الاولاد»، قال كيلو لقنوات التلفاز العربية. «بشار طبيب في تخصصه وأب لثلاثة اولاد. ولن يمس البتة بالصغار»، أضاف من غير ان يطرف له جفن، «أرسل بشار قوات عسكرية مع أمر واضح وهو علاج العصابات الارهابية المسلحة التي تسللت الى سورية». لكن عندما سُئل عن احتمالات بقاء السلطة أجاب: «لا أرى كيف سينجح بشار الاسد في التغلب على ذاك».

إن كيلو وهو في السبعين من عمره نصراني، يعرف السجون في دمشق من الداخل. فقد مكث مرتين في السجن: في سنة 1981 عندما حاول ان يقترح اصلاحات وديمقراطية، وفي 2006 عندما حُكم عليه بثلاث سنين حبس بسبب «اضعاف الروح المعنوية الوطنية وتعريض أمن الدولة للخطر». يقول م.ج، وهو من سكان دمشق صديق لكيلو في حديث الى «ملحق السبت» من هذه الصحيفة انه «جرت عليه اعمال تعذيب رهيب لا تخطر في خيال شخص سليم العقل، فقد علقوه منكوسا: وجوعوه ولم يتخلوا عن صعقات كهربائية ايضا».

أوجدوا شعارا لكل واحدة من الثورات في العالم العربي. في تونس كان محمد بو عزيزي، بائع الخضراوات الذي أحرق نفسه بعد ان تلقى صفعة من شرطية. وفي مصر خالد سعيد الذي قُتل بضربات من رجال شرطة انقضوا عليه في مقهى انترنت شعبي في متنزه الاسكندرية. ورمز الثورة في سورية هو مصطفى عياش ابن الرابعة عشرة الذي خرج مع 14 من اصدقائه لكتابة كتابات جدارية على الجدران في مدينة درعا زمن الاستراحة في المدرسة. كتب الفتيان من درعا «نريد حرية»، و«امنحونا حياة أفضل». وفي خلال وقت قصير وصلت اليهم ذراع السلطة الطويلة وحُملوا في شاحنة واعتُقلوا. حدث هذا قبل ستة اسابيع بالضبط. «عندما تحين لحظة ان يحاسب نفسه»، يقول م.ج، وهو في الثانية والاربعين، الذي نجح في ان يهرب هذا الاسبوع من سورية الى الاردن، «يجب على بشار الاسد ان يتذكر مجموعة الفتيان الصغار من درعا. لم يتجرأوا على انتقاده وقلدوا شعارات ميدان التحرير في مصر فقط، لكنه زج بهم في السجن وبعد اسبوعين أرسل شبيحة لقتل آباء عدد منهم».

ينبغي ان ننتبه الى موقع درعا التي سمع قليلون في العالم عنها الى ما قبل شهرين. فهي من جهة مدينة متوسطة نائية تقع في منطقة حوران السورية. سكانها وهم أكثر من مليون نسمة بقليل، من المسلمين السنة لا من أبناء الطائفة العلوية التي تمسك بزمام السلطة، وهي من جهة اخرى تقع على مفترق طرق استراتيجي وتحاذي الاردن. حتى المدة الاخيرة كانت تأتي اليها كل صباح عشرات الشاحنات من الاردن، كان سائقون يدفعون البقشيش الى رجال الشرطة ويتابعون السفر الى سورية. «تصل نسبة ثابتة من الدفعات الى رجال رامي مخلوف ابن عم الاسد»، يقول م.ج.

يتحدث م.ج ايضا عن تجربة شخصية ويقول: «حلمت دائما بسيارة. وفرت مبلغا يعادل 5 آلاف دولار واستقليت سيارة مستعملة عن طريق المعبر الحدودي في الاردن. ولسوء حظي تعقبني بعضهم وضبطوني. إما ان تدفع 200 في المائة ضرائب، قال لي الضابط من المخابرات، وإما أن أصادر سيارتك. حاولت المساومة وقلت له تعال نتقاسم نصف نصف، فعاند. أكان لي خيار؟ سلمت الضابط السيارة وبعد اسبوع رأيت أحد أقربائه يجلس وراء المقود».

يوجد واقع مشابه ايضا في الحدود مع لبنان، بيد ان المال هناك يبلغ أبناء عائلة الأخرس اخوة زوجة الرئيس أسمى الأخرس الاسد. يعرف مهربو السلع الى ميناء اللاذقية ايضا انه يجب عليهم ان يدفعوا من الطرف. لا توجد صناعة في سورية. يعتاشون على التصدير، وتُثري السلطة من رسوم الرعاية مثل عائلة مافيا. يحدد مبلغ «عن جانب» لكل كرتونة، يمضي الى أصحاب ملايين في القيادة. «الأثرياء في سورية يزدادون ثراء بسبب الارتباط بين المال والسلطة، ومن أراد البقاء دفع دون ان ينبس»، يقول التاجر اللبناني ميخائيل د.

هذا الاسبوع سافر ميخائيل د في سيارة محملة بالسلع من بيروت الى دمشق مسافة ساعة سفر ونصف الساعة. وعندما عاد الى لبنان استقر رأيه على أخذ مهلة وألا يعود الى سورية حتى يمضي الغضب. «عندما رأيت المتظاهرين يمزقون صور بشار ويحطمون التمثال المذهب للرئيس السابق حافظ الاسد، تذكرت ايام صدام حسين الاخيرة وأدركت ان الامر في سورية قد انتهى»، يقول. «المستبدون لا يتنازلون بلا عنف. المسألة مسألة وقت فقط: فبعد شهر أو نصف سنة لن يكون بشار في «قصر الشعب». أسقط الجماهير حاجز الخوف ولا ينوون ان يدعوا بشار وشأنه. سيرسلون عليهم دبابات وشبيحة ويقتلونهم ويهددونهم بالتعذيب في السجن ولن يساعدهم هذا. كذلك حراسة السلطة التي تريد البقاء لن تساعدهم. فالجماهير اليائسة لم تعد تصدق أي كلمة».

[**زيارات منزلية للمتظاهرين*]

لا تشبه الثورة في سورية الانتفاضة في تونس أو المظاهرات التي أفضت الى تنحية الرئيس مبارك. «ففي تونس أبعد الجيش بن علي الفاسد، وفي مصر مضى مبارك قبل لحظة من إركابه في المروحية العسكرية بالقوة، أما في سورية فما يزال الجيش مع الاسد، لكنه حذر من أن ينشر الجنود في جميع المدن الكبيرة كي لا تبدأ موجة رفض أمر قتل مدنيين»، يُبين م.ج السوري. «يظنون خطأ ان كل القيادة في اجهزة الامن في أيدي العلويين. الواقع مختلف: فهناك ايضا ضباط كبار من السنيين وجنود أكراد ولا يمكن الاعتماد عليهم ان ينفذوا مجزرة في اخوتهم باسم سلطة بغيضة، وهذا ما يدعو الى القاء المهمات الوحشية على الشبيحة من أبناء الطائفة العلوية، لكنهم لا يستطيعون قتل ملايين دون ان يشوش أحد ما على هذا الهياج. حتى وإن لم تخرج الصورة الكاملة الى الخارج فان العالم لا ينوي ان يسكت».

ابراهيم، وهو اكاديمي من لبنان، يمنح المتظاهرين في مدن سورية الساحلية خدمات خلوية. فهم يستعملون الذبذبة الخلوية لواحدة من شركات الهواتف الكبرى الثلاث في لبنان ويرسلون صورا ونصوصا، وهكذا مع تأخر يوم تصل التقارير من الميدان عن الجثث الملقاة في الشوارع وعن القناصة الذين يفرضون منع التجول. «لا يعلم أحد كم قُتل بالضبط ومن اختطفوا واحتُجزوا»، يقول ابراهيم.

دخل الشبيحة وهم زعران النظام ذوو الملابس السوداء هذا الاسبوع بالقوة البيوت السكنية في درعا. أطلقوا النار على الشباب واعتقلوا من اعترضهم وسلبوا كل ما وقع تحت أيديهم. يتسلل الشبيحة مثل مرتزقة القذافي خلال المظاهرات ويصورون قادة الاحتجاج سرا. بعد ذلك في الليل يزورونهم «زيارات منزلية». «نحن في الحاصل ننفذ عملية جراحية لطيفة لابعاد الورم الخبيث الخطر»، بيّن الاسد هذا الاسبوع لمحرر الصحيفة الاسبوعية السورية «الوطن». انه نفس الاسد الذي سخر من مبارك قبل شهرين في مقابلة صحفية مع الصحيفة الامريكية «وول ستريت جورنال». «عندما يكون لديك ماء عكر فلا عجب ان تهاجمك الجراثيم وتجد نفسك محاطا بقمامة وتعرض وضعك للخطر». وأعلن الاسد الذي قصد الى «الماء العكر» لاتفاق السلام مع «اسرائيل» انه «لا يوجد في سورية خطر عصيان مدني. فلا أحد سيخرج للتظاهر على السلطة لأننا لم نصنع سلاما مع «اسرائيل» بخلاف ارادة المواطنين».

صفعه الواقع على وجهه. «بسبب نظام الحكم الديكتاتوري صار للسوريين صيت شعب منحط، فلاحين ومساكين وفقراء وجبناء»، يُبين ابراهيم. «لا أحد يعرف الثقافة والعطش السياسي. فسورية مجتمع شديد حب الاستطلاع مع وعي لما يحدث حولها. بسبب الانغلاق خاصة يلتصق البالغون بـ «الجزيرة» والـ «سي.ان.ان» ويعرفون كيف تبدو حياة مختلفة أفضل. والشباب مرتبطون بالشبكات الاجتماعية. إن الفيس بوك والتويتر بالنسبة اليهم يقودان الثورة الحقيقية».

«في «اسرائيل» كما في الولايات المتحدة لم يستوعبوا حجم تأثير الشبكات الاجتماعية في نظم الحكم الديكتاتورية»، يضيف م.ج.

«عندكم يحل قول كل شيء بصوت عال وان تنشروا في الصحف كل ما تهوون عن السلطة وعن رئيس الحكومة وعن اجهزة الاستخبارات والجيش. أعلم انه توجد لديكم رقابة على الشؤون العسكرية لكن يحل لكم الجدل في الصالونات السياسية. أما عندنا فانه عندما تولى بشار الحكم في سنة 2000، افتتح الصالونات السياسية وبدأ الناس يتحدثون بلا خوف من التنصت. لكن بعد ثلاثة اشهر ذُعر أو ذعره مستشاروه فأُغلقت الصالونات. أوضحوا لنا أننا ننكص الى الوراء وأن من يتجرأ على الانتقاد سينتهي به الامر الى السجن.

«فجأة أصبح الشباب محبطين. فملايين من خريجي الجامعات بلا مستقبل وبلا أمل يتبين لهم كيف أخرج ذلك الشاب من غوغل، وائل غنيم، الملايين الى شوارع مصر. في البدء أرسلوا رسائل تشجيع الى القاهرة ورأوا أن الاجهزة في دمشق لم تضبطهم. بعد ذلك جاء أصحاب البلوغات ومدمنو التويتر وقالوا: تعالوا نحاول فربما ينجح الامر. لسنا شعبا غبيا، نحن شعب ألمعي. أصبحت الشبكات الاجتماعية عندنا واحة صحراء. ارتبط الناس عندنا ايضا بمنظمات المعارضة السورية في اوروبا وحصلوا منها على أفكار. «لماذا لا تخرجون للتظاهر كما في مصر واليمن؟ اقترحوا علينا».

ويستعيد ابراهيم اللبناني متذكرا: «قبل شهرين، عندما طُرح في الشبكة موعد المظاهرات في سورية أصيب الجيل البالغ بالذعر. حذروا الشباب من ان ذلك سينتهي الى عنف وأنذروا بأن بشار لا يعرف التعامل مع شعبه بقفاز لطيف. قالوا انه لا يتجرأ على اطلاق النار على «اسرائيل» لاعادة الجولان لكنه لن يتردد في اصدار أمر اطلاق النار على مواطنيه. وقالوا ايضا ان الطائفة العلوية لن تتخلى عن التمسك بالمقاعد الوثيرة وانه لا أمل في الانتصار عليهم. لكن الشباب رأوا ما حدث في اربع دول عربية اخرى وقرروا انه لا يوجد ما يخسرونه.

«آنئذ وقعت حادثتان: اعتقال الاولاد في درعا والسلطة التي ذُعرت وسارعت الى الافراج عنهم، وبعد ثلاثة ايام خطبة بشار في الجلسة الافتتاحية التي لم يقل فيها شيئا في الحقيقة. فبعد ان أرسل متحدثيه وعلى رأسهم بثينة شعبان ليروجوا لطائفة من الوعود، لم يتم تنفيذ شيء. بل انهم لم يلغوا قانون الطوارئ برغم ان الرئيس أقسم بأنه سيُلغى بعد لحظة».

[**عدو بشار الكبير*]

إن س.م الاردني هو ايضا اكاديمي تابع هذا الاسبوع اغلاق المعبر الحدودي بين سورية والاردن. «يشك قادة الاجهزة في دمشق في ان لبنان والاردن وقطر والسعودية تنقل سلاحا ومعدات واموالا الى المتمردين في سورية، قد يكونون على حق، فربما مرت ارساليات كما نقلت ايران الى سورية ايضا معدات محكمة لتفريق المظاهرات وسلاحا. ففي الحاصل سورية هي ساحة اللعب في صراع القوى بين ايران والسعودية، لا أحد في الحقيقة يحسب حسابا لبشار. آيات الله يريدون ان يبقى بشار الضعيف والهستيري كي يستطيعوا الاستمرار في «الزحف الاسلامي». ويريد السعوديون ان يرحل بشار وان يأتي بدلا منه زعيم سني يجابه شيعة ايران و«حزب الله»».

وفي حين يهيج هياج «الشبيحة» في شوارع درعا تضطر وسائل الاعلام المجندة الى ان تكون فم السلطة. «ليس دقيقا انهم منعونا من الابلاغ»، يقول الياس مراد رئيس اتحاد الصحافيين السوري متلعثما. «الميدان يشتعل في درعا، واقام الجيش حواجز في الشوارع التي تربط دمشق بالمدن الكبيرة، ولا سبيل للوصول ولهذا نساعد السلطة».

يُفسر م.ج التعتيم الاعلامي تفسيرا مختلفا شيئا ما: «إن من يتذكر فظائع المجزرة في حماة في سنة 1982 عندما قُتل عشرون ألف مواطن بدم بارد، يجب ان يفهم كيف يعملون في سورية. أُغلقت المدينة آنذاك مثل درعا وانتقل الشبيحة من بيت الى بيت وحصدوا الأرواح برشاشات. لا توجد الى اليوم صورة واحدة توثق المجزرة. ولا ذكر لجثث القتلى فقد دُفن الجميع بسرعة مدهشة ولم يرَ أحد. هذا ما يحاولون الآن فعله بالضبط في اطار «العملية الجراحية اللطيفة» لبشار. فقد أبعدوا المراسلين الاجانب وهددوا الصحافيين المحليين، لكنهم لا ينجحون في مجابهة الشبكات الاجتماعية. أصبحت يو تيوب والفيس بوك فجأة عدو بشار الأكبر».

يتوقع الجمعة موجة اخرى من المظاهرات في سورية بعد الصلاة في المساجد مباشرة. أرسلت الاجهزة مئات الدبابات الى ضواحي دمشق وأغلقت الطريق السريع وانشأت حواجز ونقاط تفتيش على الشوارع الرئيسة. وتلقى الشبيحة أمرا بمغادرة درعا وأن يلبسوا ملابس «عادية»، وان يتسللوا الى المسيرات ويطعنوا ويطلقوا النار ويختطفوا منظمي المظاهرات. يهاتف ابراهيم صوان، وهو ناشط حقوق انسان سوري من دمشق، اصدقاء في عمان وفي بيروت ليقول ما الذي يقلق بشار الاسد: «توجد في هذه الاثناء انتقالات في نطاق محدود من الجيش الى المتظاهرين، ومن يرفض الامر العسكري يختفي. وما يزال الساسة الذين استقالوا من الحزب الحاكم احتجاجا لا يهددون النظام. لكن اذا نشبت المظاهرات دفعة واحدة في دمشق وحلب وحمص فسينتهي الامر بأسرع مما يُقدر الخبراء. تُنتظر اليوم المعركة الحقيقية. الدبابات والمدرعات والجنود وناس اجهزة الامن والشبيحة المسلحون بازاء المعسكر الغاضب. لن نعجب اذا أرسل الايرانيون مددا من شرطة الباسيج. يبدو ان طهران وحدها هي التي تريد الحفاظ على بشار».

- **«يديعوت»



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2176700

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2176700 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40