الاثنين 2 أيار (مايو) 2011

أول إنجاز قومي لثورة مصر

الاثنين 2 أيار (مايو) 2011 par د. كلوفيس مقصود

فوجئت «إسرائيل» بالمصالحة التي تمت بين حركتي «فتح» و«حماس». وتصرفت كأنها فوجئت بما تمكنت مصر الثورة من تحقيقه في أسابيع. فما كان من نتنياهو إلا أن صرّح بأن على رئيس السلطة أن «يختار بين المصالحة مع «إسرائيل» أو مع «حماس». كان الرد على هذه الحماقة التي يستولدها الغرور المطلق. حيث أضاف «لن يكون من سلام مع الاثنين».

وكما كان متوقعاً كان تعليق البيت الأبيض أن (حماس) «منظمة إرهابية». ثم أضاف «إن أية حكومة فلسطينية عليها أن تحترم الاتفاقيات السابقة وأن تعترف بحق «إسرائيل» بالوجود».

وكان لابد لشمعون بيريز الإدلاء بدلوه بقوله «إن العالم لا يستطيع تأييد إقامة وطن عندما يكون جزء منه تنظيماً إرهابياً مفترضاً» ثم أضاف. «إن الانتخابات المقبلة قد تأتي بمنظمة إرهابية قد تحكم غزة ويهوذا والسامرة (الضفة الغربية) وانتصار سياسات «حماس»». بمثل هذا المزيج من غطرسة نتنياهو وهذيان بيريز. ناهيك عمّا يدعو إليه ليبرمان من رد عسكري فوري. واستباق للإفراج عن عناصر «حماس» من سجون «فتح». أجل إن ردود الفعل «الإسرائيلية» تصل إلى حدود الهستيريا على ما توفره المصالحة الفلسطينية من مناعة للوحدة الوطنية. حيث كان يجب ألا يحصل هذا الشرخ في مرجعية مقاومة الاغتصاب الذي مارسته «إسرائيل» من خلال الإمعان في التمدّد الاستيطاني. إن ذلك يؤكد بما لا يرقى إليه شك أن «إسرائيل» تصرفت على أساس تفكيك. ثم تفتيت شرائح الشعب الفلسطيني والاستفراد بالسلطة الفلسطينية من خلال إلغاء نهائي لأي توازن محتمل. حيث إن اتفاقيات أوسلو ودور مصر المطبّعة أسهما عن قصد أو عن تجاهل في استمرار الشرخ وفداحته بين السلطة و«حماس». وذلك بدوره يفسر الحالة التي وصلت إليها ما تسمى زوراً «خريطة الطريق ومسيرات السلام».

وإذا كان من أسباب تخفيفية لانزلاق السلطة الفلسطينية في المباحثات الموصوفة خطأ بـ «المفاوضات» استولد الشرخ الهائل في وحدة المرجعية الفلسطينية. فقد يكون هذا ناتجاً عن كون فلسطين المحتلة محاطة بدولتين لديهما علاقات دبلوماسية مائعة أحياناً ومتنامية أحياناً أخرى مع «إسرائيل» التي لا تعترف بأي حدود لها! أكثر من ذلك فإن «إسرائيل» تستهدف الضفة الغربية وحدها في مسلسل «حلقات مسيرات السلام». في حين أن قطاع غزة هو بمنزلة «كيان عدائي». وذلك يفسر شراسة ردود الفعل على اتفاقية المصالحة الفلسطينية التي كانت باكورة الإنجازات المتوقعة للثورة المصرية. وكذلك القرار المتوقع لرفع الحصار المفروض من العهد البائد على قطاع غزة. والذي وصفه وزير الخارجية المصري نبيل العربي بأنه «مخجل». إن شراسة الردود «الإسرائيلية» على المصالحة وما قد يستتبعها من خطوات إيجابية متوقعة. هي فرصة تريد «إسرائيل» من خلالها المضي في تحدي القوانين والقرارات الدولية وهو أمر مارسته منذ قيامها.

إن «إسرائيل» غيبت حقوق الشعب الفلسطيني وهذا ما يفسر أن وحدة المرجعية الفلسطينية سوف تمهد لإعادة بلورة قدرات الردع العربية وفي طليعتها قدرات مصر العروبة. كما هذا بدوره سوف يعيد للقضة الفلسطينية مركزيتها في الوجدان العربي والضمير العالمي. وفي هذا المضمار تعمل «إسرائيل» جاهدة لجعل كل انتقاد لها أو اعتراض على ممارساتها. يشكل انتقاصاً لشرعية وجودها. ويترافق مع هذا الازدراء بعقول الناس امتناعها الدائم عن تعريف حدود دولتها. واتهام مقاومة جادة لاعتداءاتها واحتلالها بأنها «إرهابية». مستندة في هذا المسلسل من التشويهات للحقائق والتحريف لمعاني المصطلحات. إلى إشعار المجتمع العالمي بالذنب بأنها كيان مهدّد. ولذلك هي تمارس منذ قيامها إهدار حقوق شعب فلسطين. داخل الخط الأخضر. وفي القدس وفي جميع الأراضي الفلسطينية. وأيضاً حق اللاجئين في العودة.

أجل كل محاولة لكشف كذب وزور ادعاءاتها هو دليل على سامية كامنة أو ظاهرة. في هذا المضمار تمكنت «إسرائيل» من ممارسة هذا التضليل.

إلا أن عودة مصر إلى ممارسة درورها الرائد الواعد سوف يضع حداً لتمادي «إسرائيل» في الانفلات من المساءلة الجادة. كما أن الانتفاضات العربية في العديد من أقطار الأمة التي تم توصيفها بـ «الربيع العربي». وبالرغم من أن البعض منها لايزال متعثراً. تعبر عن حيوية الالتزام بالحقوق القومية والإنسانية. كما في جدية الإصرار على تحقيقها. وأيضاً في تحقيق التكامل العربي. وتمكين شعوب الأمة من استرجاع تداخلها. وبما يوفر للتنمية فرصتها. وللمواطنة حضورها وكرامتها.

إن تسارع الخطوات المستنيرة التي تلاقي تجاوباً كبيراً لدى الشعب المصري بل لدى شعوب الأمة العربية. يدل على الحاجة الماسة إلى الدور المصري في صناعة مستقبل واعد لمصالح وحرية أفراد الأمة.

هذا كله يفسر حماقة وانفعالية الردود «الإسرائيلية» على اتفاقية المصالحة الفلسطينية. فـ «إسرائيل» تدرك أنه لن يكون سهلاً عليها بعد الآن الاتكال على مصر «محايدة» في ما تقوم به من اعتداءات على المقاومة في قطاع غزة. كما حصل عام 2009. كما أن ما تسوّقه «إسرائيل» على أنه اعتداءات على مدنيين من قبل عناصر غير منضبطة. فهي تبقى مندرجة في إطار عمليات ثأرية مناقضة لثقافة المقاومة. في حين أن «إسرائيل» تقوم بوساطة جيشها ومستوطنيها باستهداف المئات. بل الآلاف من المدنيين واللجوء الدائم إلى سلاحها الجوي لتنفيذ مسلسل من الاغتيالات والقتل الجماعي.

إن القتل الجماعي الذي تمارسه «إسرائيل» هو النمط الذي ميّز سلوكها ولايزال. إضافة إلى أنها تعمل على تكريس مفهوم أن عمليات القتل هذه هي من مستلزمات «الأمن الإسرائيلي».

في الأيام القليلة المقبلة يصل نتنياهو إلى العاصمة الأمريكية لإلقاء خطاب أمام منظمة «الإيباك» التي تشكل آلية تعميم سياسات «إسرائيل» وطلباتها. وهي قوة ضغط ذات نفوذ خاصة في الكونغرس الذي سوف يستضيفه لإلقاء خطاب أمامه. وبرغم أن قيادة الحزب الجمهوري تعمدت من خلال هذه الدعوة إحراج الرئيس أوباما وإبرازه «كرئيس يضغط على الحليف الرئيسي للولايات المتحدة» كما ورد في تبرير دعوة الكونغرس. ستسعى قيادة الكونغرس إلى التذكير بأن مصر الثورة ستقيم علاقات مستقيمة. الأمر الذي تراه «إسرائيل» أنه يضع أمامها المزيد من التحديات والأعباء العسكرية. وهذا بدوره سوف ينطوي على مزيد من المساعدات العسكرية. وكأن هذا «الجديد» هو دليل على أن مصر الثورة تنسحب من حلف «الدول المعتدلة». وكأن «الاعتدال» يقاس بمدى دفء العلاقة مع «إسرائيل» أو الاستعداد البطيء لتطبيع العلاقات.

طبعاً هذا هو التحدي الذي جسّدت أضراره المحتملة الصور الرائعة لانتفاضتي تونس ومصر. واكتشاف الرأي العام الأمريكي خاصة والعالمي إجمالاً الحيوية الكامنة التي كانت مكبوتة ومهّمشة وإذ بها تخترق أنظمة الاستبداد بنجاح أحياناً. وبتعثر أحياناً أخرى. لكن رغم هذا التباين فإن الربيع العربي. كما يسمى. أرجع التعامل مع العرب كأمة واحدة. وأن شعوبها قادرة على تحقيق مطالبها المشروعة .

والمصالحة في فلسطين خطوة في هذا الاتجاه. وهذا يمثل مفاجأة حقيقية ل «إسرائيل». وهو سر عشوائية انفعالاتها. وإن بمفردات يتقنها نتنياهو. مطالباً الولايات المتحدة باستمرار الالتزام بضرورة «التفوق الاستراتيجي» على كل العرب. وكأن الإلهام الذي حصل كان وهماً أكثر منه إلهاماً. فيبقى نتنياهو وحلفاؤه في «إسرائيل» وفي الكونغرس في حالة إنكار. بذريعة أن العالم يعمل على نزع شرعية «إسرائيل» رافضاً الإقرار بأن عدوانه وعنصريته وتخلف عقائده الصهيونية وسلوكه في رفض حق العودة والإمعان في التمدد الاستيطاني وممارسته القمع وهدم المنازل والضم القسري للقدس .. أجل كل هذه وأكثر هي التي تدفع «إسرائيل» بكونها هي التي تنزع الشرعية عن نفسها. وهذا ما يؤكده المجتمع الدولي .

من هذا المنظور تجيء مصر من خلال إنجاز مصالحة بل وحدة لمقاومة ناجعة باكورة لتحرير فلسطين. ما يؤول إلى تحرير اليهود من التقوقع العنصري والإرهاب الفكري الذي يمارسه كل يهودي يحتكم إلى ضميره. كما دلّ الإرهاب المعنوي الذي مارسته «إسرائيل» على القاضي غولدستون وريتشارد فولك وغيرهما المئات ممن يؤكدون القيم الروحية والأخلاقية لدين مكون لإثراء الحضارة وقيم وحقوق الإنسان.

ما حققه «الربيع العربي» أصبحنا نتعامل مع ما كان مستحيلاً بكونه صار ممكناً. وإن لم يكن فوراً فقريباً. هذا ليس من باب التمني بل من باب التوقّع. رغم الحواجز والعراقيل والصعوبات. وهي كثيرة. لكن كما تردد في ثورات الربيع العربي «إذا الشعب يوماً أراد الحياة. فلا بد أن يستجيب القدر». هذا ما حصل. وهذا لا بد أن يحصل من خلال وضوح الرؤية واستقامة البوصلة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 57 / 2165569

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

31 من الزوار الآن

2165569 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 32


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010