الأربعاء 18 أيار (مايو) 2011
عمرو موسى «بطل» ضمن نظام مبارك

انسَ يا عمرو!

الأربعاء 18 أيار (مايو) 2011 par وائل عبد الفتاح


I

لا تكشف ملامح عمرو موسى عن عمره بوضوح، ولن يتخيل من لم يقرأ سيرته أنه في الخامسة والسبعين. عمرو موسى راكب موجات، مع مبارك ركب موجة الرغبة في وجود صوتين داخل الدبلوماسية المصرية، وبعد مبارك ركب موجة «الوجه النظيف» من نظام سقط مع الثورة.

عمرو موسى ابن نظام، وسليل موظفي الدولة الناصرية، ابن عائلة مهاجرة من أرياف الغربية والقليوبية، تخرج من كلية الحقوق (مصنع الوزراء في العصر الملكي)، لكنه انضم إلى قسم الأبحاث في وزارة الخارجية المصرية سنة (1958) قبل أن يطير بين السفارات ويستقر حاملاً خصائص دبلوماسية عصور مختلفة ليوظفها في خدمة مبارك، ورغبته في أن يحجز موقع مصر في المنطقة، من دون أن يفعل بها شيئاً.

عمرو موسى يدخل عالم السياسة من بوابة الدبلوماسية. دبلوماسية صنعت له عند قطاعات صورة «آخر الرجال المحترمين» في نظام عاش على حكمة بليدة تخزن القوة في ثلاجات عملاقة. مجرد نبرة مختلفة عن نغمة هذه الحكمة، اقتنصت لعمرو موسى شعبية، ليس فقط بين نظام مبارك، ولكن بين أنظمة عربية تعيش في عراء سياسي. تدخل بإرادتها متاهة سياسية... ومثل الحاكم بأمر الله اختفت في الصحراء وذابت جثتها... لكنها حتى لا ينتظرها أحد، ولا تتلقى في متاهتها سوى اللعنات المؤجلة.

عمرو موسى أصبح بطلاً وسط حكام عرب غارقين في حكمة من نوع غريب، يقودها عقل كسيح لا يفكر. يفلسف العجز. ويضع العقل وحده في الفراغ... ضد العاطفة والروح والإرادة والكرامة. عقل لا يصنع شيئاً.

عمرو موسى هو الناجي الوحيد من النظام، ويبحث باسم هذه النجاة عن المقعد العالي.

II

«انسَ يا عمرو». الجملة المشهورة في أحد الإعلانات أصبحت شعار الحملة ضد وصول عمرو موسى إلى مقعد الرئيس. «عمرو» كما تراه الحملة لا بد أن ينسى (أحلامه في الكرسي) لأنه ابن نظام، وعاش في خدمته، ولا بد من أن يرحل معه. هو استمرار لا تغيير، وتواصل لا انقطاع، هو سلالة موظفي الأنظمة، وإن وضعته صدفة اكتشاف الكاريزما في طابور مختلف عن كل موظفي مبارك وأنظمته الحليفة في العالم العربي.

عمرو موسى أنيق، يحب فخامة الدبلوماسية، ويعيش منذ اكتشاف إمكان اللعب على الكاريزما، بشعور خفي بعظمة النجم الممنوع من الصعود على المسرح. رغم أنه ليس ممنوعاً، ونجوميته قامت على أطلال «تراجع» النظام الذي عاش في ظله.

الجمهور المصري كان تعيساً، مثل شعوب تبحث عن أبطال يعوضون شعور العجز بالتعلق بأطراف بطل، أو من يوحي بالبطولة. شعبية موسى ولدت من نبرته، مجرد النبرة المختلفة عن لحن رتيب، وخصوصاً عندما علا صوته في الهجوم على البرنامج النووي «الإسرائيلي» لمناسبة تمديد معاهدة حظر الانتشار النووي سنة 1992.

وقتها، كان عمرو اللاعب المتاح لدور «تشجيع النظام»، في إطار سياسة لم تعتمد على مواقف واضحة أو قواعد استراتيجية لها علاقة بقوة مصر في المعادلة الإقليمية، لكن على المسافة المتاحة بين صوتين مختلفَي النبرة، يسيران إلى النقطة نفسها ويحققان الهدف نفسه تقريباً.

عمرو موسى ابن هذه المسافة التي سمحت له بقيادة الاعتراض على دمج «إسرائيل» في المنطقة عقب اتفاقيات أوسلو 1993، وذلك عبر مشروع بيريز الشهير «الشرق الأوسط الكبير». عمرو موسى صنيعة عجز نظامه، وأصبح «الرجل الذي قال لا لـ «إسرائيل»»، وبدا هو وحده في مقابل «إسرائيل» بالنسبة إلى حس شعبوي عبّر عنه المغني الشهير شعبان عبد الرحيم، عندما غنى في أعقاب الانتفاضة الثانية في 2000 «بَحب عمرو موسى وبَكرَه «إسرائيل»».

III

«شعبولا» صاغ شعبية عمرو موسى. قدمها دواءً شافياً للذكورة العربية الجريحة. الرجل يعرف الكلام «شبه العنيف» في مواجهة «إسرائيل». اتسعت مساحة عمرو موسى على الشاشات بعد سنوات عصمت عبد المجيد القريب إلى الحكمة والزهد في الظهور. النجم بعد الحكيم، يظهر خاصة في لحظات لا بد من أن تظل فيها مصر حاملة المفاتيح، ومبارك لا يمكنه الخروج من نفق حكمته وعقلانيته الباردة، وكان لا بد من البحث عن لاعب يبدو مفارقاً لمزاج نظام عاش على حكمة بليدة تخزن قوة مصر في ثلاجات عملاقة.

مجرد نبرة مختلفة عن نغمة هذه الحكمة، اقتنصت لعمرو موسى شعبية خلال عشر سنوات (من 1991 إلى 2001)، لم تحقق فيها الدبلوماسية المصرية إلا استعراض عمرو موسى، الذي انتهى إلى لعنة الإزاحة عن المنصب… وكما يقال بسبب الأغنية نفسها التي نقلت نجومية عمرو موسى من أروقة الدبلوماسية إلى شارع يبحث عن أبطال.

بطولة مثيرة للجدل، لم ينتج منها سوى الوله والغرام الفاتن بالخطب والشعارات، وعبر 10 سنوات قضاها على رأس الدبلوماسية المصرية، لم تتغير سوى مساحة ظهور الوزير. الاختلاف أسهمت فيه أغنية شعبان عبد الرحيم الشهيرة.

يرى البعض أن الجزء المنتمي إلى النظام في عمرو موسى ميزة تجعله فريداً بين حاشية خاضعة. ويرى البعض الآخر أنها صورة مصنوعة، وتشير فقط إلى مهارات المعرفة بخطابات الاستعراض. لكنه مدني، ومن مدرسة «الدولة القديمة»، وتكونت له خبرات خارج النظام في الجامعة العربية. هذه مميزات يرد عليها فوراً «عمرو موسى هو عمرو موسى». حنجرة ولا فعالية.

IV

صورة عمرو موسى حملت لعنتها عليه أيضاً. حاسبه الجمهور على استعراضيته عندما غادر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قاعة مؤتمر دافوس 2009 احتجاجاً على عدوانية «إسرائيل» في حربها على غزة. كاد عمرو موسى يلحق بأردوغان. لكن إشارة من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ناداه فيها باسمه أعادته إلى مقعده، وحاسبته جماهيره على خيانة «البطولة»، وخصوصاً بعدما لم تتح له العدوانية «الإسرائيلية» المسافة اللازمة لاستكمال استعراضه الذي بني على الاعتراض على «مساحة» (إسرائيل)، لا توقيف جرائمها؛ فالشعبية بدأت أساساً حين طالب بيريز في مؤتمر التنمية في الشرق الأوسط، الذي دعت إليه روسيا وأميركا في 1995 أن تجرب قيادة «إسرائيل» للمنطقة، بعدما قادتها مصر لسنوات.

موسى مدافع لا يستطيع بناء المواقف السياسية، ولا نسج شبكات يمكنها أن تخرج عن حدود المواقف الرسمية؛ فهو ظاهرة صوتية، لا توقف الحركة على أرض الواقع، لكنها تضعها في منطقة حروب الاستعراض.

V

هكذا، إن موسى ابن النظام وشعبيته وظفت لمصلحته. وبغض النظر عن صدق أو تزوير وثيقة من الوثائق المسربة من قلعة جهاز أمن الدولة بعد ثورة 25 يناير، تقول الحكاية التي اعتمدت عليها الوثيقة إن شعبية عمرو موسى كانت توظف لمصلحة النظام. تقول الحكاية إن ضابطاً من ضباط الجيش مر على مكتب عمرو موسى وترك له رسالة تطالبه باستخدام جماهيريته في فض الاعتصام الموجود بجوار مكتبه في ميدان التحرير.

عمرو موسى مر على الميدان، ولم يقل كلمة واحدة، وتسربت فقط بضع كلمات، منها ما أشار إليه على استحياء عن رغبة الشعوب العربية في التغيير وأنه «في الخدمة إذا أراد الوطن».

وهذه تعبيرات ذكية تمسك العصا من منتصفها؛ فالرجل موقفه كان واضحاً في لحظة احتدام الغضب على مبارك، قال بوضوح : «سأنتخب مبارك إذا رشح نفسه». ووصف جمال مبارك بأنه «شاطر». كان هذا قبل الثورة بأسابيع، لكنه بعدها تغيرت مواقفه تدريجاً، بدأت بالوقوف في المنتصف «اتركوا الرئيس مبارك حتى أيلول 2011»، وانتهت بصنع صورة المعارض الشجاع لسياسات النظام، إلى حد أنه وصف نفسه بالمعارض للرئيس مبارك، طبعاً عندما أصبح سابقاً أو مخلوعاً، بل وقال إنه رفض عرض الترشيح الذي تقدمت به بعض الأحزاب أثناء حكم مبارك وجبروته بأنه لم يكن خوفاً، لكن رفضاً للترشح في ظل المادة 76 من الدستور قبل التعديلات التي فصلت من أجل الرئيس السابق ونجله، «ولأنني لا أقبل أن أكون جزءاً من الديكور الديموقراطي».

[**«ميني ديكتاتور»*]

يمكن إطلاق تسمية «ابن النظام عوام» على عمرو موسى، يبحث عن موجة جديدة تصنع له صورة الخارج على الرئيس، وهذه عملية تجميل متأخرة، تلبي احتياج جمهوره من شرائح المنتظرين لديكتاتور عادل، يمسك البلد بقبضة من حديد، ويقوده إلى بر الأمان. هؤلاء لا يرون الحل إلا في الديكتاتور، وتغريهم أناقة عمرو موسى ونجوميته. لا يرون فيه سلطوياً تربى في مؤسسات لا ترى الشعب إلا في وضع «المؤيد» والمصفق في وضع «الجمهور القابل للترويض».

ربما كانت المرحلة الانتقالية تحتاج إلى « ميني ديكتاتور»، يرث حسني مبارك ولا يعيد إنتاجه تماماً، لكن عمرو موسى لم يقدم ما يمنح الأمل في أنه قادر على العبور، وكل ما فعله هو إجراء رتوش على صورته المصنوعة على يد «شعبولا».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165490

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165490 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010