الخميس 19 أيار (مايو) 2011

دلالات انتفاضة الشتات الفلسطيني

الخميس 19 أيار (مايو) 2011 par د. خليل حسين

عندما ينبري رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، بوصف ما جرى في ذكرى النكبة، هو تعبير عن خلفية النظرة العربية، إلى أن الصراع مع «إسرائيل» هو صراع وجود لا صراع حدود، هو مُحقٌ، في وقت أثبتت وقائع مشاريع السلام العربي - «الإسرائيلي» أنها غير موجودة وتحتاج إلى الطرف «الإسرائيلي» الآخر الذي لم يكن يوماً مُستعداً له.

فما جرى في ذكرى النكبة يعتبر سابقة عربية وفلسطينية بالتحديد، فاجتياح المئات عبر مجدل شمس في الجولان المحتل، والمواجهات اللافتة في مارون الراس، تحمل دلالات كثيرة وعميقة في الوجدان الجماعي لفلسطينيي الشتات، فهم أسهموا للمرة الأولى في صناعة الانتفاضة الفلسطينية الثالثة من الخارج هذه المرة، وفي ظروف عربية مربكة، لكل منها قرص من هذا التحرك.

وبصرف النظر عما يمكن أن يُقال ربطاً بواقعة مجدل شمس وما يجري في سوريا، فإن ما سببه هذا الحراك الفلسطيني من إحراج لـ «إسرائيل» أمنياً وسياسياً، يشكل سابقة هي الأولى من نوعها منذ العام 1948، وكأنها رسالة واضحة على أن ما تشهده الساحات العربية من حراك بذرائع مختلفة، لن يكون بعيداً عن شعار الشعب الفلسطيني الذي يريد العودة أيضاً، وهي بطبيعة الحال رسائل متعددة الاتجاهات والأبعاد وكذلك الخلفيات، يمكن أن تستثمر بمجالات ربما مختلفة عن طبيعة ما هدفت في الأساس إليه.

في المقلب الآخر، منذ ثلاثة وستين عاماً لم تتلق «إسرائيل» مثل هذه الصفعة، فبدت مخترقة أمنياً في الجولان، ومربكة سياسياً في لبنان، ومضعضعة في الداخل الفلسطيني المحتل، وهذا ما يُفسر خروج قواتها العسكرية عن طورها غير المعتاد أساساً فعمدت إلى قتل العشرات وجرح المئات من الفلسطينيين، في دلالة واضحة أن ما جرى قد استشعرت به خطراً حقيقياً لن يكون يتيماً في المستقبل إذا توافرت إرادات عربية داعمة لانتفاضة الشتات الفلسطيني.

وإذا كان الحراك الشعبي العربي قد أضاع البوصلة السياسية في غير مكان وبالتحديد بوصلة العداء للكيان، فإن الحراك الفلسطيني سيؤسس لشعلة الانتفاضة الثالثة وإن كانت شراراتها من الخارج لا من الداخل، وما يمكن أن يعزز ذلك الاتجاه المصالحة الفلسطينية وما يمكن أن تتركه على علاقتها بدول الطوق العربية. وبصرف النظر عن شروط هذا النجاح وارتباطه بهذه الدول ومواقفها ومشاكلها الداخلية والخارجية، فإن حسن تصريفه في الواقع السياسي الفلسطيني والعربي أمر من شأنه تعزيز الوضع الفلسطيني بمواجهة «إسرائيل» ومشاريعها في الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها أيضاً.

ربما ثمة من يقول، إن كثيراً من الظروف الاستثنائية تقاطعت لإطلاق هذا الحراك الفلسطيني في غير موقع من دول الطوق، لكن الصحيح أيضاً، أن انتفاضتي الشعب الفلسطيني السابقتين، جرتا في أصعب الظروف الفلسطينية في الداخل والخارج، وتمكنتا ولو بحدود من انجاز الكثير رغم حالات الإجهاض السياسي الذي تعرّضت له هاتان الانتفاضتان. وبالتالي فإن التعويل على تثبيط الهمم الفلسطينية أمر لا يعدو أضغاث أحلام، فما قدّمه الشعب الفلسطيني ومؤسساته بمختلف تشكيلاته ربما يفوق بكثير ما قدمته أي حركة تحرر وجدت على مر التاريخ، ويكفي أنها القضية الوحيدة التي ما زالت من مخلفات القرن الماضي، رغم إيجاد الحلول للكثير من الأزمات والصراعات الدولية التي تم توارثها على مدى عقود خلت.

ما يعنينا اليوم ما جرى في مجدل شمس ومارون الراس، دلالة الزمان والمكان، في جغرافية وتاريخ الصراع العربي - «الإسرائيلي». فالمشاركون فيها هم من جيل الشتات الفلسطيني الثالث الذي لم ير أرضه البتة. فهم ولدوا في دول الطوق ولأسباب مختلفة لم يتمكّنوا حتى من ممارسة حقهم في استرجاع أرضهم. واكتفوا بممارسة حقهم سلماً لا حرباً، ودفعوا دماً كالعادة لكن هذه المرة ليست بالضرورة مجاناً. كما أنها المرة الأولى التي يتم فيها اجتياح مدني لخطوط عسكرية «إسرائيلية» على أراضٍ عربية محتلة. ما يعني إسقاط العديد من المحرمات السياسية والأمنية وإن بظروف استثنائية.

كما يعنينا أيضاً، في هذه الواقعة بالذات أن الرسالة وصلت إلى «الإسرائيليين» وفهمتها قياداتها السياسية والأمنية والعسكرية، أن ربما زمن السلام قد ولّى، في زمن الحراك العربي، وإن تكن بوصلته السياسية ليست موجهة إلى فلسطين المحتلة، بل إن فيها الكثير من المعطيات التي تهدف إلى حرف تلك البوصلة عن وجهتها المفترضة. ففي «إسرائيل» اليوم ثمة من يفكر أن خطراً داهماً أتى من المكان الذي تفاخر في هدوئه على مدى عقود خلت، ومن مكان يعرف أنه لُقن فيها درساً لن ينساه في العام 2006.

في مطلق الأحوال، ثمة أثمان تُدفع لاسترجاع الأرض والكرامة، وهذه المرة الشعب الفلسطيني أراد العودة ومن أماكن حساسة جداً في الحسابات «الإسرائيلية» سلماً أو حرباً، فهل ستجتمع الظروف وتتقاطع مرات أُخر؟ إن واقع المنطقة بظروفها الداخلية والخارجية تشير إلى ذلك وربما بحراك أشد عنفاً وأقسى آثاراً وتداعيات.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2178900

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2178900 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 26


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40