كان يكفي لمن لا يعرف شيئاً عن القضية الفلسطينية أن يشارك يوم 15 مايو/أيار الماضي في تظاهرات ذكرى النكبة، لتقدم له ملخصاً عن القضية. ملخص عنوانه اللاجئون، الذين تدفقوا على الجنوب اللبناني لرؤية بلادهم للمرة الأولى، على أمل ألا تكون الأخيرة.
الإطلالة على فلسطين بالنسبة لهؤلاء ليست مسألة نزهة يمكن أن يتمموها خلال ساعات، ومن ثم العودة إلى الحياة في مخيمات البؤس. إطلالة دفعت الكثيرين منهم إلى محاولة تكريس حق العودة واقعاً عبر محاولة عبور السياج، ومنهم من سقط شهيداً للتأكيد على أن هذا الحق لن يسقط بالتقادم، وأن مقولة الكبار يموتون والصغار ينسون ليست صحيحة على الإطلاق، فمعظم الذين شاركوا في مسيرات النكبة هم في العقد الثالث من العمر، أي إن القضية لا تزال في طور النشأة.
اللاجئون هم القضية ببعدها الإنساني، وللتأكيد على أن المسألة ليست في أرض سليبة فقط، بل في بشر حرموا من الحياة الكريمة على أرض يرونها بأم أعينهم ولا يستطيعون الوصول إليها. مشاهد وعبارات كثيرة كانت في يوم النكبة عبرت عن القضية، فذاك اللاجئ الذي جلس على حافة الطريق يتأمل ما كان من المفترض أن تكون أرضه. تأمُّل يختصر كل معاناة الدنيا، ولا سيما مع دمعة مكتومة تلمحها بعيونه التي تعبت من طول الانتظار.
«هذه بلادنا»، «هذه تلال فلسطين»، العبارتان ترددتا بكثرة على ألسن اللاجئين ما أن أطلت الجبال الخضراء من خلف السياج الحدودي الفاصل بين لبنان وفلسطين المحتلة. «بلادنا» التي لا نستطيع الوصول إليها، «حقولنا» التي لا نستطيع زراعتها، «أنهرنا» التي لا يمكن أن تروي عطشنا.
مثل هذا المشهد كان كفيلاً بأن يحول إحياء ذكرى النكبة إلى مواجهات كالتي حصلت في جنوب لبنان، بعيداً عن نظريات المؤامرة الكثيرة التي أدخلت المسألة في إطار تسخين الجبهة للهروب من المسائل الداخلية، ولا سيما بالنسبة إلى سوريا. اللاجئون لا يحتاجون إلى تحريض للقيام بأمور لا يقتنعون بها، هم يمارسون حقهم بالعودة للمرة الأولى بشكل فعلي، وهي ممارسة لم يسبق أن تم السماح لهم فيها من قبل. كان كافياً بالنسبة لهم الإطلالة على فلسطين، لتكون بداية الطريق.