السبت 28 أيار (مايو) 2011

تحرير الفلسطينيين والعرب من أوهامهم

السبت 28 أيار (مايو) 2011 par د. عصام نعمان

خطاب بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس الأمريكي خيّب أمل بعض الفلسطينيين والعرب، وأنعش أمل بعضهم الآخر.

المحبطون هم أولئك الذين راهنوا، بلا كلل، على صيغة أو عبارة أو حتى كلمة يتفوّه بها الزعيم الصهيوني تسمح لهم بالقول إن التفاوض مع «إسرائيل» ما زال ممكناً لاستخلاص «دولة فلسطينية» من براثن احتلالها الثقيل.

المبتهجون هم الذين وجدوا في كلامه فصل الخطاب في مسألة المفاوضات الوهمية التي ما حصد الفلسطينيون والعرب منها، طيلة عشرين عاماً، إلاّ المزيد من اغتصاب الأرض واستيطانها، وتشريد الشعب واعتقال مجاهديه، وتجذير الاحتلال في بلدان محيط فلسطين العربي.

خيبة أمل المحبطين لا تقتصر على نتنياهو بل تشمل أيضاً باراك أوباما الذي شاطر نتنياهو الكثير من أفكاره وشروطه، بل لم يتوان عن نقض موقف سابق له حول إقامة دولة فلسطينية على «حدود» 1967 بقوله إنها لن تبقى قائمة نتيجة المفاوضات بين الطرفين.

لو كان المراهنون (السابقون؟) على المفاوضات يقرأون ويعون لكانوا أدركوا من زمان سطوة «إسرائيل» على الولايات المتحدة، رئيساً وإدارةً وكونغرساً. ففي 1996 كان نتنياهو رئيساً لحكومة الكيان الصهيوني عندما اختلف مع الرئيس بيل كلينتون حول مسألة تتعلق بحقوق الفلسطينيين، فما كان منه إلاّ أن هدد الرئيس الأمريكي بقوله إن في وسعه أن «يحرق» واشنطن. أجل، استعمل هذه الكلمة ونقلتها عنه صحف أمريكية، ومع ذلك لم تُثر لدى كلينتون أية ردة فعل، كما لم يكلّف نتنياهو خاطره الاعتذار أو التوضيح.

سفير واشنطن السابق في تل ابيب كرتزر نشر قبل أشهر دراسة أثبت فيها أن الكونغرس أجاز أو غطّى، منذ مطالع ستينات القرن الماضي، كل موقف أو تحرك أو تدبير اتخذته «إسرائيل» ضد العرب بموافقة واشنطن أو من دونها . لم يكن غريباً، والحالة هذه، أن يلاحظ العالم، بسياسييه وديبلوماسييه وإعلامييه، أن أي رئيس حكومة «إسرائيلي» يتمتع بأكثرية مؤيدة له في الكونغرس أكثر من تلك التي تؤيده في الكنيست. ألم يقف أعضاء الكونغرس لنتنياهو مصفقين 29 مرة لخطاب دام 40 دقيقة؟ لذلك لم يكن أرييل شارون مغالياً عندما ردّ، ذات مرة، على تحذير من أحد مستشاريه من احتمال أن يعارض الرئيس جورج بوش الابن تدبيراً متطرفاً له ضد الفلسطينيين بقوله: «اسمع، نحن» نملك «أمريكا».

أجل، «إسرائيل» تملك إرادة أمريكا فلا يسع هذه الأخيرة أن تتصرف على نحو يسيء إليها، فما بالك عندما يكون تصرفها مشوباً ببعض الانصاف للفلسطينيين؟

من حق «المبتهجين» بخطاب نتنياهو أمام الكونغرس أن يبتهجوا فعلاً. فقد «ساعدهم» الخطاب على تحرير الفلسطينيين والعرب من أوهامهم، وتبديد «آمال» الذين كانوا (وما زالوا؟) يراهنون على استئناف المفاوضات. الحقيقة أن بعضاً من هؤلاء المبتهجين كان، من فرط يأسه من إمكانية توعية بعض العرب على خواء خيار المفاضات وأوهامها، يراهن على تطرف المسؤولين الصهاينة للجم انزلاق بعض المسؤولين الفلسطينيين والعرب نحو هاوية مفاوضات لا تتضمن جداول أعمالها إلاّ تنازلات متتالية للعدو الصهيوني.

رفضُ نتنياهو لـ «حدود» 1967 ولحق العودة وللقدس عاصمة للدولتين، ورفضه لإجلاء وجود «إسرائيل» العسكري على طول ضفة نهر الأردن الغربية، ورفضه لمفاوضة حكومة فلسطينية تدعمها «حماس»، وإزاء عجز الولايات المتحدة الفاضح عن تذليل رفض «إسرائيل» لكل هذه المبادئ والأسس، يضع الفلسطينيين، كما العرب «المعتدلين»، أمام خيارين لا ثالث لهما: الاستسلام أو المواجهة.

يبدو الاستسلام بالنسبة للفلسطينيين صعباً إن لم يكن مستحيلاً. لكنه قد يبدو ممكناً بالنسبة لبعض العرب. ذلك أن الدافع إلى تفكير بعض من هؤلاء أو أولئك في شكل من أشكال الاستسلام هو حرصهم على تفادي تجميد تحويل أموال الدعم والمساعدة من أمريكا وأوروبا. فالكونغرس الأمريكي يعتزم على ما يبدو، سن تشريع يُلزم الإدارة بعدم الاعتراف بدولة فلسطينية تعترف بها الجمعية العامة للأمم المتحدة ويحظر عليها تالياً دعمها ومساعدتها مالياً. في موازاة هذا التحدي البازغ، يخشى بعض العرب «المعتدلين» من الممولين التقليديين للسلطة الفلسطينية ولبعض الفصائل من ضغوط قد تمارسها أمريكا (وربما أوروبا أيضاً) عليهم لوقف التمويل.

الاستسلام غير وارد البتة بالنسبة لأهل الممانعة والمقاومة بين الفلسطينيين والعرب. هؤلاء يراهنون على قواهم الذاتية من جهة وعلى تطور موازين القوى الإقليمية، من جهة أخرى، لمصلحة الدول والقوى المناهضة للولايات المتحدة وتلك المصرّة على التزام الاستقلال عنها ما يمكّنها من ممارسة سياسات لا توصد الباب في وجه قوى الممانعة والمقاومة.

إلى ذلك، تجد قوى الحراك الشعبي في الوطن العربي، ولا سيما في مصر وتونس، نفسها أمام تحدٍ ماثل. إنه محاولة الولايات المتحدة تطويق فعاليتها بإغداق قروض وودائع ومساعدات بمليارات/بلايين الدولارات على الفئات الحاكمة التي آلت إليها السلطة بعد سقوط نظامي زين العابدين بن علي وحسني مبارك. والغاية المتوخاة من السخاء المالي الموعود الحؤول دون اتجاه الأوضاع المستجدة في البلدان المتأثرة بالحراكات الشعبية وجهةً معادية أو، في الأقل، غير مؤيدة لسياسات دول الغرب الأطلسي بصورة عامة.

إذْ تندلع الصراعات في أكثر من مكان وفي اتجاهات عدة، ينطرح على العرب جميعاً، مسؤولين ومواطنين، سؤالاً مفتاحياً: هل يواجهون التحدي الجديد المتعاظم بما هم عليه من فُرقة وشرذمة أم يحاولون، بقدْر من الجدية وبُعد النظر والشجاعة، التوافق على حد معقول من التنسيق والتضامن والتعاون لما فيه خيرهم جميعاً وعلى نحو يحفظ كينونتهم ويعزز دورهم ويحول دون بقاء وطنهم ملعباً يتبارى فيه كل أصناف اللاعبين؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 61 / 2165543

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165543 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010