الثلاثاء 31 أيار (مايو) 2011

لا هدايا للثورات العربية

الثلاثاء 31 أيار (مايو) 2011 par د. نهلة الشهال

كان على رئيسي الوزراء المصري والتونسي، السيدين عصام شرف والباجي قايد السبسي، الامتناع عن المشاركة في قمة الثمانية المنعقدة في دوفيل. بداية بسبب المكان! فذلك المصيف الفرنسي البحري الممل، لا يرتاده سوى العجائز من الأغنياء (الجدد خصوصاً)، وبعض أحفادهم من أطفال ومراهقين، يحضرون غصباً عنهم وبناء على رغبة آبائهم في التخلص منهم لبرهة أسبوع تحت إشراف الأجداد المتبطلين، وأيضا لتلقينهم الإدراك اللازم بشأن انتمائهم الطبقي، فلا يختلطون هنا إلا بنظرائهم، ويستبيحون المكان كمدللين مزعجين، لم يتعلموا أبداً وجود حدود لهم ـ بعكس أبناء البورجوازية القديمة أو النبلاء ـ فيغدو سلوكهم الوقح وضجيجهم الأرعن الضريبة التي يرتضيها الجميع لتعويضهم فرض وجودهم في هذا المكان المنعزل.

وبجدية أكبر، كان على الرجلين، والمجالس الانتقالية التي يمثلانها، الامتناع عن الحضور وذلك لتسجيل ما استجد في أوضاع بلديهما، أي للتدليل على أن بلديهما ليسا ـ لم يعودا - بصدد الاستجداء. ثم هما، بصفتهما ممثلين عن ثورات مدهشة، شرّفا اللقاء ومنحاه صدقية، وهذا يعني أنهما متفضلان عليه... بعكس ما يبدو أنهما يظنان. والدليل على خطأ ظنهما/ مسلكهما أنهما جاءا بعقلية الماضي، متأبطين ملفات مشاريع تتطلب تمويلاً، يبلغ مقدارها 125 مليار دولار لتونس، وطلبات قروض وصلت إلى 25 مليارا لهذه و12 مليارا لمصر. اختيار هذه المقاربة يضعهما في موقع دوني لا يطابق الزخم الذي يمثلان والذي حمل تلك الذئاب على دعوتهما. وهكذا أجيبا بتهذيب متعال، رغم الكلمات الرنانة، أن مجمل ما يمكن لدول «الربيع العربي» الأمل بالحصول عليه يبلغ 40 مليار دولار، وأنها ستكون قروضاً يوفرها صندوق النقد والبنك الدوليان وبنك إعادة الإعمار الأوروبي، وعلى دول الخليج أيضاً وضع يدها في جيبها لتوفير حصة من هذا المبلغ، وأخيراً وليس آخراً، أن تلك الوعود مشروطة بـ«التنمية والإصلاح». في التكتيك، استعادت الذئاب سطوتها، فهي من يدعو ويستقبل وينظِّر ويحدد الـ Deal، ثم يصرف المدعو الفقير بربتة على الكتف.

وهم سمّوا ذلك «شراكة دوفيل»، فهاكم سبباً إضافياً للامتناع عن استقبال القروض، يعيدنا إلى المربع الأول أعلاه، حيث ستقترن الخطة بتلك البلدة السيئة الصيت! والأدهى أن الأمر بعد ذلك كله كلام بكلام، لأن من سيقرر في نهاية المطاف المبالغ النهائية وكيفية توزيعها والجهات المستفيدة منها والشروط المصاحبة لتلقيها، هو اجتماع لوزراء اقتصاد الدول الثماني سينعقد في تموز/ يوليو المقبل.

لا بد من القول بعيداً عن أي طفولية يسارية: حضور تونس ومصر إلى قمة الثمانية يثبت أن المتحكم بالقرارات في البلدين هو الشق «الاستمراري» من عملية الانتقال الجارية، ذاك الذي ينتمي إلى قوى الماضي، بتقاليدها وقواها ونظرتها إلى العالم وإلى النفس. فهل يظن المجلسان - أو الحكومتان الانتقاليتان - أن مبارك وبن علي كانا وحدهما من تسبب بالكوارث الاقتصادية لبلديهما، حتى أُفقرتا إلى ذلك الحد الدافع للثورات، وحتى اختل توازنهما بنيوياً مما يتطلب إعادة بناء جدية؟ بل هما (وجماعاتهما) خدما مصالح تلك الذئاب، مقتطعين حصة لهما ضمن عملية النهب، ودعماً للبقاء في السلطة كوسطاء أوفياء يحققون «الاستقرار» لهذه الوضعية. فكيف للمجالس الانتقالية أن تتوجه إلى الجهات نفسها التي عملت على إيصال بلداننا إلى تلك النتيجة، بكل ما أوتيت من برامج وخطط شراكة لم يكن اسمها «دوفيل» بل أسماء أخرى. وما هو تصور تلك المجالس الانتقالية للحلول الفعلية الكفيلة بإخراج البلدين من صعوباتهما الاقتصادية. دعك من الأخلاق، ومن عيب الاستجداء (غير المجدي! حصلت تونس بشكل شبه مؤكد على ما قيمته أكثر من مليار دولار)، هل يقبل المجلسان بالشروط، تلك، الاقتصادية منها ـ فهذه قروض وليست منحاً يا سادة ـ والسياسية التي سيتعين عليهما وفقها البرهان أنهما يسيران في «الطريق الصحيح»، والصعيدان مرتبطان. من اتخذ قرار المشاركة؟ وبناء على أي تصور؟ تلك هي الأسئلة الفعلية التي يجب أن تدخل حيز النقاش الجاري في البلدين والمحدد لخياراتهما المستقبلية.. الوشيكة.

ثم استمرت فضيحة دوفيل بخصوص سائر القضايا العربية: محاولات لنقل ملف سوريا إلى مجلس الأمن مقابل تساهل فاضح مع علي عبد الله صالح الذي طُلب منه بكل خفر وكياسة «احترام تعهداته وتلبية مطالب شعبه»، وغياب تام لذكر مأساة البحرين، بينما لا يتوقف تواتر الأنباء عن فظاعة التعذيب الذي يتعرض له المعتقلون، وعن الفصل الجماعي من الوظائف، وسعي لتفعيل النجاح في الملف الليبي، حيث حُييِّ بلا تحفظ المجلس الوطني الانتقالي الليبي وتقرر تكثيف القصف على القذافي سعياً لتسجيل نجاح بعد النجاح في إلقاء القبض على أحد جزاري سراييفو قبل يوم من انعقاد القمة، التي يحتاج اصطحابها إلى ومضات اعلامية باهرة ومتجددة ـ وهنا المأساة المضاعفة - ليؤكدوا لأنفسهم أنهم ما زالوا عظماء، بينما تتزايد الشكوك بهذه العظمة، بل تسود قناعة مبثوثة بأفول الغرب، كنموذج وكقوة فعلية على السواء، قناعة تسود لدى أبناء الغرب أنفسهم قبل سواهم، وأكثر من سواهم... فاستفيقوا يا قوم وكفوا عن اللهاث خلف حطام متداعٍ.

وأما الأخطر والأدهى في ما جرى في دوفيل فهو الاصطفاف خلف «مبادئ أوباما» بخصوص فلسطين، من قبل جهات كانت قد نظَّرت حتى أمس قريب لفكرة الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود 1967. ابتُلعت تلك الحدود، وتمت بكل خفة دعوة «الأطراف» إلى استئناف المفاوضات فوراً تجنباً لما بات اسمه «أزمة» الاعتراف السياسي في الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولة فلسطينية. قوم لا يستحون، يتناسون ما قالوه بالأمس وكأن شيئاً لم يكن، مسلكهم يشبه مسلك «قادة» كعلي عبد الله صالح، وربما كانت بزاتهم ذات تفصيل أكثر أناقة ليس إلا.

فماذا هي فاعلة السلطة الفلسطينية، لو خضعت وامتنعت عن طرح الموضوع في الجمعية العامة وتجنبت التسبب بـ«أزمة»، وتقدمت بطلب شهادة حسن سلوك من هؤلاء، فستثبت مجدداً أنها مفوَّتة، وهذه المرة بلا رجاء.

كلمة أخيرة: فلنقلع نحن نهائياً عن استخدام تعبير «الربيع العربي» طالما هؤلاء يحورونه بل يشوهونه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2178536

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178536 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40