الأربعاء 1 حزيران (يونيو) 2011

مزاد أميركي ـ أوروبي مفتوح لشراء الثورات العربية... وفلسطين!

الأربعاء 1 حزيران (يونيو) 2011 par طلال سلمان

يتصرف الغرب، بالقيادة الأميركية، وكأن ثورات الشعوب العربية على أنظمتها القمعية التي كانت تحظى برعايته ودعمه، هي مجرد انتفاضات جياع يمكن شراء ولائها بحفنة من الدولارات، طالما اختلف الزمان ولم يعد بسكويت الملكة ماري أنطوانيت كافياً لأداء هذه المهمة النبيلة. في البدء تحدث الرئيس الأميركي ذو الجذور الإسلامية بارك أوباما وكأنه مفجر هذه الانتفاضات وأبوها الروحي، وكاد بعض المؤرخين الانتقائيين في الغرب الأميركي يربطونها بالثورة الأميركية ويعتبرونها امتداداً لها، نفيا لأية صلة محتملة بينها وبين الثورة الفرنسية، آخذين بالاعتبار ان فرنسا باتت من الماضي وان التاريخ الإنساني الراهن صناعة أميركية خالصة.

كاد الرئيس الأميركي - في حديثه الأول عن الثورات العربية - ينصّب نفسه القيادة الشرعية لهذه الثورات والناطق باسمها: استذكر مفجر ثورة تونس، محمد البوعزيزي، ثم مشى مع جماهير الشعب التونسي في جادة الحبيب بورقيبة وسائر الميادين والساحات في مختلف المدن والقرى، حتى إسقاط الطاغية زين العابدين بن علي وأعوانه، بعد أن أسقطه شعبه وتنكَّرت له زوجته التي جاءت من صالون حلاقة نسائية إلى سدة السلطة باعتبارها مركز الثروة.

كذلك تصور الرئيس الأميركي نفسه في ميدان التحرير بالقاهرة، معتصماً على امتداد ثمانية عشر يوماً، حتى سقوط الطاغية حسني مبارك وعصابته ومعه أسطورة التوريث، والرغبة المعلنة لسيدة القصر بأن تكون سيدة مصر طالما انه تعذر عليها ان تكون ملكتها.

تنكر الرئيس الأميركي لروابط «الصداقة التاريخية» مع الطاغيتين اللذين لم يترددا في تلبية احتياجات الإمبراطورية الأميركية، فوقعا اتفاقات التعاون العسكرية، وأمرا أجهزتهما بتلبية كل ما تطلبه المخابرات المركزية الأميركية وما يلزم جيوشها ولو على شكل «تسهيلات» في البر والجو والبحر، فضلاً عن المناورات المشتركة والبعثات باسم التدريب...

لم تتوقف الإدارة الأميركية لحظة أمام حقيقة ان جماهير الشعب الثائر في كل من تونس ومصر قد فرضت محاسبة هذين الطاغيتين على ممارساتهما السياسية قبل مساءلتهما عن الثروات التي نهباها أو سهلا لأعوانهما نهبها... وبالتالي فإن وجوه التعاون المفتوح والتلبية الفورية لمطالب الإدارة الأميركية واحتياجاتها العسكرية كانت بين الأسباب الأساسية والمباشرة لإلحاح الشعبين على محاكمة الأسرتين اللتين حكمتا البلدين دهراً.

وبعد أن أعلن الرئيس الأميركي الأسمر ذو الجذور الإسلامية «الشرق الأوسط» منطقة مصالح عليا لبلاده، ممتداً عبره وبعده إلى أفريقيا جميعاً، قرر تقديم «مساعدات مؤثرة» للعهد الجديد في كل من مصر وتونس، مستغلاً سوء الأوضاع الاقتصادية التي تسبب فيها النظامان السابقان وقد كانا في رعاية إدارته، ومن سبقها في واشنطن.

كانت تلك إشارة من الرئيس الأميركي بافتتاح «المزاد» لشراء «الثورات» بميادينها، مستغلاً حقيقة ان «رجليه» في كل من مصر وتونس تركا الدولتين على شفير الإفلاس، بحيث يصعب على الآتين لتولي السلطة، وبصورة مؤقتة، تمهيداً لإشادة النظام الجديد، تحديد الأولويات في معالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة فيهما.

كانت الخطوة الأولى أن أعلن الرئيس الأميركي إلغاء الديون المترتبة على مصر، ثم الإيعاز إلى البنك الدولي وصندوق النقد بتقديم قروض إلى كل من مصر وتونس، وسرعان ما عزز الطلب خلال قمة «الثمانية الكبار» في «فنادق دوفيل» فتقرر - مبدئياً - ان يقدم الغرب رزمة مساعدات على شكل قروض وهبات ومنح بمليارات الدولارات (بين 20 و40 ملياراً) للدولتين، وعلى مدى زمني مفتوح.

(ملحوظة : تجدر الإشارة هنا إلى أن ما قدم من منح إلى المانيا الشرقية عندما أُسقط النظام الشيوعي فيها وأعيدت بالفقر والأمر معاً إلى دولتها الأم، كان في حدود 115 مليار دولار... وان تشيكيا حين أعيدت إلى أحضان أوروبا وتخلت عن شريكتها سلوفاكيا فضلاً عن الشيوعية التي كانت وحدها قد اختارتها نظاماً لها بالانتخاب الديموقراطي نالت مساعدات بقيمة 50 مليار دولار..).

الطريف في الأمر أن هذه المساعدات - القروض أو ضمانات القروض ستجمع من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وأوبك، ثم يأتي دور الاتحاد الأوروبي.

بالمقابل فإن بعض دول النفط قد تلقت الإشارة فلبت النداء، وهكذا أعلن ان السعودية ستقدم أربعة مليارات، للحكومة المصرية في حين جرى الحديث عن 5 أو 10 مليارات ومبالغ أكبر ستقدمها إمارة الغاز الطامحة دائماً للعب دور أكبر من حجمها، على ان تلحق بها إمارات النفط الأخرى.

ولك ان تصدق أو لا تصدق ان هؤلاء الحكام الذين أوجعهم - في ما خص مصر - خلع الطاغية مبارك، وعدم السماح له بالذهاب لاجئاً إلى مملكة الصمت وعاتبوا على رفض دعوتهم له، قد دفعتهم النخوة إلى تقديم هذه التسهيلات للحكم الذي جاءت به ثورة الميدان.

ما هذا السخاء الأميركي - الأوروبي والملكي العربي على الأنظمة الوليدة التي جاءت بها الثورات، أو بالأحرى: ما هي الأهداف الفعلية لهذه التقديمات التي سوف تكون قروضا، وعلى مدى زمني مفتوح؟! ولماذا لم يقدم أقل منها للنظام الذي سقط مع طاغيته؟

لم يتعود العرب مثل هذا السخاء الأميركي، والأوروبي، إلا مع «إسرائيل»، التي تنال مساعدات مفتوحة، كل عام، تشمل مختلف المجالات العسكرية أساساً والاقتصاد والزراعة والتعليم، فضلاً عن دعم ملفوف لمشاريع زيادة المستوطنات التي تلتهم الأرض الفلسطينية.

لكن مراجعة سريعة لجدول أعمال الرئيس الأميركي قد تساعد في حل اللغز، لا سيما أن ما قبل زيارة رئيس حكومة «إسرائيل» إلى واشنطن كان مختلفاً جداً عما تم خلال الزيارة وما سوف يتم بعدها.

كان للزيارة التاريخية لبنيامين نتنياهو إلى واشنطن محطات ثلاث :

الأولى - لقاؤه الرئيس الأميركي في البيت الأبيض لمدة زمنية قياسية، ورده «القاسي» على طروحاته حول حق الفلسطينيين في دويلة لهم مجردة من السلاح، داخل دولة «إسرائيل»، على طريقة الكنغارو.

الثانية - خطاب الاستنفار الذي ألقاه نتنياهو أمام منظمة «ايباك»، مركز التأثير الصهيوني الذي لا يحد على قرار الإدارة الأميركية.

الثالثة - «خطاب النصر» الذي ألقاه نتنياهو أمام صعاليك الكونغرس الذين تصرفوا كمناصرين وهتيفة وأزلام أو كأتباع مسحورين بالقائد «الإسرائيلي» الذي يملك ان يفرض إرادته، بحيث أنهم صفقوا له وقوفاً 29 مرة خلال مدة خطابه التي استغرقت، مع مقاطعات التهليل، 48 دقيقة.

بعد هذه المحطات تبدلت أشياء كثيرة في مواقف باراك اوباما وفي سلوكه.

كان عليه بعدها، مثلاً، أن يتراجع عن كل ما يتصل بحق الفلسطينيين بدولة منفصلة ولو بنسبة ما عن «إسرائيل»، ولها صلة ما بالقدس.. على قاعدة القرارات والاتفاقات المتصلة بمشاريع التسوية او «السلام» في المنطقة، أو بالتحديد ما نص عليه اتفاق اوسلو.

ثم انه كان على أوباما ان يسلم بمقولات نتنياهو حول الثورات العربية، وأبرز ما فيها ان تعتمد «ثورة الأرز» في لبنان نموذجاً.. علما بأن أكثرية اللبنانيين لا يرون في هذه «الثورة» أكثر من انقلاب سياسي طارئ تحت ضغط اغتيال الرئيس رفيق الحريري، سرعان ما طويت صفحته بانقلاب سياسي مضاد وقد تليه انقلابات أخرى تحت ضغط التحولات العاصفة التي تشهدها الأرض العربية.

وكان لجوء نتنياهو إلى «ثورة الأرز» مقدمة منطقية للحملة المفاجئة التي شنها الرئيس الأميركي على المقاومة في لبنان، وحزبها، بينما اللبنانيون يحتفلون بالذكرى الحادية عشرة لإنجازها التاريخي بتحرير جنوب لبنان من الاحتلال «الإسرائيلي» في مثل هذه الأيام من العام ألفين.

من هنا يصير الربط ضرورياً بين وعود المليارات التي تهاطلت في قمة دوفيل التي جمعت الدول الأغنى في العالم، على الثورات العربية، بدءاً من تونس ومصر، مع وعد بالدفع لمن هم في الطريق إلى إنجاز التغيير الديموقراطي في بلادهم المحكومة بالطغاة... لا سيما ان الرئيس الأميركي قد قدم العراق باعتباره نموذجاً محتملاً لمستقبل الوطن العربي جميعاً، قافزاً من فوق مآسي الحرب الأهلية التي مزقت وحدته الوطنية ومعها دولته التي صارت كانتونات وكيانات وجهات وأقاليم بعدد الطوائف والمذاهب والعناصر... وما زال العرض مستمراً.

مما يجب ان يتذكره العرب دائماً، تلك الكلمات النافرة التي خاطب بها نتنياهو الرئيس الأميركي باراك اوباما، وفيها: لا نملك الكثير من هامش الخطأ، لان التاريخ، سيدي الرئيس، لن يمنح اليهود فرصة أخرى.

أما العرب فيعتقدون ان فرصهم مع التاريخ مفتوحة.

كذلك فمن الضروري أن يتذكر العرب جملة أخرى لنتنياهو وردت في خطابه:

الشعب اليهودي ليس هو المحتل الأجنبي. لسنا بريطانيا في الهند!

تُرى هل كان الفلسطينيون محتلين... هل كانوا بريطانيا في فلسطين؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2178743

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2178743 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40