الثلاثاء 14 حزيران (يونيو) 2011

بالأسماء والوقائع .. أهل التطبيع (الحلقة الخامسة)

تحقيق وتوثيق : شفيق أحمد علي
الثلاثاء 14 حزيران (يونيو) 2011

من فرط التصهين : عبد المنعم سعيد يهاجم القضاء المصري لإصداره حكماً يلزم الحكومة بوقف تصدير الغاز للصهاينة، ومحافظ الجيزة يعترف بأن الغاز الذي نصدره لـ «إسرائيل» لم يدخل بعد «كل» بيوت الجيزة، ووزير الصناعة السابق يقول : مصنع «كيما» للأسمدة توقف عن العمل لعدم وجود الغاز الكافي لتشغيله. وقبل أن يتغزل في اتفاقية السلام .. عبد المنعم سعيد هاجمها زمان وقال : مساوئ الاتفاقية جعلت سيناء «رهينة» في أيدي «إسرائيل»، والأمن القومي المصري رغم الاتفاقية مازال مهدداً من «الإسرائيليين».

وقبل أن يهاجم إيران حالياً .. عبد المنعم سعيد قرأ الفاتحة أمام قبر الخميني وقال : القطيعة بين مصر وإيران طالت أكثر مما ينبغي ولست مع تسمية الخليج الفارسي بالخليج العربي.

ومن فرط ديمقراطيته : عبد المنعم سعيد يحرض مبارك ضد الصحفيين ويدعو لانتخاب مكرم محمد أحمد لنجاحه في منع التظاهر على سلالم النقابة.

وإمعاناً في التضليل والتطبيل : عبد المنعم سعيد «يبطح» نفسه على رافضي التوريث ويصف جمال مبارك «بالفنكوش».

[**الخارجية «الإسرائيلية» وضعت اسم عبد المنعم سعيد ضمن «قائمة الشرف»*]

مازلنا مع مفتي التطبيع، والتجويع، وكفالة «القمع» للجميع.

مازلنا مع الدكتور عبد المنعم سعيد، المدافع الصنديد عن التطبيع وعن جرائم الاحتلال، وحكم رجال الأعمال والأنجال، مهما كان زاخراً بالفساد والاحتيال.

مازلنا مع تناقضاته وتحولاته و«فتاواه» اللولبية، التي تبرر الفساد والقمع والتبعية، فضلاً عن فتاواه «التطبيعية» التي جعلته يحجز لنفسه مكاناً مرموقاً في الموقع الإلكتروني «الرسمي» لوزارة الخارجية «الإسرائيلية» المسمى «تواصل»، وهو الموقع الذي يحرص على الاحتفاء بمقالات عبد المنعم سعيد ويعيد نشرها باستمرار، مع مقالات غيره من أعضاء القائمة التي سنعرف حكايتها بعد قليل، ويسميها البعض بقائمة «العار» ويسميها الموقع «الإسرائيلي» بقائمة «الشرف» والاعتبار .. خصوصاً مقالات عبد المنعم سعيد التي تزدحم بفنون التطبيل والتضليل، وتزخر بالعديد والجديد من وصلات «الردح» لمخالفيه من معارضي الحكومة ورافضي التطبيع مع «إسرائيل».

سين سؤال : لكن الدكتور عبد المنعم سعيد في مقاله المنشور بـ «الأهرام» في الخامس من ديسمبر عام 2009 قال نصاً إنه «ليبرالي» وبالتالي يحترم حق المعارضة المصرية في الاختلاف وفي التظاهرات السلمية، بل ويحترم أيضاً رأي وتوجهات الأغلبية.

جيم جواب : الدكتور عبد المنعم سعيد من فرط احترامه لتوجهات الأغلبية كان في 23/4/2001 قد كتب بجريدة «الأهرام» مقالاً شهيراً عنوانه (كيف يفكر المصريون) .. وفي هذا المقال، ذكر أن مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بـ «الأهرام»، خلال الفترة من أول سبتمبر عام 2000 حتى 11 فبراير عام 2001 أجرى استطلاعاً للرأي بين المصريين أظهرت نتائجه أن (التيار العام في مصر «عروبي» النزعة ويرفض الدخول في أي ترتيبات «شرق أوسطية» تشارك فيها «إسرائيل») هكذا قال عبد المنعم سعيد نصاً في مقاله .. ورغم ذلك، مازال يروج للتطبيع مع قتلة الأطفال، دون احترام لرأي وتوجهات ما أسماه بـ (التيار العام في مصر) .. بل وطالب في مقال آخر منشور أيضاً بـ «الأهرام» في 29/9/2003 بالانكفاء على أنفسنا، وبأن يكون تأييد مصر للفلسطينيين والعراقيين (بقدر استطاعتها وقدرتها) .. بدعوى، وكما قال نصاً إن (مصر وأرجوك لا تضحك لا تستطيع أن تلعب في أكثر من مباراة في الوقت نفسه) .. وفي نفس المقال، لم يكتف خبير المباريات العتيد عبد المنعم سعيد بأن اغتصب لنفسه حق الحديث باسم مصر، وقال إنها (لا تستطيع أن تلعب في أكثر من مباراة في الوقت نفسه) .. بل ورفع أيضاً سيف «التسفيه» في وجه مخالفيه قائلاً : (عندما يفسر هذا الانكفاء على النفس بأنه فقدان للدور الإقليمي، وأنه تجاهل لحقائق وثوابت التاريخ والجغرافيا، فإننا نكون بهذا التفسير، قد دخلنا إلى نوعية من الضوضاء اللغوية) .. هكذا ودون خجل يسمي عبد المنعم سعيد المطالبة باستعادة مصر لدورها العربي والإقليمي .. «ضوضاء لغوية».

ومن فرط إيمانه بالليبرالية، وبحق المعارضين في الاحتجاجات والتظاهرات السلمية، بدلاً من أن يتوجه عبد المنعم سعيد إلى حكومته المعروفة باسم حكومة «الكذب» الوطني الديمقراطي، ويطالبها في كتاباته بالسماح لمعارضيها بالتظاهر السلمي في الشوارع، إن كان يغضبها وقوفهم على سلالم نقابة الصحفيين بدلاً من ذلك كتب عبد المنعم سعيد مقالاً بذيئاً بجريدة «الأهرام» في 23/11/2009 تحول فيه إلى بوق دعاية انتخابية للأستاذ مكرم محمد أحمد مرشح الحكومة لمنصب نقيب الصحفيين، وطالب بانتخابه. هل تعرفون لماذا؟ لأن الأستاذ مكرم من فرط ديمقراطيته، وكما قال عبد المنعم سعيد في مقاله، نجح في «منع» الصحفيين وغير الصحفيين من ممارسة حقهم في التظاهر السلمي على سلالم النقابة وأسمى هذا المنع (إنجازاً وتحسناً ملموساً). ومن لا يصدق، يعود بنفسه إلى مقال عبد المنعم سعيد المنشور بجريدة «الأهرام» في 23/11/2009 ويستمع إليه وهو يقول بالحرف : (للحق، فقد جرى في الفترة الأخيرة، في عهد نقيبنا الحالي مكرم محمد أحمد، تحسن ملموس عندما نجح السيد النقيب في «استرداد» سلالم نقابة الصحفيين بعد اختطافها من قبل الحركات الاحتجاجية التي رفعت مطالب فئوية أو حاولت الحصول على شرعية لمطالبها السياسية). وهو ما يعني أن عبد المنعم سعيد الذي كثيراً ما استضاف «الإسرائيليين» في برنامجه التطبيعي المشبوه «وراء الأحداث» للترويج لدعاويهم الباطلة عبر شاشة التلفزيون الرسمي المصري، يستكثر على المعارضة المصرية أن تستضيفها نقابة «كل» الصحفيين المصريين، وليس نقابة الحزب الوطني، لعرض وجهة نظرهم على رجال الصحافة المصرية وفي بيتهم.

وإمعاناً في الليبرالية، لم ينس عبد المنعم سعيد أيضاً تحريض الرئيس مبارك شخصياً ضد زملائه الصحفيين. هل تعرفون لماذا؟ لأن الصحفيين المصريين، وبنص كلمات عبد المنعم سعيد في مقاله المنشور بـ «الأهرام» صباح الاثنين 16 مارس 1998 (يقومون بأدوار تمس صميم السياسة الخارجية المصرية). وما هي هذه الأدوار بالضبط يا دكتور؟ يقول عبد المنعم سعيد ذو الرأي الصديد في نفس المقال : (قد يكون مفهوماً في ظل الاحتلال الإنجليزي لمصر أن تدعو الصحافة المصرية إلى مقاطعة البضائع الإنجليزية، ولكن أن يدعو البعض إلى مقاطعة البضائع الأمريكية، أو «الإسرائيلية»، وينشر قوائم بهذه البضائع، في وقت تتمتع مصر بالاستقلال الوطني، وفي وجود قيادة سياسية وطنية وشرعية في آن واحد، ولها وحدها الحق في تحديد السياسات المتعلقة بالأمن القومي، فإن ذلك يعد تجاوزاً للوظيفة الصحفية).

هل رأيتم مدى الديمقراطية والليبرالية التي «تشر» من عبد المنعم سعيد؟ هو يقول بنص كلماته إن (القيادة السياسية وحدها لاحظوا كلمة وحدها هي التي لها الحق في تحديد السياسات المتعلقة بالأمن القومي). وإذا صدق أحد الصحفيين أننا في أزهى عصور الديمقراطية وانتقد هذه السياسات، أو طالب مثلاً بمقاطعة البضائع «الإسرائيلية»، أو بعدم تصدير الغاز المصري للكيان الصهيوني، فإن ذلك في «شرع» الدكتور عبد المنعم سعيد ذو الرأي الصديد، يعتبر (تجاوزاً للوظيفة الصحفية، ومساساً بصميم السياسة الخارجية المصرية) وكأن الوظيفة الصحفية هي فقط التهليل والتطبيل لكل ما تراه وتقرره «القيادة السياسية»، أي ما يراه ويقرره الرئيس مبارك «وحده» من سياسات، حتى ولو كانت هذه السياسات تدعم الصهاينة المحتلين على حساب احتياجات مصر والمصريين.

ودفاعاً عن نجل الرئيس هو الآخر، لم يتورع عبد المنعم سعيد عن التحريض ضد الصحافة الحزبية المستقلة هي الأخرى، متهماً إياها باختلاق ما وصفه «بالكذبة الكبرى» وأطلق على هذه الكذبة اسم «فنكوش» لجنة السياسات وأمينها جمال مبارك، نزيل سجن طرة.

سين سؤال : وما هي قصة هذه الكذبة التي أسماها عبد المنعم سعيد «فنكوش» جمال مبارك؟

جيم جواب: هي قصة مضحكة، تستخف بالعقول وتتحدث عن «غول» تسد أذرعه عين الشمس، ورغم ذلك لا يراه الدكتور عبد المنعم سعيد وينفي وجوده.

القصة، بدأت على صفحات جريدة «الأهرام» منذ أربع سنوات تقريباً، وبالضبط، في الثلاثاء 31 يناير عام 2006 حينما كتب عبد المنعم سعيد، مقالاً فجاً، قال فيه بالحرف : (مصر بها حالياً غول وهمي، يقيل الوزراء ويعينهم، ويعين رؤساء التحرير ويعفيهم من مناصبهم، ويدعم رجال الأعمال، ويحمي الرأسمالية المتوحشة، اسمه «فنكوش»). فهل تعرف هذا الفنكوش؟ يقول عبد المنعم سعيد في المقال نفسه : (خلال العامين الماضيين قام الإعلام المصري، الحزبي والمستقل، بخلق «فنكوش» وهمي يسمى لجنة السياسات، لا علاقة له بواقع لجنة السياسات التي عرفتها كواحد من أعضائها). هكذا دون حياء، ودفاعاً عن نجل الرئيس ولجنته، اتهم عبد المنعم سعيد الإعلام الحزبي والمستقل في مصر، بأنه يكذب وأنه يظلم جمال مبارك وينسب له وللجنة السياسات نفوذاً «وهمياً»، دون أن يفسر لنا مثلاً، لماذا حدث أن أمين لجنة السياسات (كان نجل الرئيس بالذات) ولم يكن نجلي أو نجلك مثلاً؟ هل هي ديمقراطية الحزب الحاكم الجاثم على صدورنا منذ ثلاثين عاماً وزيادة، أم أن الإعلام الحزبي والمستقل هو الذي أتى بجمال مبارك ونصبه أميناً لهذه اللجنة «بالتعيين» فور اليوم الأول لاستحداثها؟ هل الإعلام الحزبي والمستقل هو الذي جعل نجل الرئيس يقود ويرأس أساتذة ودكاترة ووزراء لهم تاريخ في العمل السياسي يعادل عمره؟ هل الإعلام الحزبي والمستقل هو الذي جعل الدكتور عبد المنعم سعيد هو وغيره من الدكاترة والوزراء يجلسون أمام جمال مبارك كالتلاميذ في حضرة الأستاذ، وجعل الوزراء والمحافظين يرافقونه بالطبل والزينة، إن زار قرية أو مدينة؟ هل الإعلام الحزبي والمستقل هو الذي جعل الدكتور عبد المنعم سعيد هو وغيره في لجنة السياسات لا ينادون جمال مبارك أو يتحدثون عنه باسمه، وإنما يكتفون فقط بذكر كلمة «الأستاذ»؟

المقرف أكثر : هو أن الدكتور عبد المنعم سعيد المدافع الصنديد عن حكم رجال الأعمال والأنجال، مهما كان زاخراً بالفساد والاحتيال، في نفس مقاله المنشور بـ «الأهرام» في 31/1/2006 قال أيضاً وبالحرف : (لم تفلح جهود وتصريحات الرئيس مبارك، ولا السيد جمال مبارك في نفي سيناريو التوريث، أو نفي نفوذ لجنة السياسات ونفوذ أمينها جمال مبارك، حتى تشعبت هذه الكذبة الكبرى وصارت جزءاً من الثقافة السياسية القومية). وإمعاناً في التضليل والتحريض، تساءل عبد المنعم سعيد عن السبب قائلاً : (هل يعود ذلك إلى القوة غير العادية لوسائل الإعلام، أم أنه راجع إلى حالة التربص في الساحة السياسية، أم أن السبب يعود إلى أن أمين لجنة السياسات حدث أنه كان نجل رئيس الجمهورية وهناك من يريد إصابتهما معاً بحجر واحد؟). وأنا بدوري أقول للدكتور عبد المنعم سعيد : إذا كنت حقاً تريد أن تعرف لماذا (لم تفلح جهود وتصريحات الرئيس مبارك، ولا السيد جمال مبارك في نفي سيناريو التوريث، ونفي نفوذ لجنة السياسات ونفوذ أمينها جمال مبارك) .. ولماذا لم تفلح جهودك أنت أيضاً وكل أبواق الحكومة في تحقيق نفس الهدف، إذا كنت حقاً تريد أن تعرف السبب، اخطف رجلك إلى مكتبة الهيئة المصرية العامة للكتاب على كورنيش النيل واشتر منها كتاباً صادراً عام 1987 عن نفس الهيئة، وهي هيئة حكومية كما تعلم، عنوانه : (مبارك رئيساً الحاضر والمستقبل) وهو كتاب فخم ضخم يحتوي على (482) صفحة من الورق الفاخر، وغلافه من الورق المصقول، وكله طبعاً على حساب صاحب «المخل»، والكتاب له مقدمتان الأولى كتبها الدكتور أحمد هيكل وزير الثقافة وقتها، والثانية كتبها الدكتور سمير سرحان، وكان وقتها هو الآخر رئيساً للهيئة المصرية العامة للكتاب. المهم، أمسك الكتاب يا دكتور عبد المنعم، ثم افتحه على الصفحة (117) واقرأ فيه بنفسك هذه الفقرة التي جاءت في الخطاب الذي ألقاه الرئيس مبارك عبر التلفزيون على الشعب المصري يوم الثاني من مايو عام 1983 في هذه الفقرة، ووفقاً للنص المنشور في الكتاب، قال الرئيس مبارك بالحرف : (بيع مش هانبيع .. وأي واحد وطني في مصر لا يمكن يفكر مجرد تفكير في بيع القطاع العام، لأن هو ركيزة البلد وهو كمان الكنترول على الأسعار .. مش ممكن نضع مقدرات الدولة في إيد غريبة على الدولة .. مش ممكن .. إحنا مش هانبيع القطاع العام .. وأنا بأقولكم أهو، ماتصدقوش اللي يقولكم إننا هانبيع القطاع العام .. لأنه كلام كذب وافتراء وتخريف .. مش ممكن أبداً نبيع القطاع العام في أي يوم من الأيام). هكذا نصاً، قال الرئيس مبارك وسمعه الجميع، بل وقال أيضاً : (أي واحد وطني في مصر لا يمكن يفكر مجرد تفكير في بيع القطاع العام، لأن هو ركيزة البلد وهو كمان الكنترول على الأسعار). وبعد كل هذه التأكيدات من رئيس الدولة شخصياً، تم بيع القطاع العام (ركيزة البلد والكنترول على الأسعار) كما قال الرئيس بعضمة لسانه. فهل يصدقكم أحد بعد ذلك؟ هل يصدقكم أحد إذا نفيتم سيناريو التوريث، أو نفيتم نفوذ لجنة السياسات أو نفوذ أمينها جمال مبارك ووصفتوه «بالفنكوش» أو بالغول الوهمي؟

سين سؤال : قلت منذ سطور إن الدكتور عبد المنعم سعيد في مقاله المنشور بجريدة «الأهرام» في 16 مارس 1998 قال نصاً : (قد يكون مفهوماً في ظل الاحتلال الإنجليزي لمصر أن تدعو الصحافة المصرية إلى مقاطعة البضائع الإنجليزية) فهل طالب هو إذن بمقاطعة بضائع أمريكا لأنها حالياً تحتل العراق؟ أو طالب مثلاً بمقاطعة بضائع «إسرائيل» لأنها تحتل فلسطين؟

جيم جواب : بالعكس .. الدكتور عبد المنعم سعيد يروج للتطبيع، ويستبسل في الدفاع عن تصدير البترول والغاز المصري إلى «إسرائيل» قبل تصديره إلى شبرا أو البراجيل. ومن فرط التصهين، وصل استبساله في الدفاع عن تصدير الغاز لمن قتلوا أسرانا في سيناء إلى حد وصفه لحكم المحكمة الإدارية بوقف تصدير الغاز المصري للصهاينة بأنه (تدخل من القضاء في شؤون السلطة التنفيذية) .. تخيلوا .. الدكتور عبد المنعم سعيد، المدافع الصنديد عن التطبيع وسنيه، في مقاله المنشور بـ «الأهرام» صباح الاثنين 4/10/2010 يقول دون خجل : (لوحظ في الآونة الأخيرة تزايد حالات التدخل من جانب القضاء في عدد من القضايا، منها تحديد الحد الأدنى للأجور، وهي مسألة اقتصادية في جوهرها تتصل بسوق العمل، وتصدير الغاز المصري لـ «إسرائيل» وهو عمل من أعمال السيادة للدولة) .. وكأن الدولة، هي الرئيس مبارك أو هي سامح فهمي وزير البترول أو هي حكومة الحزب الوطني، ومصر «عزبة» خاصة، يتصرفون فيها وفي ثرواتها دون رقابة من البرلمان أو من القضاء المصري الذي يستكثر عليه عبد المنعم سعيد أن يصدر حكماً يلزم الحكومة بالتوقف عن دعم الصهاينة القتلة بالغاز المصري .. يعتبر مثل هذا الحكم (تدخلاً في أعمال السيادة).

ومن فرط التواطؤ، تقمص عبد المنعم سعيد أيضا دور الخبير في «الغاز» وأسعار الغاز، وراح في برنامج «ما وراء الخبر» الذي بثته قناة «الجزيرة» مساء 7/10/2008 والشريط موجود، يصف السعر الذي تبيع به حكومته الغاز المصري لأصدقائه الصهاينة بأنه : (سعر مناسب وعادي، وليس سعراً تفضيلياً) وكأن المشكلة هي السعر، متناسياً من هي «إسرائيل» التي يدعمونها بالغاز المصري، دون اكتراث بأي اعتراضات على هذا «العار» الذي لن ينساه التاريخ، ودون أن يحترم حق المصريين في المعرفة ويقول لهم: ما هو المبرر الوطني والأخلاقي الذي يجعل «القيادة السياسية» تصدر الغاز المصري إلى «إسرائيل» مهما كان سعر التصدير؟ وما هو المبرر الوطني والأخلاقي الذي يجعل هذه «القيادة» أو غيرها، تدعم ذلك الكيان المحتل الغاصب بالغاز المصري، لدعم اقتصاده، وتشغيل مصانعه، وتسيير آلته العدوانية، وإنارة مستوطناته فوق الأرض الفلسطينية المحتلة؟ وهو عار لن ينساه التاريخ، ناهيك عن أن مصر هي الأشد حاجة لهذا الغاز وبيوت مصر ومصانع مصر من المفترض أن لها الأولوية في هذا الغاز الذي يذهب للأسف إلى «إسرائيل»، قبل أن يصل بعد إلى أحياء ومصانع وبيوت «مصرية» كثيرة في محافظتي القاهرة والجيزة، ولا أقول محافظات الصعيد أو الوجه البحري.

سين سؤال : لكن الدكتور عبد المنعم سعيد في مقاله المنشور بـ «الأهرام» في 7/7/2008 يقول : (ليس عندي سوى الحقيقة، أقولها للناس دون تلوين أو تزويق). فكيف إذاً يتجاهل كل هذه الحقائق ويدافع عن جريمة تصدير الغاز المصري إلى «إسرائيل»، والغاز لم يدخل بعد بيوت سيناء أو البراجيل؟

جيم جواب : ليس عندي اعتراض على أن يقول عبد المنعم سعيد إن كلامه هو «الحقيقة»، لكن المشكلة هي أنه في أحيان كثيرة يقول الرأي ونقيضه، فأي الرأيين نصدق، وأي الرأيين هو الحقيقة.

هو مثلاً، في مقاله المعنون (ثلاثة عقود على زيارة السادات للقدس) المنشور بجريدة «الأهرام» في 19/11/2007 تغزل في الرئيس السادات وفي زيارته لـ «إسرائيل» قائلاً إن (السادات عرف قدر مصر ولم يجعلها مطية لجماعة من المزايدين والمغامرين العرب، الذين فضلوا الاحتلال على التحرير، والتخلف على التقدم، والضعف على التنمية). وبالطبع، لن أسأل محتكر الحقيقة : أين هي «التنمية» التي يقول إن الرئيس السادات فضلها على الضعف، أو أين هو «الرخاء» الذي وعدنا به السادات قبل سفره إلى «إسرائيل»؟ ولن أسأل الباحث العلمي المدقق د .عبد المنعم سعيد : هل قرأ «الكف» حتى يقطع هكذا بأن من وصفهم بالمغامرين والمزايدين من العرب (يفضلون الاحتلال على التحرير؟) .. هل فتش في ضمائرهم وعرف ما بداخلهم؟ لن أسأل عبد المنعم سعيد مثل هذه الأسئلة البديهية، لكني فقط أسأله : ألا يخجل من هذا التحول المزري من النقيض إلى النقيض؟ هو الآن يركب الموجة ويتغزل في السادات (صاحب المبادرة) كما يسميه، ونسي هجومه على نفس السادات منذ عشرين عاماً وأكثر، ونسي أيضاً هجومه الصريح على ما أسماه وقتها (المساوئ في الإستراتيجية التي اتبعها الرئيس السادات ونقاط الضعف في سياسته وفي معاهدة السلام).

إذا كان عبد المنعم سعيد قد نسي حقاً، أو تناسى، فها هو البحث الذي قدمه عام 1988 للمؤتمر السنوي الثاني للبحوث السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، بعنوان (العودة إلى الصف : مصر والوطن العربي من عام 1978 حتى عام 1988).

في هذا البحث، قال الدكتور عبد المنعم سعيد نصاً : (القيود العسكرية المفروضة على سيناء بمقتضى معاهدة السلام حولت سيناء إلى رهينة لأي تغيير في الفكر «الإسرائيلي»). وقال أيضاً في البحث نفسه : (رغم التوقيع على اتفاقية السلام مازال الأمن القومي المصري معرضاً للتهديد من «إسرائيل»، ولا يمكن من وجهة النظر المصرية الاعتماد على حسن النوايا «الإسرائيلية». وكذلك، مازال الأمن الاقتصادي المصري هو الآخر مهدداً من «إسرائيل») هكذا قال عبد المنعم سعيد نصاً وبعضمة لسانه عام 1988 أي منذ عشرين عاماً وزيادة. فأي عبد المنعم سعيد نصدق؟ الذي يقول إن «إسرائيل» مازالت تهدد أمننا القومي والاقتصادي، وإن معاهدة السلام حولت سيناء إلى رهينة في يد «الإسرائيليين». أم عبد المنعم سعيد الذي يتعلل بنفس المعاهدة ويروج للتطبيع مع نفس الذين يقول إنهم يهددون أمننا القومي، ويدافع دون خجل عن دعمهم ودعم اقتصادهم ومستوطناتهم بالغاز المصري في عز حاجة بيوتنا ومصانعنا إلى هذا الغاز؟ أي عبد المنعم سعيد نصدق؟ الذي يفرد الملاءة لإيران حالياً قبل الأكل وبعده ويقول إنها دولة «إرهابية» وإنها وليست «إسرائيل» تهدد أمننا القومي، أم عبد المنعم سعيد الذي سبق أن تغزل في إيران وقال نصاً : (زمن القطيعة بين مصر وإيران طال أكثر مما ينبغي، ومصر لديها كل ما يدعوها إلى التقارب فوراً مع إيران).

سين سؤال : بقي أن نعرف حكاية قائمة «الشرف» «الإسرائيلية» التي قلت في بداية هذه السطور إن الموقع الإلكتروني «الرسمي» لوزارة الخارجية «الإسرائيلية» يحرص على الاحتفاء بمقالات عبد المنعم سعيد وإعادة نشرها باستمرار.

جيم جواب : هي قائمة تضم الكتاب والصحفيين «المتصهينين» من العرب، الذين يروجون للتطبيع مع القتلة والمحتلين، ويبررون جرائم الصهاينة والأمريكيين.

وعلى سبيل المثال : كانت جريدة «الأهرام»، التي يعمل بها عبد المنعم سعيد والمفترض أنه يقرؤها، قد صدرت صباح الأحد 28/12/2008 أي في اليوم التالي مباشرة لبدء المجزرة التي أسمتها «إسرائيل» وقتها بعملية «الرصاص المصبوب»، وعلى صفحتها الأولى عنوان بالخط العريض يقول نصاً : (مجزرة «إسرائيلية» في غزة 230 شهيداً و700 مصاب فلسطيني في عدوان همجي تزامن أمس مع خروج الأطفال من المدارس). إلا أن عبد المنعم سعيد وأمثاله من «المتصهينين»، تسابقوا وقتها، في تبرير هذه المجزرة، وعلقوها في رقبة «حماس»، بحجة أنها تضرب جنوب «إسرائيل» بالصواريخ، وكأن «إسرائيل» لا تحتل فلسطين ولا تقتل الفلسطينيين كل يوم.

وعليه : قال نفس الموقع «الإسرائيلي» الرسمي إن «تسيبي ليفني» وكانت وقتها وزيرة للخارجية الصهيونية، قد احتفت بمقالات هؤلاء «المتصهينين» واستشهدت بها للتدليل على أن هناك من الصحفيين العرب من يؤيد جريمتهم ضد أشقائنا في غزة، بل وأشارت الوزيرة بإعادة نشر هذه المقالات وغيرها على الموقع الرسمي لوزارة الخارجية «الإسرائيلية»، وهو ما يحدث فعلاً حتى الآن. ووفقاً لما قاله الموقع الإلكتروني للمركز الفلسطيني للإعلام في 28/1/2009 وصفت الوزيرة «ليفني» أصحاب هذه المقالات (بالسفراء العرب لـ «إسرائيل» في البلدان العربية وأنهم أفضل من ينقل وجهة النظر «الإسرائيلية» للقارئ العربي).

وحتى لا يخيب أمل الصهاينة فيه، كتب عبد المنعم سعيد على صفحات جريدة «الشرق الأوسط»، في الاثنين 24/8/2009 مقالاً مقززاً، أفتى فيه من جديد بضرورة التطبيع مع القتلة والمحتلين برغم ما اقترفوه في مجزرة غزة، وطالب العرب صراحة في هذا المقال بما أسماه (بعض مبادرات التطبيع مع «إسرائيل») بحجة أن هناك لحظة جديدة في الصراع أسماها (لحظة أوباما). ورغم أنه في المقال نفسه أقر صراحة بأن (ورقة التطبيع من أوراق العرب المهمة)، وأن لها قيمة كبيرة لـ «إسرائيل» (لأن فيها بعضاً من إعطاء الشرعية لها)، بعد أن أقر عبد المنعم سعيد بذلك صراحة، سخر في نفس مقاله من قول عمرو موسى (لا تطبيع بالمجان) وراح دون حياء يروج لدعاوى الصهاينة المحتلين، ويطالب العرب بما أسماه (بعض مبادرات التطبيع) في ظل ما يقترفه الصهاينة يومياً من قتل وحصار وتجويع لأشقائنا الفلسطينيين. وفي نفس الحين، تزدحم مقالاته بالعديد والجديد من وصلات «الردح» والتحريض المفضوح، ضد إيران و«حزب الله» و«حماس»، وأيضاً ضد معارضي التطبيع ورافضي دعم أمن واقتصاد العدو الصهيوني بالبترول المصري والغاز، وبالجدار الفولاذي، الذي تبنيه حكومته بين مصر وغزة بدعوى (حماية الأمن القومي المصري من خطر أهل غزة الأشرار)، أما خطر «إسرائيل» وجواسيسها الذين يتجولون في مصر بحرية تحت ستار التطبيع، ويتساقطون تباعاً في أيدي المخابرات المصرية، فلا يفتح عبد المنعم سعيد فمه، لا عن معنى ودلالة كل هؤلاء الجواسيس رغم اتفاقية السلام نفسها، ولا عن خطر «الإسرائيليين» الذين يدخلون جنوب سيناء ويمكثون فيها لمدة أسبوعين كاملين بدون «تأشيرة» رغم أنف عبد المنعم سعيد وأمثاله من الأبواق التي تتشدق كثيراً «بالسيادة» الوطنية.

[**التحريض على قطاع غزة*]

أفضح مثال على ذلك التحريض المفضوح، هو ما كتبه عبد المنعم سعيد قبل أيام قليلة من المجزرة التي شنتها «إسرائيل» على غزة وأسمتها «الرصاص المصبوب».

قبلها، قام عبد المنعم سعيد بواجبه في التمهيد لهذه المجزرة بالتحريض ضد غزة وأهل غزة، وكتب على صفحات جريدة «المصري اليوم» في 16/11/2008 مقالاً مشبوهاً عنوانه : (حان وقت الحساب) .. في ذلك المقال طلب عبد المنعم سعيد من حكومته، حكومة «الكذب» الوطني الديمقراطي، فتح ما أسماه ملف (إمارة «حماس» في غزة ومحاسبتها على استمرار انتهاكاتها لحدود مصر) هكذا نصاً، ومن فرط التصهين والتواطؤ و(الانتقائية) لم يجرؤ طبعاً ولن يجرؤ، على فتح فمه ومطالبة حكومته بفتح أيضاً ملف «إسرائيل» (ومحاسبتها هي الأخرى، على استمرار انتهاكاتها لحدودنا) سواء بقيامها (بتهريب الممنوعات والمخدرات إلى مصر) كما قال نصاً اللواء مراد موافي محافظ شمال سيناء في حوار مسجل ومنشور بجريدة «الشروق» في الأحد 25/7/2010 أو بقتلها الضباط والجنود والمدنيين المصريين، ومنهم مثلاً، وعلى سبيل التذكرة لمن باعوا الذاكرة أو صهينوها، الجنود المصريون الثلاثة الذين قتلتهم القوات «الإسرائيلية» على الحدود، وهم عامر أبو بكر عامر، وهاني علي صبحي، ومحمد عبد الفتاح علي، وفقاً لما نشرته جريدة «الأهرام» في السبت 20/11/2004 وأيضاً، قتلها جنديين مصريين آخرين، وفقاً لجريدة «الأهرام» نفسها في الخبر الذي بشرتنا به على «الريق» صباح السبت 3/6/2006 على صفحتها الأولى وبالخط العريض أيضاً، حتى لا يتحجج الدكتور وأمثاله، بأنه لم يشاهد ذلك الخبر الذي نشرته «الأهرام» يومها بعنوان : (القوات «الإسرائيلية» تقتل شرطيين مصريين بالأمن المركزي) وإن كانت شبكة (بي. بي. سي) البريطانية للأخبار، قد قالت على موقعها الإلكتروني في الجمعة 2/6/2006 (ضابطين) وليس شرطيين. وبالطبع، كل هذه الجرائم وغيرها من جرائم الصهاينة والأمريكان، خرس تجاهها عبد المنعم سعيد ومازال.

ويبقي السؤال : هؤلاء المتصهينون، لماذا هم في التطبيع مستمرون؟ هل لأنهم في الحقيقة مرتزقة ولا يعنيهم سلام ولا يحزنون؟ أم لأنهم أيضاً يملؤون بطونهم بلحم الوطن ودماء الشهداء ومن أنفسهم لا يتقيأون؟

- [**المصدر : صحيفة «الخليج» الإماراتية، وينشر بترتيب مع وكالة «الأهرام» للصحافة.*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2177784

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2177784 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40