الأربعاء 13 تموز (يوليو) 2011

أوراق الخريف ليست ربيعاً

الأربعاء 13 تموز (يوليو) 2011 par أمجد عرار

عندما تحدّث أحد قادة جنوب السودان عن استعداد الدولة الوليدة لإقامة علاقات “طبيعية” مع “إسرائيل”، ظن البعض أن الأمر لا يتعدى محاولة استرضاء ما يسمى المجتمع الدولي، باعتبار أن “إسرائيل” الابنة المدللة لكل العالم . الآن وقد ولدت جمهورية جنوب السودان رسمياً، بدأت “إسرائيل” في إقامة موطئ القدم الموعودة به، بل وعرضت تقديم مكافأة اقتصادية للدولة المنفصلة عن الجسد العربي والسوداني . لا يتعلّق الأمر بنوايا ومخططات أوكلت لمؤسسات أخطبوطية كوكالة “إسرا إيد” التي تلبس ثوب الإغاثة والعمل الأهلي، إرسال مساعدات إنسانية، بل بنشاطات قائمة أقلها وجود خبراء “إسرائيليين” يمارسون سياسة الاختراق من منافذ الزراعة، مثلما جرى في مصر التي صنعها فلاحوها ومزارعوها منذ سبعة آلاف عام .

نجزم بأن النظام الرسمي العربي الذي تفرّج على تقسيم السودان ونزفه المستمر منذ عقود من دون أن يحرّك ساكناً، لن تهتز له قصبة حتى لو رأى مستوطنات تبنى في الدولة التي شاهدنا بعيون دامعة وقلوب منفطرة محفل تقسيمها الحافل بوعود قادة العالم الذين بذلوا كل جهد ووسيلة وشعار وكذب ونفاق للوصول إلى هذه الغاية .

مندوب أمريكا كان الأكثر سعادة وهو يرى أحلام بلاده وقد أصبحت واقعاً يتحقق في حلقته الأولى، ولم يدانيه في الفرح سوى أمين عام ما تسمى منظمة الأمم المتحدة بان كي مون، أشد الأوفياء لإدارة باراك أوباما الذي جدد له لولاية ثانية .

كل ما رافق وتخلل انفصال الجنوب، لا يوازي موطئ القدم “الإسرائيلي” الذي يعبّر عن خريطة صهيوامبريالية يراد لها أن تجعل أحلام الأمة العربية كوابيس وتحويل ربيعها إلى صيف سياسي واقتصادي قائظ .

متحذلق عربي من السلك الدبلوماسي يربط تأثير النفوذ “الإسرائيلي” في جنوب السودان بمدى فعالية الدور العربي هناك باعتبار أن المصالح العربية مع الجنوب قوية . لو كان هذا الكلام له رصيد، لما حصل الانفصال من أصله، بل لو كان الحكم المركزي في السودان سلطة حقيقية لكل السودانيين لما دفع بعضهم للشعور بالاغتراب، ولما منح الفرصة لقوى أقسمت على أن تجعل رسالتها الدائمة تفتيت الأمة العربية وتحطيم مقدراتها ونهب ثرواتها .

من المجدي والمفيد أن يعرف المرء مدى صلابة الأرض التي يقف عليها ومدى نقاء الهواء الذي يتنفسه . نحن نتخبّط يمينا ويساراً ولا نهتدي إلى الطريق الذي يجب أن نسير فيه نحو هدف كبير أو صغير . وإذا أردنا ألا نضحك على أنفسنا، فإن علينا أن ندرك أننا ما زلنا في العربة الأخيرة من قطار الحضارة البشرية، وما زلنا عتبة يخطو فوقها كل مستعمر يعبر مصاطبنا .

من السابق لأوانه الحديث عن ربيع عربي، فما زالت أوراق خريفنا تتساقط حولنا، وما زال الطامعون بنا مرتاحين لحقيقة كوننا لا نكلفهم الحد الأدنى من جهد تحويلنا إلى ضحايا لأنفسنا، والتلاعب بنا كما يعالج اللاعب الكرة بقدميه . هذا لن يدفعنا للتشاؤم بالمستقبل، لكن قراءة الحاضر بعينين علميتين تقصر عمر البؤس الراهن، ويعفي عينينا من رؤية موطئ قدم “إسرائيلي” في بقع عربية أخرى تنفصل عن أوطانها، في حين أننا نصفّق للمؤامرة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 29 / 2178820

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2178820 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40