الجمعة 15 تموز (يوليو) 2011

كيف تحولت اليونان إلى فرقة في الجيش (الإسرائيلي)؟

هناء عليان
الجمعة 15 تموز (يوليو) 2011

لا تزال« إسرائيل» تتخبط في كيفية تعاملها مع سفن كسر الحصار على غزة، فالفضيحة التي منيت بها جراء المجزرة التي ارتكبتها على متن “أسطول الحرية-1”، لاسيما الاعتداء على سفينة “مرمرة” التركية العام الماضي، إذ قتلت تسعة متضامنين أتراك وجرحت العشرات، ما زالت تطاردها في المحافل الدولية وفي علاقاتها مع تركيا، ولذلك فهي تخشى تكرار مثل تلك الجريمة رغم سيل التهديدات التي تطلقها بين الحين والآخر.

هناك في داخل الكيان «الاسرائيلي» من يعارض الوقوف في وجه سفن كسر الحصار الإنسانية، ليس إنسانية منهم بل من أجل الحفاظ على المصالح الصهيونية، فهم يرون أن مثل تلك الأفعال تساهم “في نزع الشرعية” عن «إسرائيل»، وتدمر علاقاتها مع الدول التي تربطها بها صداقات، لذلك نجد اليوم أن إسرائيل نقلت المعركة مع المتضامنين وسفن كسر الحصار المتعددة الجنسيات، بعيداً عن حدودها الغاصبة إلى أرض اليونان، واستخدمت كل أشكال الابتزاز لمنع السفن من المرور بصورة “قانونية” من قبل الحكومة اليونانية، كما استخدمت عملاءها لتعطيلها بأعمال تخريبية.

لا يفاجىء المرء من الاستغلال الإسرائيلي الواضح لمصاعب اليونان الاقتصادية، فبينما الأخيرة على وشك الإفلاس وتبدي استعدادها للقيام بأي شيء من أجل حفنة من المساعدات المالية، كان لا بد للكيان الصهيوني وكما عودتنا التجارب، من استغلال هذا الضعف لصالحه، فاتخذ من أثينا محطة لتوجيه الضربة تلو الأخرى إلى “أسطول الحرية-2” لمنعه من التوجه صوب غزة وكسر الحصار ووقف معاناة أهالي غزة المستمرة، علماًُ أن الأسطول المكون من عشر سفن تقريباً تحمل على متنها أكثر من 350 ناشطاً من 22 دولة، يحاول إدخال بضائع إلى قطاع غزة، في تحد للحصار الإسرائيلي المفروض على غزة قبل أربع سنوات.

تخريب متعمد

الأمر لم يتوقف عند منع السفن الإنسانية من الإبحار، بل شمل كما ذكرنا عمليات استهداف لتعطيل هذه السفن وهي راسية في الموانئ التركية واليونانية، وفي هذا السياق، أتهم نشطاء أيرلنديون« إسرائيل» بتخريب سفينتهم بينما كانت راسية في تركيا لمنعها من الانضمام إلى قافلة السفن الدولية المتجهة إلى قطاع غزة، وأدرك طاقم السفينة ساويرز أن ضرراً ما لحق بعمود الدواسر عندما أخذوا السفينة لإعادة تزويدها بالوقود في جوجيك على ساحل جنوب غرب تركيا، وقال النشطاء إن مهندساً بحرياً فحص السفينة في حوض جاف قال إنها تعرضت للتخريب، وأكد الأيرلنديون أن ما حصل مماثل للضرر الذي لحق بالسفينة السويدية ولا يحتاج المرء إلى أن يكون شيرلوك هولمز لتحديد المسؤول عن هذا..

تظاهرة جوية

من جهة ثانية، كانت تل أبيب عبرت عن قلقها من تحركات جديدة وغير مسبوقة يقوم بها المتضامنون مع الشعب الفلسطيني والمنادين بكسر الحصار المفروض على قطاع غزة، وذلك عن طريق الجو هذه المرة.

فمنذ الأيام الأولى لظهور العراقيل التي يشهدها “أسطول الحرية-2”، أفادت مصادر أمنية عبرية بتدارس تل أبيب لمواجهة احتمال محاولة متظاهرين ومتضامنين مع غزة الوصول إلى الدولة العبرية من الخارج جواً، والتظاهر في مطار بن غوريون« الإسرائيلي» الدولي، وربما الوصول إلى قطاع غزة،

وبحسب المصادر، فإن السلطات« الإسرائيلية» كانت تلقت معلومات عن هذا التوجه، حيث قامت مختلف الأجهزة السياسية والأمنية الإسرائيلية بمناقشة الأمر والخطط المتوجبة لمواجهة أي خرق إنساني للحصار الجوي على غزة وذلك في إطار الإعداد لمواجهة قافلة السفن الدولية “أسطول الحرية- 2”،

ونقل عن مصدر سياسي قوله “إن المعلومات الاستخبارية التي تلقتها« إسرائيل» مدروسة ومؤكدة، وأن منظمي التظاهرات الجوية يكاد يكون عددهم 500 وأكثر”.

وأضاف المصدر ذاته أنه “لا يستبعد محاولة المتظاهرين الاستيلاء على طائرة ركاب”، على حد زعمه، لذلك تقرر إشراك سلاح الجو وشرطة الاحتلال في النقاش.

الدور اليوناني المشبوه

وكان من المقرر أن تبحر من ميناء أثينا اليوناني سفينتان يونانيتان على متنهما 46 متضامناً أوروبياً، يرافقهم أمين عام المبادرة الفلسطينية النائب مصطفى البرغوثي، وذلك بعد أيام من منع السلطات اليونانية مغادرة عدد من سفن الأسطول عبر موانئها البحرية، في خطوة اعتبرها المتضامنون المشاركون في الأسطول رضوخاً لمطالب الاحتلال الإسرائيلي بمنع وصول أي سفن إلى قطاع غزة،

وكانت السلطات اليونانية منعت إحدى السفن الأميركية من الإبحار إلى غزة، وقامت باحتجاز وثائق سفينة كندية ثانية، كما أن قوات خفر السواحل اليونانية أبلغت أيضاً السفينتين الفرنسيتين عدم السماح لهما بالإبحار.

وفي سياق متصل، أبلغ مصدر يوناني المتضامنين بأن« اسرائيل» توافق على السماح بإدخال 400 شاحنة يومياً إلى قطاع غزة، غير أن المتضامنين رفضوا ذلك وأكدوا على حق غزة في رفع الحصار عنها بشكل كامل، وعلى ضرورة إيجاد ممر بحري أمن لها.

من جانبه، أكد النائب البرغوثي أن هناك إصراراً على الإبحار، وإصراراً على الوصول إلى غزة،

وأشار إلى أن السلطات اليونانية ما زالت متعنتة عند موقفها من عدم السماح لأي أحد بالتوجه إلى غزة، لكنه أكد أن هناك ضغوطاً داخلية يونانية لثني السلطات عن موقفها، وأن برلمانيين وأحزاباً يونانية تمارس الاحتجاج، وهناك إجراءات قانونية تقول إنه قانونياً لا يجوز منع السفن من التوجه حيث تريد،

وكانت الحملة الأوروبية لكسر الحصار عن غزة أكدت أن منع سفن “أسطول الحرية ـ 2” من الإبحار نحو القطاع المحاصر، لن توقف جهودهم والمشاركين معهم في “أسطول الحرية ـ 2” حتى يتم طي صفحة الحصار والاحتلال نهائياً.

في هذا السياق، حاولت إسرائيل أن تظهر ارتياحها وأكدت على لسان وزير دفاعها إيهود باراك أن احتمالات انطلاق رحلة قافلة السفن الدولية إلى قطاع غزة قد تلاشت، مشدداً في الوقت ذاته على ضرورة الاستعداد التام لاحتمال تسيير الرحلة في نهاية المطاف.

وأضاف أن ما قامت به الحكومة اليونانية في سبيل منع انطلاق أسطول الحرية وإبحاره من موانئها، جاء نتيجة نشاط شامل بادرت إليه وزارة الخارجية وديوان رئيس الوزراء« الإسرائيلي» ووزارة الجيش، بالتنسيق مع حكومات اليونان وقبرص وتركيا ودول أخرى.

وفي تعنت واضح، كشف وزير الخارجية« الإسرائيلي» المتطرف ليبرمان أن إسرائيل تقف خلف قرار اليونان بمنع إبحار “أسطول الحرية ـ 2”، وقال “إن الأمور لا تحدث من تلقاء ذاتها”، لافتاً إلى أن اللجنة الرباعية وقبرص واليونان تعارض الأسطول وأن هذه الدول تتفهم احتياجات« إسرائيل» وتتصرف بطريقة ناجعة، وقال إن نجاح تلك الجهود على الصعيد الدبلوماسي لم يأت تلقائياً، بل إنه ثمرة اتصالات كثيفة مع دول المنطقة والمجتمع الدولي".

ونقل عن دبلوماسيين« إسرائيليين» قولهم إنه في هذه الأيام وفيما ينهار الاقتصاد اليوناني وتحتاج اليونان إلى أي دولار فإن آخر شيء يريدونه هو اندلاع مواجهات مع اسرائيل في حال لم يمتثلوا لأوامرها.

طعنة في الظهر

إلى ذلك، أكد مصدر مسؤول في ائتلاف أسطول “الحرية -2” أن اليونان وبمشاورات مع رئيس السلطة محمود عباس قدمت عرضاً للمتضامنين يتم بمقتضاه عودة المتضامنين وشحن المساعدات الإنسانية إلى غزة عن طريق ميناء أسدود أو العريش وبتعاون وتنسيق كامل مع الأمم المتحدة وبالطرق الرسمية، لكن المتضامنين رفضوا رفضاً تاماً العرض اليوناني، واعتبروه تحايلاً يهدف إلى إبقاء الحصار على غزة بطرق مختلفة، وتناغماً مع الموقف الإسرائيلي الذي لا يعارض مثل هذا الاقتراح.

وأشار إلى أن غضباً شديداً ساد المتضامنين حين علموا أن العرض اليوناني جاء نتاج مباحثات ومشاورات تمت بين عباس ووزير الخارجية اليوناني، بحيث اعتبر المتضامنون موقف عباس “طعنة في الظهر”، مستذكرين موقفه القديم حين وصف سفن كسر الحصار بأنها لعبة سخيفة، وأن أصحابها يأخذون التصاريح من إسرائيل قبل دخولهم إلى غزة".

تحركات ضاغطة

من جانبهم، أعلن النشطاء الأمريكيون المشاركون في الأسطول إضراباً مفتوحاً في سفارة واشنطن بأثينا لمطالبة الإدارة الأميركية بالضغط للسماح بإبحار الأسطول والإفراج عن قبطان السفينة الأميركية الذي احتجزته السلطات اليونانية.

إلى ذلك، احتلت مجموعة من الناشطين الإسبان السفارة الإسبانية في أثينا، للاحتجاج على منع السلطات اليونانية سفينة إسبانية مشاركة في الأسطول من مغادرة ميناء يوناني للإبحار إلى قطاع غزة، وهناك 21 ناشطاً إسبانياً يعتزمون الإبحار على متن السفينة الإسبانية “جرنيكا” الراسية في جزيرة كريت اليوناني.

وأصر الناشطون على أنهم سوف يواصلون احتلال السفارة حتى تسمح السلطات اليونانية لهم بالإبحار إلى غزة.

من جهة أخرى، نظم المنتدى الفلسطيني في بريطانيا مع عدد من المنظمات الأعضاء في تحالف “من بريطانيا إلى غزة” الذي يشارك بوفد من الشخصيات والناشطين البريطانيين في أسطول الحرية- 2، اعتصاماً تضامنياً مع الأسطول الذي منعته اليونان من الإبحار.

وفي ذات السياق، أصدرت اللجنة الدولية لكسر الحصار ومقرها لندن، بيانا ًاستنكرت فيه القرار اليوناني، وقالت فيه: “إن حل المشاكل الاقتصادية لليونان يجب ألا تكون على حساب الشعب الفلسطيني”، في إشارة إلى الوعود الإسرائيلية بمساعدة اليونان في أزمتها المالية الراهنة في حال ساعدتها في منع وصول “أسطول الحرية - 2” إلى شواطئ غزة من دون أن تتدخل اسرائيل وقواتها العسكرية مباشرة في الموضوع، كما فعلت العام الماضي مما كبدها خسائر كبيرة لا تزال تدفع ثمنها حتى اليوم.

تساؤلات مشروعة

في الواقع، ثمة الكثير من التساؤلات التي تثار حول حقيقة وأسباب الموقف اليوناني برفض السماح لأسطول الحرية الثاني من الإبحار من موانئها، وتأتي هذه التساؤلات بسبب مواقف سابقة لليونان مناصرة للشعب الفلسطيني، ففي العام 1982، وخلال الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان واستهداف الفلسطينيين، كان لافتاً للغاية موقف اليونان من إدانة العدوان الإسرائيلي.

فما الذي جرى واستدعى كل هذا التبدل في الموقف اليوناني بعد أن كانت أثينا تعتبر من الدول الصديقة لفلسطين المحتلة؟

كما يؤكد المراقبون فإن المسبب الأول يتعلق بالأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف باليونان وتدفعها إلى الغليان الشعبي بسبب حملة التقشف التي فرضتها الحكومة على الشعب الثائر للالتزام بمجموعة شروط دولية واهية.

الاقتصاد اليوناني على حافة الانهيار الكلي، وهذا شكل ويشكل عاملاً ضاغطاً قوياً في مواقف وسياسات الحكومة اليونانية الخارجية، فهي تلقت وتتلقى مساعدات اقتصادية كبيرة من الاتحاد الأوروبي لتتجاوز هذه الأزمة، وأي موقف يخرج عن إطار السياسة والرؤيا الأميركية والأوروبية الغربية من شأنه أن يزيد الضغوط عليها، وقد يعرضها إلى السقوط أو إلى خسارة الأموال التي وعدت بها مقابل تنفيذها شروط قاسية تدفع بالشعب إلى الجوع والبطالة.

كذلك، ففي السابق كانت العلاقات فاترة للغاية بين إسرائيل واليونان، بسبب علاقة تل أبيب المتماهية مع تركيا، بحيث جمعت بين تركيا وإسرائيل علاقات عسكرية واقتصادية وتجارية وسياحية مترابطة، لذلك كان من البديهي أن تبتعد اليونان عن« اسرائيل» بسبب علاقاتها التاريخية المضطربة جداً مع تركيا، لكن بعد حادثة أسطول الحرية-1، واقتحام الجنود «الإسرائيليين» للسفينة التركية المشاركة في عداد الأسطول وقتلها مجموعة من الناشطين ومن ثم رفضها الاعتذار أو التعويض على تركيا، شهدت العلاقات التركية-« الإسرائيلية» حالة من الفتور والجمود، وتدهورت لتصل إلى الصفر، وهذا الفتور دفع بإسرائيل إلى توثيق علاقاتها مع اليونان على كل الصعد وفي كل المجالات، فقد وجهت إسرائيل سياحتها إلى اليونان وجزرها بعدما كانت تركيا ومنتجعاتها تعج بعشرات الآلاف من السياح الإسرائيليين.
أما على الصعيد العسكري فقد جرت مناورات عسكرية مشتركة يونانية وإسرائيلية بعدما كانت مثل هذه المناورات تجري مع تركيا، وكذلك تحدثت الأنباء عن تدريبات للطيران «الإسرائيلي» في الأجواء اليونانية من أجل التدرب على ضرب المفاعلات النووية الإيرانية، وكذلك باعت إسرائيل اليونان بمئات الملايين من الدولارات أسلحة حديثة ومتطورة.

إذن، في ظل مثل هذه العلاقات« الإسرائيلية» - اليونانية المتنامية، يمكن فهم أن اليونان لن تجرأ على اتخاذ موقف مستقل ينسجم مع قناعاتها ومواقفها، بل حتماً ستتخذ موقفاً ينسجم مع مصالحها المستجدة مع« إسرائيل» وحلفائها الغربيين.

في هذا الصدد، ذكرت صحيفة “هآرتس”« الإسرائيلية» أن رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو ونظيره اليوناني جورج بابندريو اتفقا خلال مكالمة هاتفية على منع إبحار “أسطول الحرية - 2” لكسر الحصار عن غزة، و«إسرائيل» لم تكتفي بالوسائل والرسائل الدبلوماسية والتهديدات المبطنة لحث اليونان على منع “أسطول الحرية - 2” من الإبحار، بل شنت حملة دبلوماسية وإعلامية واسعتين على منظمي تلك الرحلة ووصفتهم بـ“الإرهابيين” وبأنهم يحملون معهم على متن السفن مواد كيماوية من أجل المس بالجنود «الإسرائيليين».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2165286

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165286 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010