السبت 30 تموز (يوليو) 2011

تحية للثورة في ذكراها

السبت 30 تموز (يوليو) 2011 par د. فايز رشيد

مرت الذكرى 59 لثورة 23 يوليو هذا العام، بتميز واضح، ذلك أن هذا العام هو عام ثورة 25 يناير التي كانت وراء التغيير التقدمي في مصر. كان انقلاب السادات ومن ثم تبعه خلفه، محاولة لمحو تراث ثورة يوليو، وما صنعته من إنجازات عظيمة للشعب المصري في مختلف المجالات. ثورة 25 يناير أعادت بعض ملامح ثورة الضباط الأحرار في عام 1952، وإن لم تجز المقاربة بين الثورتين لاختلاف الظروف والطريقة المتبعة في كل ثورة.

كثيرون من الكتّاب والمحللين والسياسيين يطلقون على ما جرى في 23 يوليو 1952، انقلاباَ. هذه التسمية خاطئة شكلاً ومضموناً، ذلك أن شكل الحكم وبنيته اختلفا عمّا كان قبل يوم الثورة، وأن المضمون أيضاً اختلف، فإذا كان العهد السابق لثورة الضباط الأحرار تميز بالإقطاع، فإن ما بعد الثورة تميز بتوزيع الأراضي على الفلاحين بعد مصادرتها من الإقطاعيين، وإذا كان التعليم مقتصراً على النخب، أصبح في عهد عبد الناصر مجانياً، ولكل المصريين، كذلك هو الحال في الحقل الصحي وفي مختلف القضايا الحياتية الأخرى.

إن من أكبر إنجازات ثورة 23 يوليو هو تأميم قناة السويس، فقد كانت حكراً من حيث الحقوق على الدول الاستعمارية. التأميم جلب على مصر العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الصهيوني، الذي أفشلت مصر أهدافه، وتحت وطأة المقاومة المصرية والضغوطات الدولية وقرارات الشرعية الدولية، اضطرت الدول الغازية، دول العدوان، إلى سحب قواتها من سيناء ومن على جانب ضفتي القناة ومن مدن بورسعيد وبور فؤاد وغيرهما.

عبد الناصر هو الذي صنع الوحدة بين مصر وسوريا في عام 1958، والتي كانت تجربة فريدة في الوطن العربي. تآمر المتآمرون من القوى الخارجية والداخلية على الوحدة، وللأسف كان الانفصال في عام 1961. المتآمرون من القوى الاستعمارية (وعلى الأخص دولة الكيان الصهيوني) لا يريدون وحدة الوطن العربي، من أجل أن يظل مجزّءاً، ضعيفاً، متفرقاً. المتآمرون يريدون تفتيت الأقطار العربية من دواخلها، ولذلك يُشعلون نيران الطائفية والإثنية والإقليمية البغيضة في داخل البلد العربي الواحد.

عبد الناصر ومنذ الثورة رسم أسس السياسة الوطنية التقدمية لمصر، على الأصعدة الثلاثة: العربية، والإقليمية، والدولية. عربياً من خلال مناصرة الشعوب العربية في تصفية بقايا الاستعمار والتحرر، ومناصرة الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية والتصدي لدولة الكيان الصهيوني ومؤيديها من الدول الغربية، وهو أحد قليلين ممن رسموا سياسة عدم الانحياز، وهو من المؤسسين لهذه الحركة في مؤتمر باندونغ، وهو من أشد المناصرين للشعوب الإفريقية في نضالاتها وكفاحها للتحرر من مستعمريها، وكذلك الأمر لحركات التحرر في آسيا وأمريكا اللاتينية. على الصعيد الدولي لم تتبع مصر قطباً دولياً من القوتين الكبريين في مرحلة الحرب البادرة، وإن تميزت علاقاتها مع الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية، بالإيجابية، وهي التي كسرت احتكار السلاح، وأسهمت في التنمية المصرية وخططها التصنيعية الطموحة. الاتحاد السوفييتي ساعد مصر على بناء السد العالي بعد رفض الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، تمويل بنائه وإقامته السد وفقاً للخبراء العرب والأجانب هو من أنقذ مصر من كوارث حتمية مثل: الجفاف، والتصحر، وقلة مياه الشرب، وهو الذي أنقذ الزراعة المصرية وبخاصة: القطن وهو المنتج الأساسي لمصر.

عبد الناصر ورغم كل الخلافات العربية العربية استطاع جمع الزعماء العرب في القمة العربية الأولى في القاهرة، القمم العربية أصبحت نهجاً سنوياً عربياً منذ ذلك الحين، وهو الذي أسهم بفاعلية في دفع جامعة الدول العربية خطوات كبيرة إلى الأمام، لتحتل موقعاً ريادياً في العلاقات البينية العربية وفي العلاقات العربية مع الدول الأخرى وعلى الصعيد العالمي. عبد الناصر أسهم بفاعلية في إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية.

قائد ثورة 23 يوليو أفشل أهداف حرب حزيران التي شنّتها الدولة الصهيونية في عام 1967، ضد ثلاث دول عربية. صحيح أنها احتلت أراضي كثيرة، لكن عبد الناصر قالها وبملء الفم وبمنتهى الوضوح : خسرنا معركة لكننا لم نخسر الحرب، وهو الذي كان وراء حرب الاستنزاف، وهو الذي هيأ القوات المصرية لعبور قناة السويس في حرب عام 1973، التي أرادها السادات حرباً تحريكية لا حرباً تحريرية، وهو صاحب مقولة : لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض مع «إسرائيل».

هذا غيض من فيض من منجزات الرئيس المصري الذي مات فقيراً، وليس في حسابه البنكي سوى مئات قليلة من الجنيهات، بعد كل ذلك يسمون الثورة : انقلاباً. تحية للثورة في ذكراها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2177202

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2177202 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40