الثلاثاء 2 آب (أغسطس) 2011

تكتيك صهيوني في استراتيجية ثابتة

الثلاثاء 2 آب (أغسطس) 2011 par علي جرادات

بتواطؤ دولي بعامة، وبدعم أوروبي غربي استعماري بخاصة، تمكنت الحركة الصهيونية، في العام 1948، بقوة الحراب، وبما ارتكبته من جرائم حرب موصوفة، من تجسيد مشروعها، عبر فرْضِ كيانها الاستعماري الاستيطاني الإجلائي الإحلالي، «إسرائيل»، على أرض الشعب العربي الفلسطيني، وعلى حساب حقوقه الوطنية والقومية والتاريخية. وبهذا شهد التاريخ المعاصر، ولا يزال، أكبر عملية سطوٍ سياسي، ارتكبت لتنفيذه أبشع عملية تطهير عرقي مخطَّط، (حتى، بتوصيف مؤرخين «إسرائيليين»).

إزاء فداحة هذا السطو السياسي الصهيوني المكشوف، ناهيك عن بشاعة جرائمه الموصوفة، لم يجد قادة الحركة الصهيونية سبيلاً لستر أنفسهم، ولتغطية فظائعهم منقطعة النظير، سوى سبيل الإنكار الخرافي لوجود الشعب العربي الفلسطيني: «أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض». لكن قادة الكيان الصهيوني، وبعد مرور أربعة عقود على إقامته، (بداية تسعينات القرن الماضي)، اكتشفوا أن جرائمهم أكبر من أن تسترها خرافتهم، وأنه لم يعد بالمقدور اقتلاع كامل الشعب الفلسطيني أو إخضاعه، وبالتالي، فإنه لا بد من إدخال تكتيك جديد على استراتيجيتهم الثابتة، أي إنكار وجود الشعب الفلسطيني.

وتمثل التكتيك الصهيوني الجديد، في ما أقدم عليه، في أوسلو عام 1993، «ثعلبا» حزب العمل الصهيوني، رابين وبيريز، من قبول لفظي بمبدأ قيام دولة فلسطينية، استهدف تسهيل جرجرة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، كممثل للشعب الفلسطيني، إلى ملعب عملية سياسية مخططة ومدروسة، تضع ملف القضية الفلسطينية، وسبل إيجاد تسوية للصراع الناجم عنها، تحت رحمة طاولة مفاوضات ثنائية عقيمة برعاية أمريكية معادية، وإن بمشاركة شهود زور.

بلى، لقد استهدف قبول أحزاب صهيونية، بمبدأ قيام دولة فلسطينية، بدءاً بحزب العمل، إحاطة المواقف الفعلية الثابتة لهذه الأحزاب بضبابية مدروسة، قشعتها تجربة عشرين عاماً من المفاوضات، انكشف خلالها أن النظام السياسي «الإسرائيلي» ككل، ما زال في غير وارد الاعتراف بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وسيادية، كجزء من رفضه لجميع الحقوق الوطنية الفلسطينية: العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة، كما حددها برنامج الإجماع الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية، بل، كما اعترفت بمشروعيتها وعدالتها قرارات لهيئة الأمم المتحدة، التي جاء اعترافها بـ «دولة» «إسرائيل»، مشروطاً بتنفيذ أحد هذه القرارات، أي القرار 194، القاضي بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي شُرِّدوا منها.

وللدقة، فقد تكشَّف زيف هذا التكتيك الصهيوني الجديد، القاضي بالقبول اللفظي بمبدأ الدولة الفلسطينية، مبكراً، أي منذ الجولات الأولى للمفاوضات، التي أطلقها مؤتمر مدريد عام 1991، حين رفض الوفد «الإسرائيلي» مطلب الوفد الفلسطيني، برئاسة المرحوم الدكتور حيدر عبد الشافي، آنذاك، وقْفَ عمليات استيطان الأرض وتهويدها، بل، وتكشَّفت حقيقة هذا التكتيك الجديد أكثر في الجولات الأولى للمفاوضات السرية في أوسلو في عامي 1992 و1993، حين رفضت حكومة رابين - بيريز الخوض في عناوين القدس والحدود والمستوطنات والمياه، التي، يغدو بلا طائل، وبلا معنى، الحديث عن إقامة دولة فلسطينية مستقلة وسيادية، من دون التخلي «الإسرائيلي» الكامل والتام عنها.

وقد تكشفت استهدافات دحر هذه العناوين، مع عنوان جوهر القضية الفلسطينية، حق اللاجئين في العودة، بصورة أوضح، حين رفضت حكومة رابين عام 1994، الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، واكتفت بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، (كإطار سياسي)، مقابل اعتراف الأخيرة كممثل للشعب الفلسطيني، ونيابة عنه، بـ «حق دولة «إسرائيل»، (غير محددة الحدود)، في الوجود الآمن».

بهذا، تبين بصورة قاطعة، أن التكتيك الجديد لقادة الكيان الصهيوني، إنما استهدف التخلص من معضلتين: مقاومة الشعب الفلسطيني، وثبات قرابة نصفه على أرضه، من دون التخلي عن خرافة إنكار وجوده، والاعتراف به كشعب، له حقوق عادلة ومشروعة في العودة وتقرير المصير، وإقامة دولة مستقلة وسيادية، بل، عبر القيام باستدارة تكتيكية شكلية، تقر بوجود الفلسطينيين، إنما بعد اختزالهم في سكان غزة والضفة، ومن دون المقدسيين أيضاً، وباعتبار أنهم مجرد «مجموعات سكانية غير يهودية تعيش على أرض دولة «إسرائيل»»، وتحت سيادتها، غير محددة الحدود، خلافاً لما حددته لها هيئة الأمم من حدود، ومنحتها الاعتراف على أساسها.

لقد ظل عدم الاعتراف بالفلسطينيين كشعب، رغم ما أقدمت عليه بعض الأحزاب الصهيونية من تكتيك جديد، هو المنطلق الأيديولوجي الصهيوني الاستراتيجي الناظم، لمواقف النظام السياسي «الإسرائيلي» الرافض لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وسيادية. إذ وفقاً للأعراف الدولية فإن الإقرار بوجود الشعوب، شرط للاعتراف بحقها في تقرير المصير، وتجسيده في دول مستقلة وسيادية، ما يعني أن التكتيك الصهيوني الجديد، لم يكن سوى آلية جديدة، دعمتها أمريكا بعد المساهمة في صياغتها، استهدفت تجاوز أزمة المشروع الصهيوني، النابعة من الافتراضات الخرافية التي استند إليها، وأقام كيانه، بدعم استعماري غرب أوروبي، على أساسها. لكن، قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، سارعت إلى الوقوع في المصيدة، حين راهنت أكثر، ولمدة أطول، من اللازم، على ما في التكتيك الصهيوني الجديد من طعمٍ مغشوش، وقدمت لقاءه، بصورة مجانية ومتسرعة، أوراق قوتها الأساسية، على الرغم من الانكشاف المبكر لاستهدافاته، ولدعم «الراعي» الأمريكي لهذه الاستهدافات، بل، ولمشاركته في صياغتها، وفي محاولة «تبليعها» للفلسطينيين.

واليوم، وفي ضوء بلوغ العداء الأمريكي للفلسطينيين، حدَّ تبني مطلب الاعتراف بـ «إسرائيل» «دولة للشعب اليهودي»، كشرط مسبق لاستئناف المفاوضات، فإن خطوة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بالذهاب إلى هيئة الأمم، تبقى، على أهميتها، ناقصة، إن لم تكن بداية لصياغة خيار استراتيجي بديل لخيار عشرين عاماً من المفاوضات الثنائية العقيمة برعاية أمريكية معادية، التي أنتجها، بمشاركة أمريكية، تكتيك صهيوني جديد في استراتيجية ثابتة، اسمها رفض الاعتراف بالفلسطينيين كشعب، له أرض قد ابتلعت وحقوق وطنية وتاريخية عادلة ومشروعة قد اغتصبت.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2177832

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2177832 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 26


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40