الجمعة 5 آب (أغسطس) 2011

مصر أستاذة التحضّر

الجمعة 5 آب (أغسطس) 2011 par أمجد عرار

لو صحا مصري من النوم صبيحة الرابع والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011 ليقول للناس إنه رأى «فخامة الرئيس» حسني مبارك مستلقياً على ظهره في سرير داخل قفص الاتهام ويحاكم بتهم تبدأ بالفساد وقد لا تنتهي بمنح الغاز المصري لـ «إسرائيل» بما يشبه العطايا، لأصبح ذوو هذا المصري الحالم من أصحاب الحق المدني المطالبين بدماء ابنهم.

وإذا كانت الثورة الشعبية بمنزلة تحرّك في ميادين التحرير المصرية طيلة ثمانية عشر يوماً انتهت بسقوط رئيس العقود الثلاثة وجزء كبير من نظامه، كانت الجلسة الأولى لمحاكمة حسني مبارك بمنزلة معجزة قد ينتهي القرن الحادي والعشرون من دون تكرار ما يشبهها نوعياً.

كان مشهد المحاكمة أشد بلاغة من حدث السقوط، لأن الثاني حصل مثله الكثير، فيما محاكمة رئيس ترسّخ في الأذهان على هيئته لثلاثة عقود بدا معها كأنه المرادف للخلود، بدت شيئاً يشبه الخيال في بلاد تصعب فيها محاكمة مختار قرية. فقبل سبعة أشهر فقط، من كان يستطيع أن يذكر اسم مبارك من دون أن يتلفت يميناً ويساراً ووراء؟ حتى الكلام عن صحّته أودى بصاحبه للمحاكمة باعتبار صحّة الرئيس أشد مساساً بأمن الدولة من تصدير الغاز لـ «إسرائيل» بأقل من سعر الفجل.

لم يكن غريباً والحالة هذه أن يبكي وزير «إسرائيلي» هو بنيامين بن اليعازر وأن يقول إن قلبه ينفطر حزناً على صديقه. كيف لا ومبارك استقبله بحرارة حتى بعد اعترافه علناً، وفي فيلم وثائقي، بالإشراف على جرائم قتل الأسرى المصريين ودفنهم أحياء في رمال سيناء، وقد تجنّد وزير خارجية مبارك في حينه للدفاع عن استمرار العلاقات مع القتلة، وقوله بلا خجل «لن نقطع العلاقات لأجل فيلم»، وكأن الحديث يدور عن فيلم تسجيلي قصير يتحدّث عن ولادة عجل برأسين. كيف لا تحزن «إسرائيل» وهي ترى مصير من يتعامل معها وإن كان فرعونياً ظن أن لا راد له. كيف لا تقلق وترتجف وهي ترى مآل نظام وقف وزير خارجيته مع وزيرة خارجيتها في مؤتمر صحفي أطلق شرارة العدوان على غزة.

مصر في أول جلسة لمحاكمة نواة نظامها المخلوع وقفت أستاذة تقدّم درساً في مساق التحضّر فيما جلس العالم كله تلميذاً يستمع ويدوّن وينتظر لحظة تختبر مصر فيها مدى تحضّره.

مصر فتحت صفحة جديدة ووضعت نفسها والأمة العربية والعالم أمام آفاق جديدة لشعب أمسك طرف الخيط بيده فاحتكر مصيره نازعاً إياه من أيدي المرتشين والتشكيلات العصابية ومسلّمي قرار أعظم دولة عربية وإسلامية بأيدي محتلين وأقزام لا تكفيهم سلالم الأرض كلها لتوصلهم إلى أسفل ركبتها.

هذه هي مصر التي انتظرنا عودتها. هذه مصر التي بكينا غيابها ورحيل ناصرها الخالد أبو خالد بدموع الحسرة ونبكي الآن عودتها بدموع الغبطة والفرح. هي أوفى من الزمان كما أنشد شاعرها أحمد فؤاد نجم وغنى مطربها الشيخ إمام عندما ناشدا أمة العرب بعد كامب ديفيد بأن تحفظ لمصر المكان، وطمأناها بكلمات واثقة «اللي خانوا العهد منا .. واستباحوا كل حاجة .. واستهانوا بالعروبة .. واستكانوا للخواجة .. مستحيل هيكونوا منا .. هم حاجة ونحن حاجة .. هم باعو الجلابية .. والوطن والبندقية .. وإحنا أصحاب القضية .. إحنا ما بننبعش مصر».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2165238

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2165238 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010