السبت 6 آب (أغسطس) 2011

روبرت فيسك يكتب عن مدينة المحلة وعمالها الذين تحدوا مبارك

السبت 6 آب (أغسطس) 2011

نشرت صحيفة «ذي اندبندنت» البريطانية اليوم مقالاً للصحافي والمحلل روبرت فيسك يتحدث فيه عن دور عمال مدينة المحلة المصرية في إطاحة الرئيس حسني مبارك. وهنا نص المقال:

«تخفي مدينة القطن المصرية، المحلة، دروسها السياسية إخفاءً جيداً.

إنها مكان مصانع ستالينية شغالة 24 ساعة في اليوم، ومنازل خربة متلاصقة يعود عهد بنائها الى القرن التاسع عشر ومدفونة بين بنايات الخرسانة وشبكة سكك حديد متداعية ذات قطارات قذرة، ولا شيء يرغم عاملي المجلس البلدي على الجلوس سوى ظهور صرصور ضخم الى درجة مخيفة وهو يدب على ارضية مكتب البلدية. هذا ووصول مخلوق اغرب: مراسلكم المبلل بعرقه، مستفسراً عن اضراب صناعي بدأ وانتهى قبل خمس سنوات.

كلما سألت عن الاضراب، كان الموظفون يسألونني عما اذا كنت قد شاهدت مبارك في قفص محكمة القاهرة. ظنوا انني كنت استفسر عن المعارك في ميدان التحرير في كانون الثاني (يناير). ولم يفهموا قصدي الا عندما دخلت الى الغرفة احدى بطلات معركة المحلة، وداد الدمرداش، وهي امرأة محجبة ذات طاقة عالية، مرتفعة الصوت وعظيمة الاحساس بالكبرياء. ساعدت السيدة الدمرداش في قيادة احد اول الاضرابات الكبرى ضد شركة مصر للقطن المملكوكة للحكومة (أي مملوكة لمبارك) في 2006. وتقول: «لم يكن (الاضراب) سياسياً في الواقع» - ولست متأكداً مما اذا كنت اصدقها في ذلك - «ولكن لم يكن امامنا خيار. صارت اجورنا منخفضة جداً وصارت كلفة الطعام مرتفعة جداً الى درجة انه لم يعد بوسعنا تحمل كلفة الاكل والمعيشة».

من بين عمال القطن الـ 30 الفاً في المحلة - الرجال والنساء يشتغلون في مصانع منفصلة - هناك 6 آلاف انثى. وقد توقفن عن العمل هن والرجال، وبقوا يعيشون في مصانعهم المنفصلة ويرفضون المغادرة الى ان تلقوا زيادة «ضخمة» في الاجور، من 60 جنيهاً في الشهر الى 100 جنيه، ما جعلهم مع ذلك بين اقل العمال الصنعيين اجراً في مصر. لكن حكومة مبارك وافقت على الاجور الجديدة في غضون ثلاثة ايام.

الا انه ليس امام المحلة أي خيار آخر. فهي التي تعتبر مركز تجارة التصدير في مصر وان كان وزنها الزائد عن الحد لا يسمح لها بالدخول في مباراة. وبينما أنا في السيارة مررت بيافطة صدئة تقول «مدينة القطن الاولى في الدلتا»، ومرت السيارة بين ارصفة مكسرة وبقايا نفايات وعربات تسير على غير هدى تتجمع حول التقاطع القديم. ولا يظهر من تاريخ المدينة الا القليل لكنها تظهر مع ذلك عند تلك الاطلال المتهالكة.

كان الفرنسيون هم اول من ادخل زراعة القطن الى المحلة في العام 1817، لكن قطن المحلة ازدهر عندما قطعت الحرب الاهلية الاميركية اوروبا عن وارداتها عبر اطلسي في الستينات من القرن الثامن عشر ما ادى الى ترحيبها (بقطن) بدلتا النيل وتوديع (قطن) الجنوب الاميركي.

في السادس من نيسان (ابريل) 2008 اضاف اهالي المحلة فصلا اخر لتاريخهم. وفي هذه المرة ساروا في الطرقات يطالبون احد وزراء حكومة مبارك بشروط عمل محسنة ورواتب افضل، ويواجهون عنف رجال الشرطة. وكانت السيدة دمرداش احدى اثنتين ضمن فريق مفاوض للعمال من سبعة افراد. ويستعيد الصحافي عادل دورة امامي (ما حدث) قائلاً ان «الاهالي اقاموا مخيمات في الطريق الرئيس ويدعى طريق الريس. وقام البلطجية المؤيدون للحكومة المسلحون بالعصي بمهاجمتنا بشراسة فيما استخدمت الشرطة القنابل المسيلة للدموع، لكننا وجدنا الدعم يأتينا من المواطنين في انحاء البلاد باستخدام الـ «فيس بوك» أو التواصل الاجتماعي». ولم تنقل احداث المحلة الا اثنتين من محطات التلفزيون الناطقة بالعربية التي تبث عبر الاقمار الاصطناعية. اما الصحافة المصرية فيقول الدورة انها «امتلأت بالاكاذيب عنا - ونشرت كل ما ترغب به حكومة مبارك». وصمد رجال ونساء المدينة لمدة اسبوع.

وفي العام 2009 حاولوا اعادة الكرة من جديد، وقال الدورة وهو يطأطئ رأسه، ان الخوف كان يعتري الناس في هذه المرة. «كانوا يخشون الشرطة، ويخافون من الموت ومن المزيد من العنف ومما يمكن للحكومة ان تفعله». كشف الدورة عن مكنونات صدره وقد تملكه الغضب، غير ان مدينته ما لبثت ان استكانت لدى استعادة ما جرى في الماضي.

وفي المحلة الغبراء برز في عام 2006 وعام 2008 المثال المصغر، ولكن السابق لاوانه، للثورة التي ستغمر الحكومة المصرية في شباط (فبراير) وتودع حسني مبارك في قفص الاتهام ملقى على السرير في القاهرة هذا الاسبوع. وقد ظهرت امام اعيننا وحدة الرجال والنساء العاديين واستخدام الـ «فيس بوك» والاعتصام في وسط المدينة والبلطجية وشرطة القنابل المسيلة للدموع بكاملها في ميدان التحرير. وفي ذلك الميدان رجال ونساء من المحلة، وان كنا لم ندرك مغزى وجودهم هناك. وحقا عرفوا كيف يطيحون بدكتاتور.

كان الصحافي الفرنسي الين غريش من اوائل من ادركوا المغزى الكامل لهذا الوضع: وهو ان هؤلاء العمال كانوا «الممثلين المنسيين» للثورة المصرية. وسجل كيف ان احد الصحافيين المصريين اجاب عن سؤال له في القاهرة متسائلا: «ترى لماذا فشلت الثورات في ليبيا واليمن والبحرين حتى الان؟» ولعله كان عليه ان يضيف سوريا الى القائمة.

كانت قوة اتحادات العمال في تونس متينة ما جعل بامكان اتحاد الشغل العام التونسي الاطاحة بدكتاتورية بن علي. وفي ايامه الاخيرة كان نداؤها لاضراب عام مذهلا. ولم يكن رجال ونساء المحلة العمال الوحيدين الذين سحقوا سلطة مبارك. ذلك أن عمال مصنع الاسمنت في السويس، الذين قاموا «بثورتهم» الخاصة المصغرة في العام 2009 احتجاجا على مبيعات الشركة للاسمنت الى «إسرائيل»، بدأوا اضرابا سياسيا اخر في شباط (فبراير) من هذا العام.

اما بالنسبة الى العمال في سوريا وليبيا واليمن فقد تأقلموا مع نظام البعث او الكتاب الاخضر او القبلية، وظلت الاشتراكية نغمة غير مريحة لمعظم المستبدين رغم اعرابهم عن الصداقة مع الاتحاد السوفياتي. هل يحتاج الامر اذن الى اتحاد عمال قوي او حركة عمالية لقيام ثورات في الشرق الاوسط تثمر بنجاح؟ مع ان المحلة مدينة متواضعة - الا ان مكانتها في التاريخ تنمو سنة بعد اخرى».


titre documents joints

Robert Fisk: The city and its workers that first took on Mubarak - The Independent

6 آب (أغسطس) 2011
info document : HTML
101.5 كيلوبايت


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2165870

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165870 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010