الأحد 7 آب (أغسطس) 2011

العَـــــار

الأحد 7 آب (أغسطس) 2011 par محمد سيف الدولة

لاشك أن النهاية المخزية والمشينة لمبارك، تؤكد مرة أخرى على حقيقة تاريخية ثابتة، وهي أن الشعوب دائماً ما تلفظ كل القادة والملوك والرؤساء الذين يوالون الأعداء ويبيعون أنفسهم للشيطان.

فالمعيار الأول في تقييم أي حاكم هو في موقفه من أعداء الأمة، من الخواجات على البر التاني.

فان جبن أمامهم أو والاهم وخضع واستسلم لهم، طاله العار حياً وميتاً.

وان قاتل وناضل وجاهد حتى لو لم ينتصر، وضعته الشعوب في منزلة خاصة ورفيعة.

بل إن التاريخ قد يغفر كثيراً من الأخطاء للقادة والزعماء إلا الخيانة.

لقد انهزم محمد كريم 1798 ومحمد علي 1840 وأحمد عرابي 1881 وعمر المختار 1931 والحاج أمين الحسيني 1939 وعبد الناصر 1967، ولكنهم لم يستسلموا، فأنصفتهم الشعوب والتاريخ معاً.

أما مبارك فهو ينتمي إلى سلسلة بشرية مغايرة تماماً : فيها الخديو توفيق 1881، وبطرس غالي دنشواي 1917، وأمين عثمان 1944 رئيس جمعية الصداقة المصرية البريطانية، وعبد الله ملك الأردن 1951، وأنور السادات كامب ديفيد، والجنرال الفرنسي بيتان حليف العدو والمحتل الألماني في الحرب العالمية الثانية، وكلهم كانت نهايتهم بائسة ومحاطة بأكاليل العار.

* * *

إن الدرس الأول في حياة كل الأمم والشعوب منذ قديم الزمان هو ضرورة تحقيق السيادة الوطنية في مواجهة الأطماع الخارجية.

والدرس الأول في حياتنا نحن على وجه الخصوص هو أن الخطر الرئيسي كان دائماً يأتينا من الخارج وبالتحديد من البر الغربي.

فلقد عانينا على مر تاريخنا الطويل من ثلاثة موجات استعمارية غربية كبرى :

[**•*] الأولى استمرت ما يقرب من ألف سنة من 332 قبل الميلاد إلى 640 ميلادياً وانتهت بالفتح العربي الإسلامي.

[**•*] والثانية استمرت ما يقرب من مائتي سنة من 1096 إلى 1291 والتي اشتهرت بالحروب الصليبية وانتهت بتحرير عكا.

[**•*] والثالثة بدأت مع غزو نابليون لمصر 1798 ولم تنته بعد، فلا تزال فلسطين مغتصبة والعراق محتل وباقي الأقطار العربية غارقة في التبعية للولايات المتحدة والغرب.

وبالتالي فان النضال ضد الاحتلال والاغتصاب الأجنبي هو أولوية أولى وثانية وثالث، وبعدها تأتي أي قضايا أخرى.

* * *

ولذلك فان جريمة مبارك ونظامه ليست فقط في السلبية والتقصير في الذود عن سلامة أراضي الوطن والتفريط في السيادة والإرادة الوطنية في مواجهة الاعتداءات الخارجية.

وإنما في التحالف مع أعداء الأمة والتبعية لهم وتسهيل تنفيذ مخططاتهم على امتداد أكثر من ثلاثين عاماً :

[**•*] فلقد تنازلوا عن فلسطين لليهود الصهاينة بموجب المادة الثالثة من المعاهدة مع (إسرائيل) ، بالمخالفة للمادة الأولى من الدستور.

[**•*] وفرطوا عن السيادة الوطنية في سيناء بموجب المادة الرابعة من نفس المعاهدة، بالمخالفة للمادة الثالثة للدستور.

[**•*] وضربوا وحدة الصف العربي بموجب المادة السادسة من المعاهدة.

[**•*] وسلموا اقتصاد البلد للأمريكان وحلفائهم وعملائهم.

[**•*] وجردوا مصر من قوتها وأسلحتها الاقتصادية ببيعهم للقطاع العام وفقاً لتعليمات الأمريكان ومؤسساتهم الدولية.

[**•*] وسلموا تسليح مصر للأمريكان.

[**•*] ورضخوا لمبدأ التفوق العسكري والنووي لـ «إسرائيل».

[**•*] وفتحوا بطن مصر وعمقها لأجهزة الاستخبارات الأمريكية والأوروبية المتخفية تحت مظلة المعونات والمنح.

[**•*] وفتحوا المجال الجوى المصري وقناة السويس لقوات الاحتلال الأمريكي للعراق.

[**•*] وحرضوا الدول العربية على التفريط في فلسطين والاعتراف بـ «إسرائيل» فيما يسمى بعملية السلام الشامل.

[**•*] ونسقوا إلى ابعد مدى مع العدو الصهيوني ضد المقاومة الفلسطينية والمشاركة في حصار غزة والتواطؤ في العدوان عليها ديسمبر 2008.

[**•*] ونسقوا إلى ابعد مدى مع العدو الأمريكي ضد ما يسمونه بـ «الإرهاب»، لتجريد الشعوب العربية والإسلامية من حق المقاومة، ليكون حق امتلاك السلاح واستخدامه حكراً على الأمريكان والصهاينة وحلفاءهم.

[**•*] وعملوا على تزييف الوعي الوطني لجيل كامل (الجيل 33 عاماً) من الشباب والطلبة، الذي قدموا له أمريكا بصفتها حليفتنا الإستراتيجية، و«إسرائيل» على أنها قطر شقيق، والمقاومة على أنها «إرهاب»، والاستسلام على انه حنكة سياسية ودبلوماسية، والنهب والسرقة لمقدرات البلد على أنهما اقتصاد حر.

[**•*] وقاموا بمطاردة وحصار وسجن كل القوى الوطنية الحقيقية تنفيذاً لتعليمات المادة الثالثة من معاهدة الاستسلام، من أجل تجريد الأمة من أي مقومات الدفاع عن النفس في مواجهة العدوان الأمريكي والصهيوني.

وغيره الكثير والكثير...

* * *

وبالتالي إن كان هناك من عبرة نعتبرها جميعاً من النهاية المشينة لمبارك وأمثاله، فهي انه على كل الرؤساء والبرلمانات والحكومات القادمة، وعلى كل الأحزاب والتيارات والقوى القائمة، أن تضع على رأس مشروعها السياسي قضية التحرر الوطني مصرياً وعربياً.

وكل من يتجاهل هذه القضية أو يحاول تهميشها أو يراوغ في طرحها، فانه لن يختلف كثيراً عن تلك السلسة البشرية التي جاء منها مبارك ونظامه.

حتى لو قص علينا ليل نهار أروع القصائد في الدساتير والحريات والحقوق.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165884

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165884 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010