الثلاثاء 9 آب (أغسطس) 2011

الملايين قالت كلمتها

الثلاثاء 9 آب (أغسطس) 2011 par د. فايز رشيد

أثارت مقالتي السابقة، صدىً لدى بعض القرّاء الذين أثنوا على المقالة بسبب الحديث عن إنجازات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وقد كانت بعنوان : تحية لذكرى ثورة يوليو.

مصدر غبطتهم : أن أحداً ما، لا يزال يتحدث عن الرئيس الخالد في زمن عزّت فيه الأقلام عن تذكر هذا الزعيم الوطني، القومي العربي، الذي لا يمكن لأحد أن يمحو ذكراه ولا منجزاته، فالشمس لا تُغطى بغربال.

من زاوية ثانية، قرأت مقالة لأحدهم، يقارن فيها (في مقاربة له) بين الرؤساء المصريين الثلاثة الذين تناوبوا على الحكم في مصر، وخلص إلى نتيجة مؤادها : أن الرئيس مبارك هو الأفضل بينهم. وإذا كنت لا أناقش الكاتب في وجهة نظره، فكل إنسان له الحرية الكاملة في التعبير عن رأيه وقناعاته، غير أنني أسوق بعض الحقائق التي يجدر التذكير بها :

من حيث الاستفادة من السلطة، فإن الرئيس عبد الناصر توفي وليس في رصيده البنكي غير ألفٍ من الجنيهات المصرية ونّيف، أما حصة زوجته من الميراث، فكانت فقط مئتي جنيه، أبقت السيدة تحية، الشيك الذي تضمن القيمة، كذكرى. أبناء الرئيس الراحل عبد الناصر أيضاً لم يستفيدوا من سلطة والدهم، وكذلك، لا إخوانه ولا أبناء عائلته، وأذكر حادثة في الستينات فحواها، ما ذكرته بعض وسائل الإعلام : من أن ابنة الفلاح دخلت جامعة القاهرة، ولم تدخلها ابنة عبد الناصر بسبب المعدل.

على صعيد العلاقة مع الجماهير، فيكفي إيراد حادثتين، الأولى : عندما تنحى الرئيس عبد الناصر عن الرئاسة بعد هزيمة 67، طافت الملايين من الجماهير المصرية في القاهرة والمدن الأخرى، وامتلأت معظم شوارع العواصم العربية بالملايين من أبناء الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، وكلهم يرددون شعاراً واحداً : عُدْ عن استقالتك. أذكر يوم استقالته : كيف بكى الناس حزناً على استقالة الرئيس، واعتبروا أن الهزيمة حلّت فعلاً على الوطن العربي، ويوم عدوله عن الاستقالة، غمر الفرح كل المصريين والعرب، واعتبروا أن الأمة العربية لم تنهزم ما دام عبد الناصر في السلطة. وبالفعل هو من هيأ الجيش المصري لعبور القناة في عام 1973، هذه الحرب التي أرادها السادات، حرباً تحريكية للمفاوضات السياسية مع «إسرائيل» وعقد اتفاقية كمب ديفيد المشؤومة معها. الحادثة الثانية : يوم وفاة الرئيس عبد الناصر في سبتمبر/ أيلول 1970، خرج الشعب المصري عن بكرة أبيه إلى الشوارع حزناً على القائد. لم يقتصر الأمر على المصريين وإنما على أبناء الأمة العربية في أقطارها المتعددة. هذه الملايين لم يكن وراء خروجها أحد، فقد خرجت من تلقاء نفسها، من أجل إظهار الحزن على فقيد مصر والأمة العربية وحركة التحرر الوطني العربية والأخرى العالمية. كان عبد الناصر من أقوى زعماء جيله، في عهده، تحولت القاهرة إلى عاصمة الحرية لكافة فصائل النضال الوطني في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. أصبحت محجاً للثوار من جميع أنحاء العالم من باتريس لومومبا في إفريقيا إلى تشي جيفارا في أمريكا اللاتينية. عبد الناصر باختصار، كان ابناً للجماهير المصرية والعربية، لم يضع حاجزاً بينه وبين الناس.

لقد حاولت الولايات المتحدة رشوة الرئيس عبد الناصر، كان ذلك في نهاية الخمسينيات، فوصله شيك بمبلغ مليون دولار، فما كان من الرئيس إلاّ أن قام بتحويلها إلى جامعة القاهرة، واستغل المبلغ من أجل تطوير كلياتها ومعاهد بحثها. كثيرة هي الحوادث التي تدلل على بساطة الرئيس عبد الناصر، والأسلوب العادي لحياة عائلته، ومدى التصاقه بقضايا الناس والفقراء منهم على وجه التحديد.

لعبد الناصر بالطبع، أخطاؤه، وجل من لا يخطئ، لكنها الأخطاء التي لم تتناول مسلكيته الثورية، أو تتناول انقلاباً سياسياً، فعله بالاتجاه العكسي. بعد وفاته حاول المرتدون عن منجزات ثورة 23 يوليو، نبش ماضيه، نبش كل شيء في مسلكيته، من أجل التشكيك في ذمته، خاب ظنهم ولم يجدوا شيئاً، فتحولوا إلى التشكيك بمنجزات الثورة التصنيعية التي أرساها عبد الناصر، اختلقوا الأسباب الكثيرة من أجل تبهيت هذه المنجزات. جاء الخبراء ليقطعوا الشك باليقين من خلال القول : إن من أنقذ مصر من كارثة جفاف لسنوات طويلة هو السد العالي، وليقولوا أيضاً : إنه لو تم مراكمة إنجازات أخرى على القاعدة التصنيعية التي أسسها لاستطاعت مصر حل كافة إشكالاتها في مختلف النواحي. هذا هو عبد الناصر.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2181352

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2181352 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40