الأربعاء 26 أيار (مايو) 2010

العلاقات العسكرية بين الهند و«إسرائيل»

بقلم:د.سامـح عبـاس
الأربعاء 26 أيار (مايو) 2010

كشف موقع مفكرة الاسلام من خلال الدراسة التي قام باستعراضها الدكتور سامح عباس ابعاد العلاقات الصهيونية مع الهند، مبرزا المخاوف الصهيوينة من احتمالات انتكاس هذه العلاقة نتيجة تأثير عوامل موضوعية تتعلق بحاجة الهند للنفط فضلا عن الروابط التاريخية العميقة التي تربطها بالعالم العربي والاسلامي، إلى جانب الهواجس الامريكية النابعة من صعود قوى دولية جديدة تنافسها في الساحة الدولية، وعلى الرغم من الاهمية الكبيرة لهذه الدراسة في الكشف عن حجم التعاون الامني بين الهند والكيان الصهيوني إلا انها تلقي الضوء على هشاشة التحالفات التي يقيمها الكيان الصهيوني والتي ما كان لها ان تكون لولا العجز العربي والغياب الفاضح للعرب عن الساحة الدولية، في حين أن الحضور التركي والايراني يتصاعد باضطراد ويصبح فاعلا ومؤثرا حتى في الحسابات الصهيوينة لمستقبل علاقاتها مع الهند، فعلى الرغم من المخاطر المترتبة على التعاون بين الهند والكيان الصهيوني إلا أن الدراسة التي استعرضها موقع مفكرة الاسلام تكشف الامكانات والفرص الكبيرة المتوفرة للعرب لممارسة التاثير في الساحة الدولية وعلى علاقات الكيان الصهيوني بدول كالهند، إلا ان هذه الحقائق يتم تجاهلها وتغييبها من قبل صناع القرار في العالم العربي، ليصدق علينا قول الشاعر (وما لزماننا عيب سوانا).

أضحت العلاقات العسكرية والامنية بين نيودلهي وتل أبيب علاقات استراتيجية تنطوي على أهمية كبرى عقب تعزيز تلك العلاقات فى مطلع التسعينات على حساب العلاقات العربية الهندية. ومع بداية الالفية الجديدة تطورت العلاقات بين الهند و”إسرائيل” بشكل سريع ومتواتر لم يثر اهتماماً عربيا أو اسلاميا، على الرغم من التأثير المباشر لهذه العلاقات على الامتين العربية والاسلامية، فمن جهة ينعكس التعاون الامني والعسكري بين البلدين على الحرب التى تشنها الهند ضد إقليم كشمير الاسلامي، ويعزز من الحرب الشعواء التى يشنها الهندوس ضد المجاهدين المسلمين بالاسلحة الصهيونية الحديثة، فضلا عن التوتر النووي القائم بين باكستان والهند. فى المقابل تلقى تل أبيب دعما دبلوماسيا وسياسياً صامتاً في الآونة الأخيرة من الهند فى كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وباقي قضايا النزاع العربية مع “إسرائيل”، على عكس ما كان سائدا فى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.

إذا باتت العلاقات المشبوهة بين الهند و”إسرائيل” خطراً داهماً يهدد الاستقرار العربي والاسلامي، قد تظهر انعكاساتها فى أي وقت، تكشف دراسة عبرية حديثة صادرة عن معهد أبحاث الأمن القومي الاسرائيلي أعدها الخبير الصهيوني الاستراتيجي يفتاح شابير تطرق فيها إلى أسرار العلاقات الامنية بين البلدين والتحديات التى تواجهها، أسرار العلاقات الامنية والعسكرية بين البلدين خلال العامين الماضيين.

وفى مستهل الدراسة التى حملت عنوان «الصادرات الأمنية الاسرائيلية للهند... التحديات والمخاوف» أكد شابير على ان العلاقات بين نيودلهي وتل أبيب كانت مجمدة طوال أربعين عاماً بعد رفض الاولى اقامة علاقات دبلوماسية مع “إسرائيل”، فى مقابل الحفاظ على علاقاتها مع الدول العربية. لكن هذا الوضع شهد تغيرا جذريا فى عام 1991، بعد أن رأت الهند ضرورة الانفتاح على العالم فى ظل سياسية التحرر الاقتصادي، وفى كانون الثاني 1992 دشنت البلدين علاقاتهما الدبلوماسية، واستمرت فى التطور حتى شهدت تغيرا جذريا فى عام 1999 بعد تعاون أمني وثيق بين البلدين، وتزويد تل أبيب الجيش الهندي بأحدث الأسلحة القتالية. ومنذ ذلك الحين أصحبت “إسرائيل” أكبر مورد أسلحة للجيش الهندي، واحتلت مكانة روسيا وفرنسا كأكبر موردين للسلاح والعتاد العسكري للهند.

وتجزم الدراسة الصهيونية بأن مبيعات الاسلحة الاسرائيلية للهند خلال العامين الماضيين تجاوزت قيمتها ملياري دولار تقريباً. كما شهدت السنوات الاخيرة تعاونا وثيقا فى مجال ما يسمى بـ»محاربة الارهاب» والتعاون المخابراتي، والذي تزايد بشكل ملحوظ عقب تفجيرات بومباي فى نوفمبر 2008 التى استهدفت أيضا مواقع يهودية وسائحين اسرائيليين.

واستعرضت الدراسة الاسرائيلية أهم صفقات الاسلحة بين تل ابيب ونيودلهي خلال العامين الماضين، والتى تعكس التطور السريع فى العلاقات العسكرية بين البلدين، والتي يمكن تلخيصها فى النقاط التالية :

صفقة طائرات التجسس من طراز فالكون: تلك الصفقة تم توقيعها عام 2004 وبلغت قيمتها 1.1 مليار دولار، وعلى الرغم من العراقيل والعقبات التى واجهتها، لأن هذا النوع من الطائرات بها تكنولوجيا أمريكية، إلا أن الصفقة خرجت للنور وتسلم سلاح الطيران الهندي أول طائرة من هذا الطراز العام الماضي وهناك طائرتان أخرييا من الطراز نفسه سوف تستلمها الهند العام القادم. وتشير المصادر إلى أن نيودلهي أبدت اهتماما أكبر بهذا النوع من الطائرات لذا ستطالب تل أبيب بثلاث طائرات جديدة من هذا الطراز.

قامت الهند مؤخرا بشراء نحو أربعة ردارات من طراز EL-M2083 من شركة ألتا للأنظمة العسكرية الاسرائيلية وتم وضعها على الحدود الهندية الباكستانية.. ومهمة تلك الردارات هو رصد الاختراقات الجوية من جانب الطيران الباكستاني، وقدرت قيمة تلك الصفقة بنحو 600 مليون دولار. وهنا تؤكد الدراسة على أن تفجيرات بومباي دفعت الحكومة الهندية فى الفترة الاخيرة إلى شراء مزيد من هذه الردارات لحماية مجالها الجوى من اية اختراقات، وكان هذا احد الدروس المستفادة من تلك التفجيرات.

كشفت الدراسة الاسرئيلية النقاب عن شراء الهند لأنظمة دفاع جوية من “إسرائيل” خلال العامين الماضيين تقدر بأكثر من مليار دولار. وفى هذا الاطار أبرم البلدان صفقتين ضخمتين الاولى صفقة صواريخ «باراك8» وهى صواريخ بحرية مضادة للطائرات والصواريخ البحرية التى يصل مداها إلى نحو 70 كيلومترا وتقدر هذه الصفقة بنحو 1.4مليار دولار. أما الصفقة الثانية فهي شراء الجيش الهندي لأنظمة سبايدر الاسرائيلية وهو منظمة جوية دفاعية متنقلة .

المجال الفضائي بين البلدين شهد هو الآخر تعاونا متزايداً فى العامين الماضيين، حيث نجحت الهند بالتعاون السري مع “إسرائيل” فى اطلاق قمر التجسس RISAT-2 ادعت نيودلهي فى البداية بأنه مخصص للأغراض المدنية، لكنه اتضح بانه يحمل جهاز رادار اسرائيلي عسكري من طراز سار. وكشفت الدراسة بان القمر العسكري الهندي يشبه كثيرا قمر التجسس الاسرائيلي الشهير تيك سار الذي اطلقته تل ابيب للفضاء فى كانون الثاني 2008 من قاعدة صواريخ هندية.

أنهت هيئة الصناعات الجوية الاسرائيلية مؤخراً تحديث طائرات هجومية يمتلكها الجيش الهندي من طراز مي24، كما تترد أنباء – وهو ما أكدتها الدراسة الاستراتيجية الصهيونية- اعتزام اتفاق الهند و”إسرائيل” على قيام الاخيرة بتطوير طائرات النقل الهندية من طراز آن32، ويمتلك الجيش الهندي 100طائرة من هذا الطراز الاوكراني الاصل.

أحدث صفقات التعاون الامني والعسكري بين تل أبيب ونيودلهي حسبما أكدت الدراسة هى تزويد “إسرائيل” الجيش الهندي بالطائرات بدون طيار الهجومية من طراز هاربون. هذا ولم تطرق الدراسة الى الصفقات العسكرية السرية بين البلدين.

فى مقابل الصادرات العسكرية الصهيونية للهند استعرضت الدراسة التى أعدها الخبير الصهيوني يفتاح شابير الصادرات الهندية للكيان الصهيوني واشارت إلى أنه بالرغم من التفوق الهندي فى مجال الصناعات العسكرية، لا سيما فى المجال الفضائي، لكنها حاولت إغراء “إسرائيل” بشراء منتجاتها العسكرية، ومن بين تلك الصفقات تزويد الهند الجيش الصهيوني فى عام 2004 طائرات عمودية من طراز Dhruv كما أنه تتردد مؤخرا أقوال بشأن تزويد الهند الجيش الصهيوني بصواريخ بحرية من طراز BrahMos وهى صواريخ مضادة للسفن تعتزم تل ابيب شراءها لتحقيق تفوق بحرى على الاسطول المصري فى منطقة جنوب شرق البحر المتوسط.

وعلى الرغم من تعاظم التعاون الامني والعسكري بين “إسرائيل” والهند، لكن الدراسة لم تخف مخاوف المسؤولين فى تل أبيب من أن هذه العلاقات قد تذهب أدراج الرياح، وقد تعصف بها أي أزمة قد تنشب بين البلدين على غرار العلاقات التركي- الاسرائيلية مؤخراً. وفى هذا الاطار رصدت الدراسة الاسرائيلية الصادرة عن معهد أبحاث الامن القومي الاسرائيلي عدة عوامل تهدد العلاقات العسكرية بين البلدين، مشيرة فى الوقت ذاته إلى ضرورة تأمل المسؤولين الاسرائيليين فى تلك التحديات لتجنب اي نكسة تلحق بتلك العلاقات :

أولى هذه العوامل العلاقات العربية– الهندية، حيث أوضحت الدراسة أنه كما قامت العلاقات الاسرائيلية الهندية على حساب العلاقات العربية الهندية، لكن ليس بالسهولة أن تتخلى نيودلهي عن علاقاتها التاريخية عن الدول العربية ودعم القضية الفلسطينية باعتبارها قادة دول عدم الانحياز وقائدة مسيرة التحرر فى العالم من الاستعمار. هذه العلاقات حسبما أكدت الدراسة قد تعصف بالعلاقات الجديدة الوطيدة مع “إسرائيل”، وهو ما يدفع الحكومة الهندية للتعامل سراً فى كثير من الصفقات العسكرية مع «إسرائيل».

ثاني تلك العوامل تنامي اتجاه معارض داخل الهند للتعاون العسكري مع “إسرائيل”، وهو ما دفع السلطات الهندية فى التحقيق مع مسؤولين هنود كبار تلقوا رشاوي من أجل اتمام صفقات عسكرية اسرائيلية.

أما ثالث العوامل التي تهدد مستقبل التعاون العسكري بين الهند و”إسرائيل” فهو الولايات المتحدة الامريكية، فعلى الرغم من التحالف الاستراتيجي مع “إسرائيل”، لكن تخشى واشنطن من انتقال تكنولوجياتها العسكرية التى تقدمها لاسرائيل من الانتقال بدورها للهند، وهو ما يؤثر على ميزان القوى التى ترغب واشنطن فى الحفاظ عليه فى منطقة جنوب اسيا. وأن هناك كثير من الصفقات بين الهند و”إسرائيل” قد أُلغيت بسبب الولايات المتحدة الامريكية.

وآخر العوامل التى تهدد مستقبل العلاقات الهندية- الاسرائيلية العلاقات التاريخية الوطيدة بين نيودلهي وطهران، خاصة أن الأولى تولي أهمية عليا للعلاقات التجارية والاقتصادية مع طهران التي ترتبط بها نفطيا ارتباطا شديداً. ونوهت الدراسة أنه بالرغم من تلك العلاقات الوطيدة لكن إيران لن يمكنها عرقلة العلاقات العسكرية وصفقات الاسلحة بين نيودلهي وتل أبيب. لكن المخاوف الصهيونية تكمن- حسبما أكدت الدراسة الاسرائيلية- فى انتقال التكنولوجيا العسكرية الاسرائيلية إلى إيران عبر الهند فى حال تدهور العلاقات بين البلدين، بسبب القضية الفلسطينية على غرار ما حدث فى العلاقات بين تركيا و”إسرائيل”.

وفى ختام الدراسة التى أعدها الخبير الصهيوني يفتاح شابير أكد على أنه بالرغم من التطور السريع للعلاقات العسكرية بين الهند و»إسرائيل»، واعتبار الهند الزبون الأكبر لشراء الأسلحة والأجهزة العسكرية الصهيونية، لكن لا يمكن وصف تلك العلاقات بانها علاقات استراتيجية من الدرجة الأولى، خاصة أن الهند تتطلع للاستقلال فى مجال التصنيع العسكري، وتحقيق قدرت ذاتية عسكرية. كما أن التعاطف الهندي مع العرب لاسيما مع الفلسطينيين قد يضع نهاية مبكرة فى أى وقت للعلاقات بين البلدين.

وانتهت الدراسة لنتيجة مفادها أنه بالرغم من ان العلاقات بين الهند و”إسرائيل” تعد انجازا كبيرا بالنسبة لتل أبيب، لكن العلاقات بينهما لم تصل بعد الى التحالف الاستراتيجي، وأن العلاقات الحالية مجرد نافذة فرص جديدة غير مضمونة البقاء لفترة طويلة، رغم ما تروج له الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة عن قوة العلاقات بين البلدين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2181880

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2181880 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40