الجمعة 19 آب (أغسطس) 2011

حسني مبارك : الرئيس المخلوع

الجمعة 19 آب (أغسطس) 2011 par الياس سحاب

بعد الحادي عشر من شباط/ فبراير، تاريخ نزول حسني مبارك عن سدة رئاسة الجمهورية في مصر، كان المتحدثون في الفضائيات المصرية والخاصة، يتمتعون بحرية كاملة، وراحة تامة، في استخدام الصفة التي تلي اسم حسني مبارك عند الحديث عنه. منهم من يصفه بالرئيس السابق، ومنهم من يصفه بالرئيس المستقيل، ومنهم من يصفه بالرئيس المخلوع.

كانت تلك الراحة في استخدام الالقاب والصفات التي تلصق باسم حسني مبارك لدى ذكره، تعبيراً عن حالة الإجماع السياسي التي سادت الايام الاولى من سقوط مبارك، باعتبار ان سقوطه كان الهدف المعلن للثورة بوضوح وتركيز.

لكن مع مرور الايام، وتوضح الامور السياسية اكثر فأكثر، اصبح واضحاً لجميع المصريين (وغير المصريين) ان سقوط مبارك لم يكن سوى الخطوة الاولى في التحول المنشود، وان الاهداف الحقيقية البعيدة المدى لثورة الخامس والعشرين من يناير يمكن تلخيصها بعنوان عام يقول: إسقاط النظام السابق بكامل رموزه وتجلياته، وإقامة نظام بديل يتمتع فيه الشعب المصري بكامل حريته السياسية في اختيار حاكميه وتحديد مصيره، داخلياً وخارجياً.

عند هذا المنعطف الذي ظهر بعد سقوط مبارك بأسابيع قليلة، ظهر التباين في مواقف المتحدثين عن مبارك على الفضائيات المصرية، الرسمية والخاصة (خاصة الرسمية)، بين من يعتبر سقوط مبارك نهاية المطاف، وأقصى الطموح، وبين من يعتبر ان إسقاط مبارك ليس سوى الخطوة الاولى على طريق التغيير الشامل والعميق والحقيقي.

عند ظهور هذا الخلاف الموضوعي بين اصحاب هذين الموقفين، بدأ الامر ينعكس على استخدام الصفات التي تلصق باسم مبارك، عند ذكره او الحديث عنه. فأصحاب الموقف الاول (من انصار النظام السابق او المتخوفين من سقوطه) اصبحوا يكتفون بصفتين لا ثالث لهما: إما وصف مبارك بالرئيس، كأن شيئاً لم يكن، او وصفه بالرئيس السابق. اما اصحاب موقف التغيير الشامل المطلوب إحداثه، فاللقب المفضل لديهم هو الرئيس المخلوع.

ومع مرور الوقت، انحازت اجهزة الاعلام الرسمي في الفضائيات المصرية الى تحريم استخدام لقب الرئيس المخلوع، وتصويره كأنه ينتمي الى قلة الأدب او قلة التهذيب او قلة الوفاء او قلة الاحترام، لرجل كان في يوم من الايام، وعلى مدى ثلاثين عاماً، رئيساً لجمهورية مصر، ورئيساً اعلى لقواتها المسلحة وأصبح بعض من يريد ادّعاء الموضوعية السياسية بين رافضي استخدام عبارة الرئيس المخلوع، يلجأ الى إخفاء حقيقة موقفه السياسي الرافض للتغيير، او الخائف منه، يتنقل عند الحديث عن مبارك بين صفة الرئيس السابق، او الرئيس المتنحي، او الرئيس المتخلي. وفي هذه الصفة الأخيرة ادّعاء شديد الخبث للموضوعية، على اساس ان الإعلان عن سقوط مبارك قد تم من خلال عبارة استخدمها في بيانه الرسمي، النائب السابق للرئيس السابق (عمر سليمان) عندما اعلن عن «تخلي» مبارك عن كافة مهامه الرئاسية، ونقلها الى المجلس الاعلى للقوات المسلحة، فتصبح بذلك صفة «الرئيس المتخلي»، تبدو وكأنها الأشد موضوعية، والأكثر دقة سياسية.

لكن تجاوز الشكليات في هذه المسألة، والغوص الى تعابير الفروق بين المواقف السياسية المختلفة، بل المتناقضة، سرعان ما يدفعنا الى اكتشاف ان الخلاف ليس بين مهذب وغير مهذب، موضوعي وغير موضوعي، دقيق وغير دقيق، بل هو بين من يؤيد التغيير الناجم عن سقوط مبارك، اي تغيير النظام كله بنظام مناقض، وبين من يعارض هذا التغيير، او يخشاه في الحد الأدنى.

صحيح ان العبارة التي استخدمها عمر سليمان في بيانه الرسمي الذي اعلن عن سقوط مبارك، تحدثت عن تخلي الرئيس عن مهامه الرئاسية، لكن ذلك «التخلي»، لم يكن طوعياً، ولم يكن تعبيراً عن الارادة الحرة لحسني مبارك. فقد ظل هذا الأخير طيلة الايام الفاصلة بين 25 يناير (انطلاق الثورة) و11 فبراير (يوم السقوط)، يتحايل في الانتقال من موقف الى موقف، مقدماً في كل مرة مزيداً من التنازلات الجزئية التي تتيح له التمسك بكرسي الرئاسة، الذي من الواضح انه كان الرغبة التي تلح على مبارك وتحدد موقفه.

والذي يراجع يوميات تلك الايام المجيدة من عمر الثورة المصرية، يدرك بكل موضوعية سياسية، (لا علاقة لها بمن هو الأكثر او الأقل تهذيباً)، ان القرار الحاسم بمصير رئاسة الجمهورية، لم يعد ابداً بيد الرئيس نفسه او اي من الرجال المحيطين به (من مدنيين او عسكريين) بل اصبح بيد ابناء الشعب المصري مباشرة، المنتشرين في كافة ميادين مصر، من أسوان جنوباً، حتى الاسكندرية والعريش شمالا وشرقا، وقد تحول ميدان التحرير في القاهرة، رمزاً مركزياً لها جميعها.

وتقول لنا وقائع تلك الايام ان تلك الحشود الجماهيرية وصلت في ذروتها الى عشرة ملايين مصري، وكانت تنحدر في ادنى مستوياتها بين مليون وثلاثة ملايين مواطن.

هذه الملايين، بإصرارها السياسي، ووضوح رؤيتها السياسية، وشجاعتها امام وسائل القمع التي قتلت منها اكثر من ألف شهيد، وأعاقت اكثر من ألف آخرين، فقدوا البصر، وعشرات آلاف الجرحى، الذين اصيب بعضهم بإعاقات دائمة، هذه الملايين هي التي ادت الى اخراج مبارك من سدة الحكم، الى قاعة المحكمة، أي أن هذا التحول لم يكن استقالة حرة طوعية من مبارك، ولا تنحياً طوعياً، ولا تخلياً طوعياً، بل كان خلعاً لمبارك من سدة الرئاسة الى قفص المحكمة، بقرار من الجماهير، وبضغط متواصل منها. انه اذاً لا يصح فيه الا صفة الرئيس المخلوع، من باب الدقة في اختيار التعبير السياسي، وليس من باب قلة التهذيب، او قلة الوفاء، او قلة الاحترام. وأي وصف آخر، «غير الرئيس المخلوع»، هو بالتالي موقف رافض لمفاعيل ثورة الشعب المصري، السابق منها واللاحق.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165250

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165250 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010