الأربعاء 26 أيار (مايو) 2010

شومسكي المخيب للآمال

بقلم:د.أفنان القاسم
الأربعاء 26 أيار (مايو) 2010

لم أتوقع أن أسمع من عالم كوني كشومسكي أحدث طفرة توليدية في علم اللسانيات أن يكون على مثل هذه السذاجة السياسية عندما قدم لنا وجهة نظره فيما يخص الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وجهة نظر لا تختلف عما نسمعه كل يوم من شطط الفكر السائد، وما يروجه كل يوم أزلام الإعلام الرسمي، وكأنهم كانوا على اتفاق مع شومسكي في حبك المهزلة، وذلك منذ البداية، فالبداية الحقيقية كانت بعد “الفيديو كونفرنس” وليس بعد منعه من الذهاب إلى جامعة بير زيت، عندما قدموه كمفكر يهودي أمريكي يساري - شوفوا واحد يهودي يتكلم ضد اليهود! - فوجهوا إليه ضربة موجعة أكثر من ضربة شرطة مطار بن غوريون، لأن ما يهمنا هو المفكر وليس أصله وفصله ومن يكون، ولأن هناك من اليهود والهنود المؤيدين للقضية الفلسطينية الملايين، وليس منهم واحد مفكر بحجم شومسكي، وكذلك لأن هناك من اليسار - إذا بقي لهذا المصطلح في وقتنا الحاضر معنى - الكثير ممن يعتبرون القضية الفلسطينية قضيتهم، وليس منهم واحد على يسار شومسكي. ومن تقديمه بهذا الشكل الهزلي، يخدم أقلام الإعلام العربي الرسمي إسرائيل أول من يخدمون، فهي نجحت في ترجيح كفة هوية شومسكي اليهودية قبل أن تكون له هوية أخرى أمريكية أو علمية أو أكاديمية أو غيره على الرغم من كل الخلاف القائم بينهما، حتى إن هذا الخلاف لم يعد ذات أهمية، بل على العكس طَرْحُ هذا الخلاف بالشكل الذي طرحه شومسكي يؤكد قوتها وقدرتها على تنفيذ السياسة التي تختارها والتي هي في مصلحتها، ليبدو منع شومسكي من التحاور مع طلاب جامعة بير زيت منعا ليس دون أفكار مسبقة، فهو تحاور معهم على أي حال، ولكن بالضجة التي أُريد لها أن تكون طنانة، وترديد ما يعرفه الكل على لسان فطحل من فطاحل الكون هو تأكيد، وبالتأكيد يجري خلط الأوراق التي تسعى إسرائيل إلى خلطها أكثر، ليستمر التدويخ، وهذا هو الهدف: أن يستمر تدويخ المثقف العربي والشارع العربي والإنسان العربي.

حين حديثه عن لوبي يهودي وكارتيلات ورؤوس أموال وبورصات، لم يفهم شومسكي أنها من مركِّبات النظام الرأسمالي الأمريكي المهيمن، وأنها في تنافس دائم ما بينها في سبيل مصالحها التي أهمها الربح، وأن من بين أساطين هذه المركِّبات هناك اليهودي وغير اليهودي خاصة ما يسمى باللوبي اليهودي الذي فيه العديد من أرباب المال والنفوذ المسيحيين والملحدين، وحتى أنا لو كنت جزءا من هذا النظام لرأيت أين هي مصالحي - يهودي أم غير يهودي هذا ليس مهما - وفي أمريكا الكثير من الأثرياء الفلسطينيين الذين يُحْسَبون على هذه المركِّبة أو تلك. أضف إلى ذلك، وهو أهم ما يفسر الدعم الأمريكي لإسرائيل، أن إسرائيل ورقة ضغط سياسية لتمرير المشاريع العملاقة لهذه الكارتيلات وباقي المركِّبات، وليس كما يتوهم البعض أنها هي ورقة ضغط لإسرائيل، الضغط بها لمنفعة هذه التجمعات الاقتصادية العملاقة، وبالمعية لمنفعة إسرائيل، البقشيش الذي من الواجب دفعه.

في الظروف الحالية لا يمكن أبدا لفلسطين وللدول العربية أن تتحول في أعاصير الاقتصاد العالمي إلى ورقة ضغط سياسية كما هي إسرائيل، فشومسكي بسذاجة بائعي السنام قبل الجمل، يتحدث عن طيبة الأنظمة العربية في تعاملها مع أمريكا إذ لها حَسْبَهُ عقلية من يعطي دون مقابل، وهو يتمنى عليها وعلى الدول الإسلامية التشدد في موقفها أوعلى الأقل استغلال النفط سلاحا مزدوجا اقتصاديا وتنمويا، هكذا وكأن الأمر يمكن حله بالتمني بينما هو أعقد بكثير، أولا وثانيا وثالثا لأن الأنظمة العربية والإسلامية - بما فيها إيران وكوميديا مفعولها النووي - أنظمة فرعية للنظام الرأسمالي القمعي المهيمن، ومن قال له إنها تعطي دون مقابل، إنها تعطي مقابل بقائها ووجودها بل خلودها، وشومسكي معلمي ومعلم الكل في البنيوية يعرف أن الفرد بنية فكرية أي أنه ينتمي إلى تصورات فكرية، فأنا لست أفنان القاسم مثلما هو ليس نوعام شومسكي وإنما نحن البنية الفكرية التي ننتمي إليها، والشيء نفسه في الاقتصاد، ليس هذا نظاما سعوديا أو ذاك نظاما هنديا وإنما البنية الإقتصادية التي ينتمي إليها النظامان، وهي في السياق الذي نعالجه البنية التي تنتمي إليها أمريكا وإسرائيل، فكيف يريد شومسكي أن تواجه دول تنتمي إلى بنية واحدة أنفسها، لأن مواجهتها لأمريكا ولإسرائيل يعتبر مواجهة لها؟

أما ما جعلني أضحك ضحك اللقالق كلام شومسكي عن بوش الأب الذي صمد أمام واحد متطرف كنتنياهو اسمه شامير عندما طلب قرضا بعشرة مليارات دولار مقابل ذهابه إلى مدريد، وقال، بوش الأب رفض ذلك كرجل، شيء لم يفعله رئيس أمريكي من قبل (!)، بينما ينسى شومسكي أن هذا الجلاد مجرم الحرب بوش الأب - شومسكي لا يعي سوء مغبة هذا الكلام في تبييض أوراق هذا المجرم - كان قد خرج من حرب الخليج منتصرا والمنتصر يملي أوامره على العالم أجمع بما في ذلك إسرائيل التي لم يعد بحاجة إليها فيما يدعى بالسهر على أمن ومصالح أمريكا، أضف إلى ذلك أن ما نعانيه اليوم كل ما نعانيه اليوم بسبب مؤتمر مدريد، وذهاب الإسرائيليين إليه ليس لأنهم اضطروا إلى ذلك، ولكن لأنهم يعرفون ما كانت أمريكا ترسمه لهم ولدول كل المنطقة تحت نعلها العسكري والإقتصادي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2178254

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178254 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40