الاثنين 22 آب (أغسطس) 2011

ليلة في هوى الشحات وعبدالناصر وسليمان خاطر على كوبري الجامعة

الاثنين 22 آب (أغسطس) 2011

«لاب توبك في شنطتك، سحورك في إيدك، واطلع ع السفارة».

كتب عبد الصبور بدر جملته على فيسبوك، وطوى كمبيوتره المحمول، ليتحرك من وسط البلد باتجاه كوبري الجامعة، وينضم إلى آلاف المتظاهرين أمام السفارة «الإسرائيلية»، غضباً من اقتحام قوات عبرية أراضي مصرية وقتل خمسة جنود في سيناء.

الساحة أمام عمارة السفارة «الإسرائيلية»، متنوعة المشاهد : هتافات تدعو الموقف الرسمي المصري لمزيد من الحسم، وترفع مطالب طرد السفير العبري من القاهرة واستدعاء المصري من «تل أبيب»، ووقف تصدير الغاز فوراً.

[**الساعة الرابعة فجراً*]

«صورني يا عمو»، يقطع طفل لا يتجاوز عمره الأربعة أعوام، طالباً من شاب يحمل كاميرا تصويره.

«حاضر يا عسل»، يجيب الشاب ذو الكاميرا، بينما يقف الطفل مبتسماً في استعداد للحظة الفلاش رافعاً علم مصر. وسريعاً يلحق به طفل آخر متخذاً وضع الاستعداد للتصوير بابتسامة هادئة.

في جميع أنحاء الساحة الواسعة أمام تمثال نهضة مصر، وعلى كوبري الجامعة، تتشكل دوائر حوارية يتناقش خلالها العشرات حول الأنسب اتباعه سياسياً «في تلك المرحلة الحرجة من تاريخ مصر»، تتردد أسماء، الشاب الذي صعد العمارة وأنزل العلم الصهيوني، «أحمد الشحات»، والجندي المصري الذي قتل جنوداً «إسرائيليين» على الحدود ثم حوكم وأدين بالسجن قبل أن يتم قتله داخل السجن وتدعي السلطات حينها أنه انتحر «سليمان خاطر»، وثالثهم الزعيم الراحل، جمال عبد الناصر، كرموز لمواقف حاسمة في تاريخ العلاقة بين المصريين و«الإسرائيليين».

يستأثر الشحات بنسبة كبيرة من مناقشات الحضور: «أنا شفته بعيني، وبرده مش مصدقة»، تقول سيدة ثلاثينية جالسة على الرصيف، ويرد آخر : «إزاي طلع الـ 20 دور؟ ما تعرفش، «الجزيرة» مصورة كل حاجة، بس احنا كنا متفاجئين»، الدنيا هنا ولعت لما نزل العلم، تصفيق وصريخ وهتافات وضرب صواريخ».

تتوافد أشعة الفجر الأولى إلى المكان، مصاحبة عشرات المواطنين، ويتزايد الزحام، وأصوات آلات التنبيه في السيارات.

[**الخامسة صباحاً*]

«شدوا حيلكو، ربنا معاكو»، يهتف قائد سيارة نقل كبيرة، مطلقاً جرس سيارته، على نغمة : مصر، وتطل طفلتان تحملان علم مصر من شباكي أخرى ملاكي، تلوحان به مبتسمتين للآلاف المحتشدين، ومن داخل السيارة يعلو صوت امرأة منتقبة، وتصفيقها على إيقاع ندائها : الشعب يريد إسقاط «إسرائيل».

[**«وريني يا حاج كاتب إيه؟»*]

يوجه شاب يبدو في أوائل العشرينيات من عمره إلى عجوز يقترب عمره من الستين.

يمسك العجوز بلوحة ورقية مكتوب عليها : «يا طنطاوي خد قرارك لو عندك شجاعة، الشعب المصري ما بيخافشي المهالك، ولا يعرف المياعة، هانحارب «إسرائيل» في أم المعارك، وهندخل القدس. ده احنا أحفاد صلاح الدين والمولى بارك».

يسند العجوز كوعه على صفحة من جريدة، تحوي مقالاً للكاتبة سحر الموجي، بعنوان : «مينا مجدي إسكندر».

«ده ابني مينا، استشهد يوم 28 يناير عند قسم الشرابية»، يمد العجوز يده بنسخة الجريدة إلى محدثه.

منذ أيام، رزق مجدي اسكندر بأول أحفاده من ابنه الشهيد، الذي كان ترك زوجته حاملاً في الشهر الثاني. «أنا جد لتسعة غير ابن ابني مينا، عندي بنتين متجوزين، واحدة صيدلانية والتانية مدرسة إنجليزي، تخيل اللي صرف عليهم وجوزهم مين؟، ابني مينا الله يرحمه».

«أي شيء يمس بلدي، بيمسني من جوايا، كإنك جبت سكينة وبتقطع فيا»، يبرر مجدي حضوره إلى تظاهرة السفارة «الإسرائيلية».

يعلو صوت انفجارات صادرة من موتوسيكل يقوده شاب بسرعة كبيرة، يغلق عم مجدي عينيه متأذياً قبل أن يعلو صوته بانفعال مفاجئ : «بيزعلني الغباء بتاع الشباب ده».

خلال ثوان، يهدأ الرجل: «أي شيء غلط بيحصل في البلد بيستفزني من جوايا، لغاية النهارده حاسس إن البلد بيتلعب بيها، حاسس إن اللي بيحصل متعمد، ما بين الحكومة المصرية و«الإسرائيلية»، وأقولك ليه. لأن فيه قلق في السياسة الداخلية هنا وهناك. هنا خايفين من يوم 9/9 ميعاد الثورة ضد العسكر، و«إسرائيل» عندها مشاكل داخلية ومظاهرات ضد الحكومة».

يصمت مجدي قليلاً، ليتحاشى ضوضاء الألعاب النارية، يطلقها الشباب باتجاه نوافذ السفارة «الإسرائيلية»، ومع كل صاروخ يقترب من النافذة تتعالى صيحات الاستحسان.

«البلد من غير ريس عاملة زي المركب من غير ريس، هتغرق، علشان كده نفسي الشعب المصري يقول عايزين رئيس يحكم البلد سنتين تلاته، وليكن عمرو موسى أو البرادعي، يعملوا وزير داخلية بكفاءة أحمد رشدي يعمل استتباب للأمن في مصر كلها، بحيث ينصف المظلوم ويقيم الحد على الظالم، ويعملوا دستور وانتخابات مجلس شعب ويحط الأسس اللي البلد تقوم عليها صح»، يضع مجدي تصوره لما ينبغي أن يحدث. الانفلات الأمني الحالي، كما يعتبره عم مجدي، خطة مدبرة منذ 2005 «لما كان أيمن نور مترشح للرئاسة، قال لك لو فاز يخربوا البلد، وحرق الأقسام كان من ضمن الخطة، احنا قمنا على الأقسام من الظلم اللي فيها، بس الحرق كان من جوه».

يستعيد عم مجدي سيرة سيناء، ويعيد تأكيده على تصوره بأن ما يحدث «خطة مطبوخة» لإجهاض الدعوة الثورية لمظاهرات يوم 9 سبتمبر ضد المحاكمات العسكرية للمدنيين».

بعد مرور سبعة أشهر على رحيل مينا، يشعر والده أنه لم يمت «الدنيا لسه بخير، وبحس إن ابني مينا ما ماتش، من حب الناس ليا، ناس معرفهمش غريبة عني، يعرفوني باسمي وانا معرفهمش».

يتمنى مجدي لو كان رسام كاريكاتير: «كنت هرسم عروسة بفستان الفرح، متكتفة إيديها ورا ضهرها، وهي متغمية، وفستانها عليه دم، وعريسها بيدور عليها وسط الزحمة ومش لاقيها، ياه لو كنت بموهبة مصطفى حسين كنت رسمتها، لو تعرف رسام كاريكاتير كويس، خليه يرسمها، دي الثورة اللي تاهت مننا في يوم فرحنا بيها، ولسه بندور عليها».

[**السادسة صباحاً*]

يجرى شاب حاملاً مجسماً لنصف علوي لرجل مقطوع الذراعين والرأس والساقين، مرسوماً عليه شعار «إسرائيل»، ويعلقه في إشارة مرور بنهاية كوبري جامعة القاهرة، وسط هتافات المئات وتصفيقهم، تعلو أصوات : «احرقه، احرقه»، لكن الفتى يكتفي بتعليقه، قبل أن يقف فوق الإشارة ملوحاً بعلم مصر، هاتفاً : الله أكبر.

بعد دقائق، يبدأ تغيير وردية الشرطة العسكرية، العشرات ينزلون من سيارات مصفحة، وينضمون إلى زملائهم الواقفين حاجزاً بين المتظاهرين ومدخل العمارة التي تحتل السفارة «الإسرائيلية» الطوابق الثلاثة الأخيرة منها.

المئات أمامهم يرددون هتافات : «أول مطلب للجماهير، حرق سفارة وطرد سفير»، و«هنرددها جيل ورا جيل، بنعاديكي يا «إسرائيل»»، و«يا يهود يا يهود، عهد مبارك مش هيعود»، «هنرددها لطول العمر، «إسرائيل» هتشوف المر».

«حضرتك صحفي؟»، يسأل رجل أربعيني، ويعرّف نفسه على أنه «عبد الظاهر مفيد، أمين التثقيف في حزب الحرية والعدالة أمانة القاهرة». ثم يطلب الإدلاء بتصريح.

«احنا موجدين في الساحة من أول يوم، احنا انتظرنا إن بيان مجلس الوزراء يكون عند مستوى الحدث، لكن وجدناه أقل من طموحات الشباب، فقررنا ننزل مع الشباب بشكل رسمي»، يبدأ الرجل حديثه.

«كنا نتمنى ومازلنا، إن مجلس الوزراء يكون على مستوى طموحات ومشاعر الشارع تجاه هذا الحدث»، موضحاً أن «الإجراء اللي بينتظره المصريين، سواء الشباب أمام السفارة أو المصريين جميعاً، واحنا بنحمل معاهم هذه المطالب : طرد سفير الكيان الصهيوني فوراً، وأن يقوم هذا الكيان بعمل تحقيق فوري وعاجل علشان يعنى يحقق ما يطلبه هذا الشباب من تقديم من قام بهذا العمل لمحاكمة عادلة وفورية، والمطلب الثالث عودة سيناء لحضن المصريين، سيناء لا ينبغي أن تكون أبداً امتداداً للكيان الصهيوني وحامية له، إنما هي جزء عزيز من هذا الوطن، تكون خطاً وحصناً استراتيجياً لمصر، بحيث ينتهي هذا التقسيم الذي كانت تمليه السياسات الخائنة التي كانت تمارس قبل 25 يناير».

في 2008، وبينما كانت آلة القتل «الإسرائيلية» تمعن الذبح في قطاع غزة المحاصر، وقتها، أدلى مرشد الإخوان المسلمين حينها، مهدي عاكف، بتصريح قال فيه إن 20 ألف شاب من الجماعة كانوا على استعداد للسفر لنصرة إخواننا في فلسطين.

الآن، ومع احتمال تصاعد الموقف لما ينذر بمواجهة عسكرية بين مصر و«إسرائيل»، يشدد عبد الظاهر مفيد، باسم حزب الحرية والعدالة، التابع للإخوان المسلمين على : «احنا بنمارس أدوارنا السياسية، ودورنا الوجود في الشارع والضغط السلمي على متخذي القرار حتى يؤدي ما عليه تجاه هذه الجموع التي تقف لنيل مطالبها»، ويكرر : «احنا بنمارس السياسية»، في إشارة لرفضه إرسال «فدائيين» للقتال ضد «إسرائيل» في حال نشوب حرب.

[**السابعة صباحاً*]

«والله برافو عليهم الشباب دول، احنا معاهم وربنا يحميهم»، يزعق سائق الميكروباص العجوز، بحماس شديد.

يمد الرجل يده ليعيد خصلة من شعره الفضي إلى مكانها، مكملاً : «إسرائيل» مش سهلة آه، ومش سهل الاشتباك معاها، بس هما عايزين القلم السابق، يرقدهم، هما كده بيديك القلم الأول يخسرك الجلد والسقط، ويقول لك تعال نقعد، تعال نتفاهم، ومرتين تلاته هووب، مات الموضوع».

يؤمن الراكب بجواره على كلامه، ويشتم «إسرائيل»، فيقاطعه السائق مجدداً : «عشان كده هما يضربونا الضربة، يقسمونا نصين، ويقول لك نقعد، نجتمع، نتفاوض.. طب ما أديك القلم اللي ادتهولك وبعد كده نتفاوض، علشان لما تفكر تاني تديني قلم تعمل ألف حساب إني هديهولك».

«آه يا عم، طول عمرهم متجبرين، ربنا يقسمهم»، يتدخل راكب آخر.

السائق الذي يكاد يحتكر الحديث، يشير بإصبعه إشارة خبير استراتيجي عارف ببواطن الأمور : «ما فيش حاجة اسمها مفاوضات، وتحط لي مبلغ في الرصيد بتاعي»، وكما لو أن جملته نقلت الحوار لمنطقة أخرى، يتابع: «خلوا البلد ملطشة لكل من هب ودب، حسني مبارك وشوية الزبالة اللي كانوا حواليه الله يلعنهم».

من الخلف، يأتي صوت راكب : «شفت الواد اللي طلع نزل العلم؟»، يخطف السائق مسار الحديث مسرعاً : «برافو عليه مجابتوش ولادة»، يصمت قليلاً ثم يكمل: «اتنين ما عملوش معروف في البلد، السادات وده» مشيراً بسبابته إلى شماله حيث الشارع.

«السادات رفع علم «إسرائيل» في مصر، وعمل اتفاقية، و«إسرائيل» ما بتلتزمش بأي معاهدات، هما أساسهم كده، يربطك انت بالمعاهدة وهو ينقضها، ويقرفك برده، طب ليه؟ خلي المعاملة بالمثل، هو نقض المعاهدة ننقضها احنا كمان. خلاص يعني الإسلام مقطع بطننا أوي؟ طب ما تنفذوه، نفذوا الإسلام زي ما بيقولك اللي اداك القلم رده، العين بالعين والسن بالسن».

- **المصدر : صحيفة الشروق المصرية



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2178588

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2178588 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40