الخميس 25 آب (أغسطس) 2011

الصراع يعود إلى مربعه الأول

الخميس 25 آب (أغسطس) 2011 par د. فايز رشيد

تمثل عملية «إيلات» البطولية النوعية، خطوة في عملية التغيير العربي الذي ابتدأت ملامحه مع الربيع العربي، وهي تشكل أيضاً خطوة مهمة في تأجيج الصراع العربي الصهيوني وهي علامة فارقة في المقاومة ضد العدو الصهيوني، من حيث دقة التخطيط لها وتنفيذها، رغم كل الاحتياطات الأمنية «الإسرائيلية». فوفقاً للأنباء، فإن جهات عديدة حذّرت «إسرائيل» من احتمال القيام بمثل هذه العملية على أطراف سيناء. الكيان الصهيوني أصيب بالذهول بسبب العملية، هذا ما تعكسه الصحافة «الإسرائيلية» بشكل دائم في وصفها لها. ردود الفعل «الإسرائيلية» راوحت بين قصف قطاع غزة بشكل مستمر، وقيام أفراد من الجيش بقتل ثلاثة عناصر من الجيش المصري، الأمر الذي أشعل الشارع المصري، وأعاد الوهج إلى تبني الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج شعارَ مواجهة العدو الصهيوني في الصراع الذي يحرص البعض على حصره في النزاع الفلسطيني «الإسرائيلي». ردود فعل الجماهير المصرية تمثلت في استمرار محاصرة السفارة «الإسرائيلية» في القاهرة، ونزع العلم الصهيوني عن مبنى السفارة ورفع العلم المصري بدلاً منه. الشعب المصري يطالب أيضاً بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد، والحكومة المصرية أصرت وما تزال على تقديم اعتذار لها من «إسرائيل»، على الجريمة التي اقترفتها بحق الشهداء المصريين الثلاثة. من جانبها فإن «إسرائيل» أعربت عن أسفها للحادث على لسان باراك، ولم تقم بتقديم الاعتذار، وليس متوقعاً أن تقوم بتقديمه، على العادة «الإسرائيلية».

رد فعل الشعب المصري على الجريمة «الإسرائيلية»، يمثل حقيقة مواقف الجماهير العربية تجاه الوجود «الإسرائيلي» برمته، فرغم اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة، ورغم محاولات التطبيع بعدها، ظل التطبيع عصياً على جماهيرنا في مصر، ورد الفعل يمثل أيضاً، عودة الألق إلى احتضان المصريين كما الجماهير العربية للقضية الفلسطينية، باعتبارها هدفاً مركزياً لهم، وهذا ما حاولت الحكومات المصرية في عهدي السادات ومبارك، تغييبه انطلاقاً من نصوص اتفاقية كمب ديفيد وتداعياتها، فالعقود الطويلة التي مرّت منذ توقيعها لم تزد المصريين إلا اقتناعاً بعدوانية «إسرائيل»، وضرورة التصدي لها ومجابهتها.

من زاوية ثانية، لم تُعلن أيّ من الفصائل الفلسطينية مسؤوليتها عن عملية «إيلات»، وهو ما يؤشر إلى إمكان القيام بها من جهات مقاومة غير فلسطينية، بدليل أن ثلاث عمليات قبلها أدت إلى وقف ضخ الغاز المصري إلى «إسرائيل» بعد تفجير الأنابيب، وهذا ما يشي بعودة أطراف مصرية إلى خوض عمليات مقاومة ضد العدو الصهيوني الذي لم ولا ولن يشكل خطراً على الفلسطينيين وحدهم فحسب، وإنما على الشعوب العربية في دولها رغم توقيع اتفاقيات ما يسمى بالسلام مع «إسرائيل»، في كامب ديفيد وأوسلو واتفاقية وادي عربة. ليبرمان هدد بقصف السد العالي، ومصر كشفت شبكات تجسس «إسرائيلية» حتى في عهدي السادات ومبارك، و«الإسرائيليون» صدّروا آفة القطن إلى مصر ووجهوا ضربة إلى المنتوج المصري الأول، وحاولوا تخريب النسيج الوطني للشعب المصري، وصدّروا المخدرات وشبكات الدعارة إليه، وحتى اللحظة فإن أكثر ما تخشاه «إسرائيل» (كما يُعبر عن ذلك كثيرون من القادة السياسيين والعسكريين للعدو)، هو القدرات العسكرية المتنامية للجيش المصري.

أيضاً فإن 42 نائباً «إسرائيلياً» قدموا إلى الكنيست مؤخراً، مشروع قرار لإقراره، يقضي باعتبار الأردن الوطنَ البديلَ للفلسطينيين، كما قامت ورغم اتفاقية وادي عربة بمحاولة اغتيال خالد مشعل في عمّان. «إسرائيل» ما تزال تحتل هضبة الجولان العربية السورية، وسبق أن ضمتها بقرار من الكنيست، وهي ما تزال تحتل مزارع شبعا اللبنانية، وسبق أن قامت بعدوان على لبنان في عام 1982 أدى إلى احتلالها للجنوب اللبناني الذي تمكنت المقاومة الوطنية اللبنانية من تحريره عام 2000، وقامت بحرب عدوانية أخرى على لبنان عام 2006، كما ضربت مواقع في سوريا، وقامت بتدمير المفاعل النووي العراقي، واعتدت على سيادة تونس بقتلها للقائد الفلسطيني (أبو جهاد) على أرضه، وتآمرت على السودان من أجل انفصال الجنوب عنه، وقامت بإسقاط طائرة مدنية ليبية، هذا عدا حروبها ضد مصر عام 1956 في مشاركتها بالعدوان الثلاثي، وحرب عام 1967 التي شنتها على ثلاث دول عربية، هذه هي «إسرائيل» وهذا هو تاريخها، وهذا هو حاضرها.

إن إحدى سمات وجود الدولة الصهيونية هو اقتراف العدوان على العرب، بالتالي لا يمكن لهذه الدولة إلا التآمر، فهي ترى أن الدولة الفلسطينية المستقلة، نقيض لوجودها، كما قطعت الطريق على حل الدولة الديموقراطية الواحدة أو الدولة الثنائية القومية بطرحها «يهودية دولة إسرائيل».

بوصلة جماهيرنا العربية لم تنحرف تجاه الصراع مع العدو الصهيوني ولا تجاه إدراك أخطاره ولا ما تمثله دولته. الذي حصل أنه أريد تغييب دور هذه الجماهير في عملية الصراع.

الربيع العربي سيعيد دور الجماهير العربية في عملية الصراع بوتائر أشد عزيمة من ذي قبل، وعملية «إيلات» هي خطوة أخرى على هذا الطريق، فالقضية تعود تدريجياً إلى مربعها الأول تماماً كما عملية الصراع، والشعار سيجري هذه المرة عن إزالة «إسرائيل».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2178614

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2178614 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40