الجمعة 26 آب (أغسطس) 2011

صوت السيد يهدر اليوم من مارون إلى «أفيفيم»

الجمعة 26 آب (أغسطس) 2011

منها كانت بداية الهزائم، وفي أرضها اكتوت نخبة جيش العدو بنيران المقاومين وصواريخهم، فأبت حقولها أن يدنسها من أتوا إليها تحت غطاء الظلام متخفين، في ظنهم أنهم سيلقنون القرية ورجالاتها درساً لن ينسوه أبداً، لكن سرعان ما خاب ظنهم فانقلبوا على أعقابهم مذعورين غير مصدقين.

هي مارون الراس التي كانت في الثاني عشر من تموز تستيقظ هادئة قبل أن يعكر صفو نهارها وليلها هدير «ميركافا» تقدمت إليها تمهيداً لتطويعها وإسكات حمم القذائف التي كانت تنهمر منها على المستوطنات، فانبرى لها فتى يافع أغضبته عجرفة طاقمها المتحصن بين كومة من الحديد المحصن، ممطراً جنودها بقذائف «كورنيت»، وبعدها غطى دخان كثيف ميدان القتال وأصيب جنود النخبة بالهستيريا قبل أن تتقدم مروحيات لنقل من أصيبوا ومنع أسر من نجوا من الفخ، أما في غرفة عمليات وحدة «مغلان»، وراء أحد بيوت الدجاج في مستعمرة «افيفيم» المقابلة، فقد ركنت جنود وجنديات وهم يحتضنون بعضهم بعضاً ويبكون.

لم يهنأ الصهاينة بنزهتهم كما صورها لهم قادتهم، هم أرادوا أن يروا في مارون الراس صورة نصر نادرة قوامها مئات الشباب من «حزب الله» و«أمل» وباقي المقاومين يرفعون أيديهم مستسلمين وأمامهم أسلحتهم مكدسة في ساحة البلدة، حيث تلقت الشرطة العسكرية في القيادة الشمالية حينها أمراً بأن تُعد إعداداً سريعاً موقع سجن في معسكر «فيلون» بالقرب من مستعمرة «روش بينا» لاستيعاب المئات من عناصر «حزب الله» الذين سيقعون في الأسر هناك.

غير أنهم بدلاً من ذلك باتوا أسرى ضربات المقاومين، وها هو قائد وحدة «ايغوز» في لواء «غولانى»، التي أوكلت إليها مهمة احتلال البلدة خلفاً لوحدة «ميغلان»، يصف وضع جنوده قائلاً «لا نعلم أين سنلاقيهم، قد يكون ذلك في خندق أو في كهف». هؤلاء المدافعين عن مارون تحولوا الى اشباح وإلى كابوس يلاحق جنودنا في مهاجعهم، الى حد أنهم يتمنون لو أن الليل لا يأتي، كي لا يسترجعوا مشاهد الرعب والخوف المخزّنة في ذاكرتهم، حتى أن مجرد ذكر اسم البلدة صار يستدرج خوفهم».

لم تكن خطط المقاومين على الورق قبل الثاني عشر من تموز تتضمن أي احتمال من نوع الصمود في مارون حتى الرمق الأخير. كان مطلوباً من المقاومين أن لا يشعروا «الإسرائيلي» أنه يقوم بنزهة ربيعية في الربوع اللبنانية، ويعني ذلك ميدانياً إنزال أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوفه، ولكن في نهاية الأمر اذا استمر ضغط العدو يمكن الانسحاب الى بقعة خلفية ونصب كمائن وإعادة التجربة ولو بصورة منقحة. أكثر من ذلك كان احتمال ان ينجح العدو باحتلال الأرض مطروحاً وممكناً وبالتالي كيف يتحول تكتيك المقاومين للعمل ضمن بقعة الاحتلال، وهو الأمر الذي جاهر به علناً السيد حسن نصر الله بعد انتهاء الحرب.

غير أن خطط الورق طارت في مهب ريح الميدان. ظلت مارون الراس شامخة معتزة بمقاوميها، الذين رفضوا الاستسلام فكانوا مثالاً يحتذى بالشجاعة والصمود والإقدام والاستبسال دفاعاً عن الأرض، مقتحمين الموت بعدما آلوا على أنفسهم منع العدو من تحقيق مراده، فعاد جنوده لكنهم هذه المرة مذهولين إلى مواقعهم في «افيفيم». بعد ان وافق قائد وحدة «إيغوز» التي دخلت البلدة على الانسحاب فقط إثر حصوله من قائد لواء المظليين على مهمة أن يحتل ولو لمدة ساعات منطقة ما في القرية كي لا يشعر جنوده بأنهم حاربوا عبثاً.

وعندما كان يأتي من يسأل رئيس المجلس النيابي نبيه بري في بيروت من الحلفاء والسفراء عن معنوياته في الأيام الأولى، كان يجيبهم «عندي ميزان حرارة هو أقدام المقاومين في مارون الراس، كلما تجذرت أقدامهم كلما ارتفعت معنوياتي». الأمر نفسه كان يسري على السيد نصر الله الذي كان يسمع روايات لم يسمع مثيلاً لها من قبل عن أولئك المقاومين الذين أعطوا رمزية تاريخية لمربع مارون وعيترون وبنت جبيل وعيناثا، وتحديداً لمعارك حقول الزيتون.

العلاقة بين مارون وفلسطين متجذرة منذ النكبة، حتى أمس يوم العودة الذي جعل ربيع مارون ربيع بطولة وأسطورة، وها هم المقاومون وأهل القدس ومحبوها يعودون اليوم الى مارون، ليقفوا على تخوم الجليل الخضراء يسترجعون معاً ذكريات العز والبطولة، ومن ساحة البلدة و«حديقة مارون»، ستتراءى للمستوطنين وحماتهم في مواقعهم ومن على شاشة عملاقة صورة من قاد النصر، كما سيتردد صدى صوته الذي طالما ألفوه، وبث الرعب في كل زاوية وشبر من مستعمراتهم، وستترسخ في أذهانهم جيداً كلماته التي لم يخلف بها يوما، وهو يقسم برب القدس أن العودة قريبة والنصر آت لا محالة.

- **المصدر : صحيفة «السفير» اللبنانية



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2178205

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178205 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40